الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6414 6799 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الأعمش قال : سمعت أبا صالح قال : سمعت أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لعن الله السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " . [ انظر : 6783 - مسلم : 1687 - فتح 12 \ 97 ] .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 66 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 66 ] التعليق عن علي - رضي الله عنه - رواه ابن أبي شيبة عن وكيع ، عن سمرة بن معبد ( أبي ) عبد الرحمن قال : رأيت أبا خيرة مقطوعا من المفصل ، فقلت : من قطعك ؟ قال الرجل الصالح : علي - رضي الله عنه - أما إنه لم يظلمني .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه وكيع أيضا عن سمرة قال : سمعت عدي بن حاتم عن رجاء بن حيوة أنه - عليه السلام - قطع رجلا من المفصل . ورواه أيضا عن أبي سعيد ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة أن عمر - رضي الله عنه - قطع اليد من المفصل وقطع علي - رضي الله عنه - القدم ، وأشار ابن دينار إلى شطرها .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو ثور : فعل علي أرفق وأحب إلي ، وقول قتادة رواه أحمد بن حنبل في " تاريخه الكبير " عن محمد بن الحسن الواسطي ، أنا عوف عنه .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق البخاري من حديث عائشة : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " . تابعه عبد الرحمن بن خالد وابن أخي الزهري ومعمر ، عن الزهري ، عن عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              متابعة الأولين رواها محمد بن يحيى الذهلي في كتابه " علل أحاديث الزهري " : عن روح بن عبادة ومحمد بن بكر عنهما .

                                                                                                                                                                                                                              ومتابعة الثالث ، رواها ( مسلم ) عن إسحاق بن إبراهيم وأبي حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق ، عن معمر به .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 67 ] ثم ساق البخاري من حديث يونس ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير وعمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :" تقطع يد السارق في ربع دينار " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" يقطع في ربع دينار " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث عبدة عن هشام ، عن أبيه ، عنها أن يد السارق لم تقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا في ثمن مجن : حجفة أو ترس .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث حميد بن عبد الرحمن ، عن هشام ، به : لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حجفة أو ترس ، كل واحد منهما ذو ثمن . ( رواه وكيع وابن إدريس ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا ) .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث أبي أسامة ، عن هشام ، به : لم تكن تقطع يد السارق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن المجن : ترس أو حجفة ، وكل واحد منهما ذو ثمن .

                                                                                                                                                                                                                              رواه وكيع وابن إدريس ، عن هشام ، عن أبيه مرسلا .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث مالك ، عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث جويرية عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجن ثمنه ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 68 ] ومن حديث عبيد الله ، حدثني نافع ، عن عبد الله قال : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجن ثمنه ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر قال : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد سارق في مجن ثمنه ثلاثة دراهم . تابعه محمد بن إسحاق ، وقال الليث : حدثني نافع : قيمته .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث الأعمش : سمعت أبا صالح : ( سمعت أبا هريرة ) قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لعن السارق ، يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " .

                                                                                                                                                                                                                              ( الشرح ) : أما رواية وكيع فأخرجها عبد الرزاق في " مصنفه " عنه ، فيما ذكره الطبراني في " أوسطه " .

                                                                                                                                                                                                                              وللنسائي : أخبرنا ( هارون بن سعيد ) ، ثنا خالد بن نزار ، أخبرني القاسم بن مبرور عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عنها أنه - عليه السلام - قال :" لا تقطع إلا في - يعني : ثمن المجن - ثلث دينار أو نصف دينار فصاعدا " ووافقه ابن عيينة وابن المبارك ويحيى بن سعيد وعبد ربه وزريق صاحب أيلة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 69 ] وفي حديث عروة عنها : ثمنه أربعة دراهم . ولابن أبي شيبة بإسناد عنها أن السارق لم يقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن حجفة أو ترس ، كل واحد منهما ذو ثمن .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : هو حديث صحيح تقوم به الحجة وهو مسند ، وهو رد لقول من قال : إن ثمن المجن الذي قطع فيه إنما هو مجن واحد بعينه معروف ، وهو الذي سرق فقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، فإن عائشة - رضي الله عنها - روت أن المراعى في ذلك ثمن حجفة أو ترس ، وكلاهما ذو ثمن ، ولم يحقق ترسا من حجفة .

                                                                                                                                                                                                                              وأما رواية الليث فأخرجها مسلم ، عن قتيبة وابن رمح عنه ، ولما أخرجها الترمذي عن قتيبة صححها .

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي داود من حديث إسماعيل بن أمية ، عن نافع ، عن عبد الله ، أنه - عليه السلام - قطع يد رجل سرق ترسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وللنسائي من حديث أيوب ، وإسماعيل بن أمية ، وموسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر ، عن نافع : قيمته .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم : لم يروه عن ابن عمر أحد إلا نافع .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية حنظلة ، عن نافع عنه : قيمته خمسة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 70 ] وفي " الاستذكار " لابن عبد البر : حديث ابن عمر موافق لحديث عائشة ، ولو خالفه كان الرجوع إلى حديث عائشة ؛ لأنها حكته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وابن عمر إنما أخبر أن قيمته كانت ثلاثة دراهم ولم يذكره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن أبي شيبة من حديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا :" لا قطع في تمر معلق ، ولا في حريسة جبل ، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن " .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه أصحاب السنن الأربعة ، وحسنه الترمذي .

                                                                                                                                                                                                                              وللدارقطني :" وثمن المجن دينار " .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن ماجه من حديث أبي واقد عن عمار بن سعد ، عن أبيه أنه - عليه السلام - قال :" يقطع السارق في ثمن المجن " .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : وجاء حديث لم يصح ؛ لأن راويه أبو حرملة ، ولا يدرى من هو : أن جارية سرقت ركوة لم تبلغ ثلاثة دراهم ، فلم يقطعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : وأما القطع في ربع دينار فلم يرو إلا عن عائشة ، وروي عنها على ثلاثة أضرب : لا قطع إلا في ربع دينار ، ثانيها : قطع في ربع دينار ، وقال :" القطع في ربع دينار " . ثالثها : لم يقطع في أقل من ثمن المجن .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 71 ] ولم يرو هذه الألفاظ باختلافها عنها إلا القاسم وعروة وعمرة وامرأة عكرمة ، ولم تسم لنا .

                                                                                                                                                                                                                              فأما القاسم فأوقفه ، وأنكر عبد الرحمن ابنه على من رفعه وخطأه .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الأول فلم يروه أحد نعلمه إلا يونس عن الزهري ، عن عروة وعمرة مسندا وأبو بكر بن حزم ، عن عمرة مسندا .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الذين رووا القطع في ثمن المجن دون تحديد فهشام عن أبيه ، وامرأة عكرمة ، عن عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              وللدارقطني من حديث أنس أنه - عليه السلام - قطع في شيء قيمته خمسة دارهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو هلال الراسبي راويه عن قتادة : إن ابن أبي عروبة يقول : عن أنس ، عن أبي بكر الصديق . قال : فلقيت هشاما فذكرت ذلك له ، فقال : هو عن قتادة ، عن أنس أن رجلا سرق مجنا فإن لم يكن عن أنس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو عن رسول الله ، وعن أبي بكر . ثم أخرجه من حديث شعبة عن قتادة ، عن أنس أن رجلا سرق مجنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم خمسة دراهم فقطعه .

                                                                                                                                                                                                                              ( فصل ) :

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : إنما أخبرت عائشة بما قطع فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيحتمل أن يكون ذلك ؛ لأنها قومت ما قطع فيه ، فكانت قيمته عندها

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 72 ] ربع دينار ، فجعلت ذلك مقدار ما كان - عليه السلام - يقطع فيه ، وقيمته عند غيرها أكثر من ربع دينار .

                                                                                                                                                                                                                              واعترض البيهقي فقال : لو كان أهل الحديث على هذا اللفظ لعائشة عند أهل العلم بحالها كانت أعلم بالله ، وأفقه في دينه ، وأخوف من الله في أن تقطع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فيما لم تحط به علما ، أو تطلق مثل هذا التقدير فيما تقومه بالظن والتخمين ، ومن الجائز أن يكون ( عند غيرها ) أكثر قيمة منه ، ثم تفتي بذلك المسلمين ، نحن لا نظن بعائشة مثل هذا لما تقرر عندنا من إتقانها في الرواية ، وحفظها للسنة ، ومعرفتها بالشريعة .

                                                                                                                                                                                                                              هذا وحديث ابن عيينة الذي رواه الشافعي عن الزهري ، عن ( عروة ) ، عنها أنه - عليه السلام - قال :" القطع في ربع دينار فصاعدا " لم يخرجه في الصحيح ، وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الرواة في لفظه .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث ابن وهب عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة وعمرة أنه - عليه السلام - قال :" تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " .

                                                                                                                                                                                                                              قال : ولا فرق بين اللفظين في المعنى ، قال : فرجع هذا الشيخ إلى ترجيح رواية ابن عيينة ، وقال : يونس بن يزيد عندكم لا يقارب ابن عيينة ، فكيف تحتجون بما روى يونس وتدعون ما رواه سفيان ؟ وكان ينبغي لهذا الشيخ أن ينظر في تواريخ أهل العلم بالحديث ، ويبصر مدارج الرواة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 73 ] ومنازلهم في ( الرواية ) ، ثم يدعي عليهم ما رأى من مذهبهم ويلزمهم ما وقف عليه من أقاويلهم ، لو قال : ابن عيينة لا يقارب يونس بن يزيد في الزهري كان أقرب إلى أقاويل أهل العلم بالحديث من أن يرجح رواية ابن عيينة على رواية يونس . قلت : لكن ذكر يحيى بن سعيد أن ابن عيينة أحب إليه في الزهري من معمر ، ومعمر معدود عند يحيى في الطبقة الأولى من أصحاب الزهري .

                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد بن وضاح : كان سفيان أحفظ من كل من يطلب عن الزهري في أيام سفيان ، وقال ابن مهدي : كان أعلم الناس بحديث الحجاز .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وابن شهاب حجازي أيضا . وقال أبو حاتم الرازي : أثبت أصحاب الزهري مالك وابن عيينة ، وذكر أبو جعفر البغدادي : أنه سأل أحمد بن حنبل ، من كان من الحفاظ من أصحاب الزهري ؟ فقال : مالك وسفيان ومعمر قلت : فإنهم اعتلوا ، فقالوا : إن سفيان سمع من الزهري وهو ابن أربع عشرة سنة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : هو عندنا ثقة ضابط لسماعه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن المديني : ما في أصحاب الزهري أتقن من ابن عيينة ، وقال ابن المبارك : الحفاظ عن الزهري ثلاثة : مالك ومعمر وسفيان .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 74 ] وقال يعقوب بن شيبة : أثبت الناس في الزهري ابن عيينة وزياد بن سعد ومالك ومعمر . وقال وكيع بن الجراح : ذاكرت يونس بن يزيد بأحاديث الزهري المعروفة ، وجهدت أن يقيم لي حديثا فما أقامه ، ولم يكن يحفظ وكان سيئ الحفظ .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أحمد : لم يكن يعرف الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : والعجب أن هذا الشيخ أوهم من نظر في كتابه أنه لم يرو هذا الحديث عن الزهري غير ابن عيينة ويونس ، ثم رواه في آخر الباب من حديث إبراهيم بن سعد عن الزهري ، وكذا رواه سليمان بن كثير ، فهؤلاء جماعة من ( حفاظ ) أصحاب الزهري وثقاتهم قد أجمعوا على رواية هذا الحديث منقولا من لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما رواه يونس ، إنما تدل روايتهم على أن أهل الحديث ما رووه دون ما رواه ابن عيينة ، وإن كان يجوز أن يكونا محفوظين بأن يقطع

                                                                                                                                                                                                                              في ربع دينار ، ( ويقول القطع في ربع دينار فصاعدا ) .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عيينة مرة الفعل دون القول ومرة عكسه ، وروى هؤلاء القول دون الفعل ؛ لأنه أبلغ في البيان ، هذا وقد رواه سليمان بن يسار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن عمرة مثل رواية الجماعة .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وأما حديث مخرمة بن بكير ، عن أبيه فإن هذا الشيخ علله بأنه لم يسمع من أبيه شيئا ، واحتج بما حكي من إنكاره سماع كتب أبيه ، وقد حكى إسماعيل عن مالك قال : قلت لمخرمة : إن الناس يقولون : إنك لم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 75 ] تسمع هذه الأحاديث التي تروي عن أبيك من أبيك فقال : ورب صاحب هذا القبر والمنبر لقد سمعتها من أبي ، قال ذلك ثلاثا .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : وروينا عن ( معن ) بن عيسى أنه قال : مخرمة سمع من أبيه ، وعرض عليه ربيعة أشياء من رأي سليمان بن يسار ، واعتمده مالك فيما أرسل في " الموطأ " عن أبيه بكير ، وإنما أخذه عن مخرمة ، وخرج له مسلم أحاديث في " الصحيح " عن أبيه ، فيحتمل أن يكون مراده من حكى عنه من ( إنكاره ) سماع البعض دون الكل ، ثم هب أن الأمر على ما حكي عنه من الإنكار أليس قد جاء بكتب أبيه الرجل الصالح سليمان بن يسار ، فإذا فيها تلك الأحاديث ؟ أفما يدلنا ما وجد في كتاب أبيه من حديث القطع على متابعة سليمان بن يسار ، عن عمرة أكبر أصحاب الزهري في لفظ الحديث ؟ والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : وعلل هذا الشيخ حديث أبي بكر بن حزم بما رواه ابنه عبد الله بن أبي بكر ويحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وزريق بن حكيم ، هذا الحديث عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ( مرفوعا ) ، وأخذ في كلام يوهم من نظر في كتابه أن هذا الشيخ أبا بكر بن حزم تفرد بهذا الحديث ، وأن الذين خالفوه أكثر عددا وأشد إتقانا وحفظا ، ولم يعلم حال أبي بكر في علمه بالقضاء والسنن ، وشدة اجتهاده في العبادة ، وأن عمر بن عبد العزيز اعتمده في القضاء بين المسلمين بالمدينة ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 76 ] واعتمده أيضا في كتب حديث عمرة إليه ، أفلا يعتمده فيما روي عن عمرة ، وقد تابعه غيره - وهو أحفظ الناس في دهره - ابن شهاب وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              فأما ما روي في ذلك عن يحيى بن سعيد وغيره ، كما رويناه عن يعقوب بن سفيان قال : قال أبو بكر الحميدي في حديث :" يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا " : قيل لسفيان : إن الزهري رفعه دون غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال سفيان : ثناه يحيى وعبد ربه ابنا سعيد وعبد الله بن أبي بكر وزريق بن حكيم عن عمرة ، عن عائشة أنها قالت :" القطع في ربع دينار فصاعدا " والزهري أحفظهم كلهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : ففي هذا الحديث تبين أن الزهري رفعه قولا منه ، كما حكاه أبو بكر الحميدي ، وهذا خلاف ما اعتمده هذا الشيخ من رواية سفيان ، وتبين أن الزهري أحفظهم ، وأخبرهم أن يحيى بن سعيد أشار إلى الرفع ، وكذلك رواه مالك ، عن يحيى ، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن يحيى بن ( مرة ) فقال : أنبأنا يحيى عن عمرة ، عن عائشة مرفوعا :" القطع في ربع دينار فصاعدا " ولا أدري عمن أخذه عن يحيى ؟ وأسنده أيضا أبان بن يزيد وبدل بن المحبر عن شعبة ، عن يحيى . وكانت عائشة تفتي بذلك وترويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهؤلاء الرواة كانوا يقتصرون في الرواية مرة على فتواها ومرة على روايتها ؛ لقيام الحجة بكل واحدة منهما .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث عبد الله بن أبي بكر - يعني : الذي أشار إليه الشيخ - فإنه روى عن عمرة قصة المولاتين اللتين خرجتا مع أم المؤمنين عائشة والعبد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 77 ] الذي سرق منهما ، وأنها أمرت فقطعت يده ، وقالت :" القطع في ربع دينار فصاعدا " ، فعائشة كانت تقضي بذلك وتفتي به طول عمرها ، وترويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرة ، وكانت عمرة تروي مرة فتواها ، ومرة روايتها على عادة الرواة ونقلة الأخبار ، فلا يعلل حديث الحفاظ الثقات بمثل هذا .

                                                                                                                                                                                                                              وقد رويناه من حديث يونس عن الزهري ، عن ( عروة ) وعمرة عنها ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن أبي عمر الحوضي ، عن همام ، عن قتادة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رفعته :" السارق يقطع في ربع دينار " . وتابعه على رفعه عن همام عبد الصمد بن عبد الوارث وإسحاق بن إدريس ، وهدبة بن خالد في بعض الروايات عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروي موقوفا ، وهذا لا يخالف رواية هشام عن أبيه عنهما أنها قالت : لم يقطع سارق في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس ، وكلاهما ذو ثمن . فهشام إنما رواه في رجل سرق قدحا فأمر عمر بن عبد العزيز ، قال هشام : فقلت قال أبي : إنه لا تقطع اليد في الشيء التافه ، وقال : أخبرتني عائشة - رضي الله عنها - أنه لم تكن تقطع اليد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أدنى من ثمن مجن حجفة أو ترس .

                                                                                                                                                                                                                              وقيمة المجن غير مذكورة في هذه الروايات ، وقد ذكرتها عمرة عن عائشة في رواية ابن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، عن عمرة قيل لعائشة : ما ثمن المجن ؟

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 78 ] قالت : ربع دينار ، وبينها أيضا ابن عمر - رضي الله عنهما - كما سلف ، رواه نافع عنه ، ورواه جماعة عن نافع .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : حديث ابن عمر موافق لحديث عائشة ؛ لأنه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده ربع دينار ، وذلك أن الصرف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر درهما بدينار ، وكان كذلك بعده ، وفرض عمر - رضي الله عنه - الدية اثني عشر ألف درهم .

                                                                                                                                                                                                                              أنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن عمرة أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان - رضي الله عنه - ، فأمر بها عثمان فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار فقطع يده . قال : وهي الأترجة التي يأكلها الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " شرح الموطأ " لعبد الملك بن حبيب السلمي : قال غيره : كانت من ذهب قال عبد الملك : والقول عندنا ما قاله مالك .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وحديث عثمان يدل على ما وصفنا من الدراهم كانت اثني عشر بدينار .

                                                                                                                                                                                                                              قال : ويدل حديث عثمان أيضا على أن اليد تقطع أيضا في التمر الرطب ، صلح لأن ييبس أم لم يصلح ؛ لأن الأترج لا ييبس .

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا ابن عيينة ، عن حميد الطويل ، سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع ، فقال : حضرت أبا بكر الصديق قطع سارقا في شيء ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم ، وثنا غير واحد عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - قال : القطع في ربع دينار فصاعدا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 79 ] قال البيهقي : ورواه سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن ( عليا ) قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمن ربع دينار .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال : وهذا الشيخ الذي تكلم في الأخبار التي احتججنا بها بالطعن فيها ، الآن انظر بأي شيء احتج ، روى في مقابلة حديث مالك وعبيد بن عمر وأيوب السختياني وموسى بن عقبة وإسماعيل بن أمية وحنظلة بن أبي سفيان وأيوب بن موسى وأسامة بن زيد والليث عن نافع ، عن مولاه مرفوعا قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم . وفي رواية الليث : قوم ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث محمد بن إسحاق بن يسار عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس : كانت قيمة المجن الذي قطع به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مثله ، وحديث مجاهد وعطاء عن ابن الحبشي مرفوعا " أدنى ما قطع فيه السارق ثمن المجن " . وكان يقوم يومئذ دينارا ، وقيل : عن أيمن بن أم أيمن ، عن أم أيمن ومن اتصف إلى أدنى معرفة بالأخبار ، علم أن لمثل هذه الأخبار لا يترك حديث عبد الله بن عمر ولا حديث عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي بكر بن حزم وعمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن رواته عن أبي بكر يزيد بن الهاد ومحمد بن إسحاق ، فابن الهاد أجمع الحفاظ على توثيقه والاحتجاج بروايته ، ومحمد بن إسحاق قد يحتج به فيما لا يخالف فيه أهل الحفظ ، وهو

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 80 ] في تلك الرواية لم يخالف أحدا ، فحقيق له أن لا يحتج بروايته هذه ، وقد خالفه فيها من هو أحفظ منه الحكم بن عتيبة ، فإنه إنما رواه عن عطاء ومجاهد ، عن أيمن هذا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية أبي داود في " سننه " عن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أبي السري العسقلاني ، واللفظ له عن عبد الله بن نمير ، عن ابن إسحاق ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم . وهذه كناية عن سرقة بعينها ، وهي لا تخالف في المعنى ما نعني ، ومن يرد في هذه المسألة روايته عن محمد بن ( شبرمة ) ، عن عبد الله بن صالح ، عن يحيى بن أيوب ، عن جعفر بن ربيعة ، عن العلاء بن الأسود وأبي سلمة بن عبد الرحمن وكثير بن خنيس - أو قال : ابن حبيش - أنهم تنازعوا في القطع فدخلوا على عائشة يسألونها فقالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا " فإنه لا يعلم لجعفر بن ربيعة ، عن أبي سلمة سماعا ، فلا ينبغي له أن يحتج برواية أيمن الحبشي ، وروايته عن رسول الله منقطعة ، ولا برواية القاسم بن عبد الرحمن ، عن ابن مسعود أنه قال : لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم ، لانقطاعها .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق من طريق البخاري أنه قال : قال لنا أبو صالح حدثني يحيى بن أيوب ، عن جعفر بن ربيعة ، عن ( ابن جارية ) وأبي سلمة وعبد الملك بن المغيرة وكثير بن خنيس - أو قال : ابن حبيش - وكان

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 81 ] غير مقيد ، والحفاظ ( يختلفون ) فيه الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البخاري : قال ابن أبي مريم : ثنا يحيى بن أيوب ، ثنا جعفر بن ربيعة أن الأسود بن العلاء ( بن الجارية ) ، حدثه أنه سمع عمرة تحدث عن عائشة - رضي الله عنها - أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري : وقال ( ابن ) إسماعيل : أنا علي بن المبارك ، أنا يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن عمرة حدثته أن عائشة حدثتها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله . قال : وقال الأويسي : ثنا ابن أبي الرجال ، عن أبيه ، عن عمرة ، عن عائشة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحوه . قال : وقال أصبغ : أخبرني ابن وهب ، عن مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن سليمان بن يسار ، عن عمرة ، عن عائشة - رضي الله عنها - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله . هكذا وجدنا هذا الحديث في " تاريخ البخاري " في ترجمة كثير بن حبيش ، إلا أنه قال في ذكر كثير : سمع عمرة بنت عبد الرحمن ، روى عنه الأسود بن العلاء ، أو العلاء بن الأسود ، ثم أردفه بأحاديث جماعة ممن رواه عن عمرة ، فيشبه أن يكون الحديث عن جعفر بن ربيعة ، عن الأسود ، عن أبي سلمة

                                                                                                                                                                                                                              وصاحبيه أنهم تنازعوا فدخلوا على عمرة ، ثم عمرة حدثت عن عائشة - رضي الله عنها - ، وعائشة حدثت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويحتمل أن يكون الأسود معهم حين دخلوا على عمرة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 82 ] وفي رواية ابن أبي مريم دلالة على ذلك ، وقد أثبت البخاري في " التاريخ " سماعه من أبي سلمة وعمرة ، وقال : قاله جعفر بن ربيعة .

                                                                                                                                                                                                                              وسماع جعفر من الأسود غير مدفوع مع أنه قد سمع من عبد الرحمن الأعرج ، فليس من البعيد سماعه من أبي سلمة والمذكورين معه .

                                                                                                                                                                                                                              وقد روى الأسود ، عن أبي سلمة غير هذا الحديث ، فليس فيما رد به هذا الشيخ حديث أبي سلمة ما يوجب الرد ، وقد أغنى الله جل وعز برواية الجماعة ، عن عمرة ، عن عائشة ، ورواية الجماعة عن نافع ، عن مولاه ، عن رواية جعفر بن ( ربيعة ) ، وإن كان فيها زيادة بظاهر .

                                                                                                                                                                                                                              والذي نستدل به على انقطاع حديث أيمن - ثم ساقه بإسناده - عن أيمن مولى ابن الزبير ، عن تبيع ، عن كعب قال : من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              كذا قال مولى ابن الزبير . وقد قيل : هو مولى ابن أبي عمرة . يروي عن عائشة ، وليس له عمن فوقها رواية .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : له رواية عن سعد بن أبي وقاص كما في " التهذيب " .

                                                                                                                                                                                                                              وقد استدل الشافعي بهذه الرواية على انقطاع حديثه في ثمن المجن .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : وأما روايته ، عن أيمن بن أم أيمن فإنها خطأ ، وإنما قاله شريك بن عبد الله ، وخلط في إسناده ، وشريك ممن لا يحتج به فيما خالف فيه أهل الحفظ والثقة لما ظهر من سوء حفظه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 83 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              في مناظرة حسنة وقعت بين الإمام الشافعي مع من خالفه فلنذكرها :

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي : قلت لبعض الناس هذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقطع اليد في ربع دينار . ذكرت فيه حديث " لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعدا " وما حجتك في ذلك ؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : قد روينا عن شريك ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن أيمن ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شبيها بقولنا .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : أتعرف أيمن ؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث عن تبيع ابن امرأة كعب ، عن كعب ، فهذا منقطع ، والحديث المنقطع لا يكون حجة .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وقد روى شريك عن منصور ، عن مجاهد ، عن أيمن بن أم أيمن أخي أسامة لأمه .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لا علم لك بأصحابنا ، أيمن أخو أسامة قتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين قبل مولد مجاهد ، ولم يبق بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيحدث عنه .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فقد روي عن عمرو بن شعيب ، عن عبد الله بن عمرو أنه - عليه السلام - قطع في ثمن المجن . قال ( ابن ) عمرو : وكانت قيمة المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينارا .

                                                                                                                                                                                                                              قلت له : هذا رأي من عبد الله بن عمرو ، والمجان قديما وحديثا سلع يكون ثمن عشرة ومائة ودرهمين ، فإذا قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ربع دينار قطع في أكثر منه ، وأنت تزعم أن عمرو بن شعيب ليس ممن تقبل روايته ، وتقول : غلط . فكيف ترد روايته مرة ، ثم تحتج به على أهل الحفظ

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 84 ] والصدق ، مع أنه لم يرو شيئا يخالف قولنا ؟ قال : فقد روينا قولنا عن علي - رضي الله عنه - . قلت : رواه الزعافري ، عن الشعبي ، عن علي ، وقد أنبأنا أصحاب جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن عليا قال : القطع في ربع دينار فصاعدا ، وحديث جعفر ، عن علي أولى أن يثبت من حديث الزعافري .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وإن كان قال ابن عدي في داود بن يزيد الزعافري عم عبد الله بن إدريس : لم أر له حديثا منكرا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال العجلي : لا بأس به ، وذكره ابن شاهين في " ثقاته " ، وخرج له في " مستدركه " .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف في سماع الشعبي من علي أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              قال : فقد روينا عن ابن مسعود أنه قال : لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              قلنا : قد روى الثوري ، عن عيسى بن أبي عزة ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقا في خمسة دراهم [ وهذا أقرب ] أن يكون صحيحا عن عبد الله من حديث المسعودي ، عن القاسم ، عن عبد الله ، قال : فكيف لم تأخذوا بهذا ؟

                                                                                                                                                                                                                              قلنا : هذا حديث لا يخالف حديثنا إذا قطع في ثلاثة دراهم قطع في خمسة وأكثر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 85 ] قال : فقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه لم يقطع في ثمانية .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : روايته عن عمر - رضي الله عنه - غير صحيحة ، فقد روى معمر عن عطاء الخراساني عن عمر القطع في ربع دينار ، فلم ير أن يحتج به ؛ لأنه ليس بثابت وليس لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجة ، وعلى المسلمين اتباع أمره ، فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ، ولا إلى ما يذهب إليه من ترك الحديث وإعمال ظاهر القرآن العزيز ذهب .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي : الحديث عن عمر إنما رواه القاسم بن عبد الرحمن ، وهو منقطع .

                                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر . وقيل : عن سليمان بن يسار ، عن عمر - رضي الله عنه - قال : لا تقطع الخمس إلا في الخمس . وقيل : عن قتادة ، عن أنس ، عن أبي بكر وعمر أنهما قطعا في خمسة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : فيما بلغه عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عيسى بن أبي عزة ، عن الشعبي ، عن ابن مسعود أنه - عليه السلام - قطع سارقا في قيمة خمسة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وفي كتاب أبي الشيخ من حديث بكر بن محمد ، عن رزق الله بن الأسود الواسطي ، ثنا ثابت ، عن أنس أنه - عليه السلام - قال :" يقطع السارق في المجن وقيمته خمسة دراهم " .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي : ونحن نأخذ بهذا ، إلا أنا نقطع في ربع دينار ، خمسة دراهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر من ربع دينار ، وهم يخالفون هذا ويقولون : لا نقطع في أقل من عشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وكذلك رواه أبو خيثمة ، عن ابن مهدي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 86 ] قلت : وكذا أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن وكيع ، عن حمزة الزيات ، عن الحكم ، عن أبي جعفر قال : قيمة المجن دينار الذي تقطع فيه اليد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " الاستذكار " عن جعفر ، عن أبيه أن عليا - رضي الله عنه - قطع في ربع دينار درهمين ونصف . ولا يقال : اضطربت الآثار عنه ؛ لجواز أن يكون نقص قيمة ربع دينار إلى ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن علي - رضي الله عنه - أنه قطع في بيضة حديد ، ثمنها ربع دينار .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              لما ذكر ابن أبي حاتم حديث أيمن السالف في " علله " قال : قال أبي : هذا مرسل ، وأرى أنه والد عبد الواحد بن أيمن ، وليست له صحبة .

                                                                                                                                                                                                                              وأما قول من قال : أيمن بن أم أيمن ، عن أم أيمن فخطأ من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما : أن أصحاب شريك لا يقولون عن أم أيمن ، إنما قالوا عن أيمن بن أم أيمن .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيهما : أن الثقات يروون عن منصور ، عن الحكم ، عن مجاهد وعطاء ، عن أيمن وابن أم أيمن لم يدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 87 ] وفيه مخالف لما سلف أنه توفي بحنين ، ورواه أبو الشيخ من حديث عطاء ، عن مجاهد ، عن أم أيمن ، ومن حديث شريك عن منصور ، عن عطاء ، عن أم أيمن ، ومن حديث شريك ، عنهما مرفوعا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              رويت آثار مختلفة أيضا ، روى ابن أبي شيبة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن أبي سعيد أنهما قالا : لا تقطع اليد إلا في أربعة الدراهم فصاعدا .

                                                                                                                                                                                                                              وقطع ابن الزبير في نعلين وقال ابن معمر : كانوا يتسارقون السياط ، فقال عثمان : لئن عدتم لأقطعن فيه ، وكان عروة بن الزبير والزهري وسليمان بن يسار يقولون : ثمن المجن خمسة دراهم ، رواه عن الثقفي ، عن المثنى ، عن عمرو بن شعيب عنهم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              رجح بعض الحفاظ حديث عائشة بأنه لم يختلف عنها ، واعترض بعض شيوخنا بأن في كتاب " القطع " لابن حبان من حديث إسحاق القروي ، ثنا عبد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه عنها مرفوعا :" القطع فيما زاد على ربع دينار " ورواه أيضا من حديث عروة عنها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عروة : وقيمة المجن أربعة دراهم ، وفي رواية عنها : وكان المجن يومئذ له ثمن ، وهذا الاعتراض غلط ؛ لأنا نقول : القطع في ربع دينار فما زاد ، كما سلف إيضاحه من كلام الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 88 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : أما حديث العشرة دراهم أو الدينار فليس فيه شيء أصلا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والموصول منه من قول عبد الله بن عمرو ، ولا يصح عنه أيضا ، ومن قول عبد الله بن عباس وابن المسيب وأيمن كذلك وهو عنهم صحيح ، إلا حديثا موضوعا مكذوبا لا ندري من رواه من طريق ابن مسعود مسندا " لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم " . وليس فيه مع علته ذكر القيمة أصلا .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وأخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا ، من طريق ابن إسحاق ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : كان المجن يقوم في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة الدراهم . وفي لفظ : كان ثمن المجن يقوم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأخرجه أبو الشيخ بلفظ : كان ثمن المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مرة بإسقاط أيوب بن موسى ، وقال ابن إسحاق فيه : ثنا عطاء ، عن ابن عباس ، وحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قالا : كان ثمن المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه الدارقطني من هذا الوجه بلفظ : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لا تقطع اليد إلا في عشرة الدراهم " وفي لفظ :" في أقل من عشرة الدراهم " ، وفي لفظ :" لا تقطع يد السارق في أقل من ثمن المجن " وكان ثمنه عشرة الدراهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 89 ] وحدث ابن مسعود - رضي الله عنه - أخرجه الدارقطني من حديث محمد بن الحسن وأبي مطيع ، عن أبي حنيفة ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : لا يقطع السارق في أقل من عشرة الدراهم . قال : وأرسله المسعودي ، عن القاسم بن معن ، فقال : عن عبد الله . وقال الشعبي : عن ابن مسعود : أنه - عليه السلام - قطع في خمسة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي كتاب ابن حبان من حديث ابن أبي زائدة ، ثنا القاسم بن معن ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا زحر بن ربيعة أن ابن مسعود حدثه ، فذكره بلفظ القطع في دينار أو عشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              أغرب ابن شاهين ؛ حيث قال : يمكن أن حديث القطع في ثلاثة دراهم يشبه أن يكون منسوخا بحديث العشرة . وهو من أعاجيبه .

                                                                                                                                                                                                                              ( فصل ) :

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ما ذكرناه من الفوائد الحديثية التي يرحل إليها ، فلنشرع في ذكر مذاهب العلماء فيما نقطع به ، ولا شك أن آية السرقة محكمة في وجوب قطع السارق ، ومجملة في مقدار ما يجب فيه القطع ، فلو تركنا مع ظاهرها لوجب القطع في قليل الأشياء وكثيرها ، لكن بين لنا رسوله - عليه أفضل الصلاة والسلام - مقدار ما يجب فيه القطع بما أسلفناه من الأحاديث بقطع اليد في ربع دينار فصاعدا وغيره بما سلف ، ففهمنا بهذا الحديث وغيره أن الرب - جل جلاله - إنما أراد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 90 ] بقوله : فاقطعوا بعض السراق دون بعض ، فلا يجوز قطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا ، أو فيما قيمته ربع دينار بما يجوز ملكه إذا سرق من حرز ، روي هذا القول عن عمر وعثمان وعلي وعائشة - رضي الله عنهم - ، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب الثوري والكوفيون إلى أنه : لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم ، وقالوا : من سرق مثقالا لا يساوي عشرة دراهم لا قطع عليه ، وكذلك من سرق عشرة دراهم فضة لا تساوي عشرة مضروبة لم تقطع .

                                                                                                                                                                                                                              وكذا ذكر أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتابه " اختلاف العلماء " أن الثوري وأهل الرأي قالوا ذلك ، ولا يقطع حتى يخرج المتاع من ملك الرجل ، [ و ] إذا سرق العبد من سيده ، فلا قطع عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أحمد : إذا سرق من الذهب ربع دينار قطعته ، وإذا سرق من الفضة ثلاثة دراهم ( فصاعدا ) قطعت يده ، وإذا سرق عروضا ، فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطعت يده . وعبارة غيره ذهب مالك وأحمد في أظهر الروايات عنه : أن نصابها ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، ( أو قيمة ثلاثة دراهم ) من العروض . والتقويم بالدراهم خاصة ، والأثمان أصول لا يقوم بعضها ببعض .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أحمد رواية ثانية : نصابها ثلاثة دراهم ، أو قيمة ذلك من الذهب والعروض ، والأصل في هذه الرواية نوع واحد الفضة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 91 ] وعنه ثالثة : أن النصاب ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، أو قيمة أحدهما من العروض ، ولا يختص التقويم بالدراهم ، فعلى هذه الرواية الذهب والفضة أصلان ، ويقع التقويم بكل واحد منهما ، وفيه قول ثالث قاله ابن شبرمة وابن أبي ليلى : تقطع في خمسة دراهم فصاعدا ، ذهبا إلى حديث الشعبي ، عن ابن مسعود ، ولا يصح .

                                                                                                                                                                                                                              وحكي أيضا عن مالك واستغربه ابن التين قال : وذكر ذلك عن النخعي قال : وذكر عنه أيضا أربعون درهما ، قال : وعن ابن الزبير أنه قطع في نصف درهم . وعن زياد في درهمين ، وعن أبي سعيد في أربعة .

                                                                                                                                                                                                                              ( وفيه ) قول رابع : أنه يقطع في كل ما له قيمة ، قل أو كثر .

                                                                                                                                                                                                                              وخامس : الذهب ربع دينار وغيره ما له قيمة ، قلت أو كثرت .

                                                                                                                                                                                                                              وسادس : لا قطع إلا في درهمين ، أو ما يساويهما .

                                                                                                                                                                                                                              وسابع : الذهب ربع دينار وغيره ما له قيمة ثلاثة دراهم ، وإن ساوى ربع دينار أو نصفه أو أكثر ، أو لم يساو لرخص الذهب ثلاثة دراهم لا قطع فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وثامن : الذهب ربع دينار ، وغيره كل ما يساوي ربعه ، فإن ساوى عشرة [ دراهم ] أو أقل أو أكثر ولم يساو ربع دينار لغلاء الذهب ، أو يساوي ربع دينار ، أو لم يساو نصف درهم لرخص الذهب قطع .

                                                                                                                                                                                                                              وتاسع : الذهب ربع دينار ، وغيره إن ساوى ربع دينار ، أو لم يساو ثلاثة دراهم أو عكسه قطع ، وإن لم يساو ربع دينار ولا ثلاثة دراهم فلا قطع فيه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 92 ] وعاشر : أنه لا قطع إلا في أربعة دراهم أو ما يساويها فصاعدا .

                                                                                                                                                                                                                              وحادي عشر : أنه لا قطع إلا في خمسة دراهم أو ما يساويها فصاعدا .

                                                                                                                                                                                                                              وثاني عشر : لا قطع إلا في ربع دينار أو عشرة دراهم أو ما يساويهما .

                                                                                                                                                                                                                              وثالث عشر : لا قطع إلا في ربع دينار ذهب ، أو ما يساويه .

                                                                                                                                                                                                                              حكى هذه المذاهب ( التسعة ) ابن حزم ، كل واحد عن طائفة .

                                                                                                                                                                                                                              وحكى ابن عبد البر في " استذكاره " ، عن عثمان البتي : يقطع في في درهم . وفي رواية منصور ، عن الحسن أنه كان لا يؤقت في السرقة شيئا ، ويتلو : والسارق والسارقة [ المائدة : 38 ] وفي رواية قتادة عنه أجمع على درهمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت الخوارج وطائفة من أهل الكلام : كل سارق بالغ سرق ما له قيمة قلت أو كثرت فعليه القطع .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " الموازية " على مذهب مالك : تقطع في كل ، في الماء إذا أحرز لوضوء أو شرب أو غيره ، وكذلك الحطب والورد والياسمين والرمان إذا أخذ من حرز وكان قيمته ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " المنتقى " للباجي : من سرق لحم أضحية أو جلدها قطع ، قاله أشهب . وقال أصبغ : إن سرقت قبل الذبح ، وإن كان بعده فلا .

                                                                                                                                                                                                                              احتج الكوفيون بما سلف .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 93 ] ومنها حديث ابن إسحاق ، عن أيوب بن موسى ، عن عطاء ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : كان قيمة المجن الذي قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه عشرة دراهم . وعليه اقتصر ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                                              والحجة على الكوفيين أنه يحتمل أن يكون القطع في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مجنين مختلفين أحدهما : قيمته ثلاثة دراهم ، والثاني : عشرة ؛ لأنه إذا صح القطع بنقل ، فنقل الثقات في ثلاثة دراهم دخل فيه عشرة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا أولى من حمل الأخبار على التضاد ، ومع ( الأئمة ) الأربعة الراشدين عائشة وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن الزبير .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف مالك والشافعي في تقويم الأشياء المسروقة ، فقال مالك : تقوم بالدراهم على حديث ابن عمر أن المجن كان ثمنه ثلاث دراهم ، ولا ترد الفضة إلى الذهب في القيمة ولا عكسه ، فمن سرق عبده ربع دينار فعليه القطع ، ومن سرق عبده ثلاثة دراهم فعليه القطع ، ولو سرق عبده درهمين صرفهما ربع دينار لم يجب عليه القطع ، ولو سرق ربع دينار لا تبلغ قيمته ثلاثة دراهم قطع .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب الشافعي إلى أن تقويم الأشياء الذهب ، على حديث عائشة في ربع دينار ، ولا يقوم شيئا بالدراهم فيقطع في ربع دينار ، ولا يقطع في ثلاثة دراهم ، إلا أن يكون قيمتها ربع دينار ، قال : لأن الثلاثة الدراهم إنما ذكرت في الحديث ؛ لأنها كانت يومئذ ربع دينار ذهبا ، فيقال له :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 94 ] الذهب والورق أصلان كالدية التي جعلت ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم . وكالزكاة التي جعلت في مائتي درهم عشرين دينارا ، لا يرد أحدهما إلى الآخر ، فكذلك لا ينبغي أن يقوم الذهب بالدنانير ولا عكسه ؛ لأنهما قيم المتلفات وأثمان الأشياء ، بل الغالب قيمة الدراهم ، ومحال أن يحكي ابن عمر - رضي الله عنهما - أن المجن قيمته ثلاثة دراهم ، إلا وقد قوم بها دون الذهب ، وإذا ثبت أن المجن قوم بالدراهم ، ولم ينقل أن الدراهم بعد ذلك قومت بالذهب لم يجز تقويمها بالذهب ، كما لا يقوم الذهب بها ، ووجه استعمال الأحاديث يوجب القطع في ربع دينار ثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم بعد أن ذكر ما سلف : فنظرنا في ذلك ، فوجدنا البخاري روى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - :" لعن السارق في البيضة والحبل " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديثه أيضا :" لا يسرق السارق وهو مؤمن " ، فعم الشارع كل سرقة ولم يخص عددا من عدد ، ولو أراد مقدارا من مقدار لبينه ، كما بينه في النهبة فقال :" ذات شرف " ، فلم يخص في السرقة ، فكانت هذه النصوص المتواترة المترادفة المتظاهرة موافقة لنص القرآن العزيز .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : قالوا إن حديث أبي هريرة في سرقة البيضة كان في حين نزول هذه الآية ، ثم أحكمت الأمور بعد ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما روته عائشة - رضي الله عنها - .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : ثم نظرنا فوجدنا في السنة حديث عائشة - رضي الله

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 95 ] عنها " تقطع اليد في ربع دينار " فخرج الذهب لهذا الأثر عن جملة الآية الكريمة ، وهو عموم النص الذي ذكرنا قبل ، فوجب الأخذ بكل ذلك ، وأن يستثنى الذهب من بين سائر الأشياء ، ولا تقطع اليد إلا في ربع دينار بوزن مكة ؛ لأن حنظلة بن أبي سفيان روى عنه النسائي ، عن طاوس ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعا " الوزن وزن أهل مكة " ، ووجدنا عن عائشة - رضي الله عنها - أن يد السارق ( لم تكن تقطع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشيء التافه ) ، ولم تكن تقطع في أدنى من ثمن حجفة أو ترس ، كل واحد منهما ذو ثمن ، قال : وهو حديث مسند صحيح ، وفيه أحكام ثلاثة : أن القطع إنما يجب في سرقة ما سوى الذهب فيما يساوي ثمن حجفة أو ترس ، قل ذلك أو كثر دون تحديد ، وأما دون ذلك بما لا قيمة له أصلا وهو التافه لا قطع فيه أصلا ،

                                                                                                                                                                                                                              وبيان فساد قول من ادعى أن ثمن المجن الذي فيه القطع إنما هو في مجن معين معروف .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              في " الإشراف " : أجمعوا على وجوب قطع السارق والسارقة إذا جمع أوصافا منها : أن يكون المسروق يقطع في جنسه ونصاب السرقة ، وأن يكون السارق على أوصاف مخصوصة ، وأن تكون السرقة على صفة مخصوصة ، وأن يكون الموضع المسروق منه مخصوصا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 96 ] وأجمعوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع ، واختلفوا في صفته ، هل يختلف باختلاف الأموال اعتبارا بما يعرف ؟ فقال أبو حنيفة : كلما كان حرز الشيء من الأموال كان حرزا لجميعها . وقال الباقون : هو مختلف باختلاف الأموال ، والعرف معتبر في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم عن طائفة : لا قطع إلا فيما أخرج من حرزه ، وأما إن أخذ من غير حرزه ومضى به فلا قطع به ، وكذلك لو أخذ - وقد أخذه من حرز - فأدرك قبل أن يخرجه من الحرز يمضي به فلا قطع عليه ؛ لما روي عن عمرو بن شعيب أن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : لا قطع على سارق حتى يخرج المتاع ، وعن سليمان بن موسى أن عثمان قضى أنه لا قطع على سارق وإن كان قد جمع المتاع وأراد أن يسرق حتى يحمله ويخرج . وعن عمرو بن شعيب أن سارقا دخل خزانة المطلب بن أبي وداعة فوجده قد جمع المتاع ولم يخرجه ، فأتي به ابن الزبير فجلده وأمر به أن يقطع ، فقال ابن عمر : ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت ، أرأيت لو رأيت رجلا بين رجلي امرأة لم يصبها أكنت حاده ؟ قال ابن الزبير : لا . قال : قد يكون نازعا تائبا ، أو تاركا للمتاع ومن حديث ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن علي بن سليمان ، عن مكحول ، عن عثمان : لا تقطع يد السارق وإن وجد معه المتاع ما لم يخرج به من الدار .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 97 ] ومن حديث الشهر بن نمير ، عن الحسين بن عبد الله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي - رضي الله عنه - في الرجل يوجد في البيت وقد لقي معه المتاع قال : لا يقطع حتى يحمل المتاع ويخرج به عن الباب ، وقاله عامر والشعبي وعطاء وربيعة وعمر بن عبد العزيز .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم ؛ وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وإسحاق بن إبراهيم ، وقالت طائفة : عليه القطع سواء سرق من حرز أو غيره ، كما روينا من حديث عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : بلغ عائشة - رضي الله عنها - أنهم يقولون : إذا لم يخرج السارق المتاع لم يقطع . فقالت : لو لم أجد إلا سكينا لقطعته . وهو قول عبد الله بن الزبير .

                                                                                                                                                                                                                              وأنكر النخعي قول الشعبي - يعني السالف - وقاله ابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله والحسن بن أبي الحسن وعبد الله بن أبي بكر .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : وبه يقول أبو سليمان وجميع أصحابنا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في المختلس فكان علي لا يقطعه ، وكذا قاله زيد بن ثابت والشعبي وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والحسن وإبراهيم وقتادة ، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وإسحاق بن راهويه ، وقالت طائفة : عليه القطع منهم علي بن رباح وعطاء بن أبي رباح .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 98 ] قال ابن حزم : فلما اختلفوا وجب أن ننظر في ذلك ، فنظرنا في قول من لم ير القطع إلا في أخذ من حرز ، فوجدناهم يذكرون حديث عمرو بن شعيب السالف " من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق شيئا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : سئل - عليه السلام - في كم تقطع اليد ؟ فقال :" لا تقطع اليد في ثمر معلق ، فإذا ضمه الجرين قطع في ثمن المجن " .

                                                                                                                                                                                                                              ومن حديث النسائي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو أن رجلا من مزينة أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله كيف ترى في حريسة الجبل ؟ قال :" هي ومثلها والنكال ، وليس في شيء من الماشية قطع إلا فيما أواه المراح فبلغ ثمن المجن ففيه قطع اليد ، وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث سفيان عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه - رفعه :" ليس على خائن ولا مختلس قطع " وفي لفظ " ولا منتهب " ، أخرجه أصحاب السنن الأربعة . وقال الترمذي : حسن صحيح .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه بإسناد كل رجاله ثقات من حديث عبد الرحمن بن [ ص: 99 ] عوف ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :" ليس على المختلس قطع " قال ابن المنذر : ثبت هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وممن روينا عنه أنه قال : لا قطع عليه . عمر وعلي ، وبه قال عطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز والشعبي وعمرو بن دينار والزهري وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وروينا عن إياس بن معاوية أنه قال : أقطعه . وقال الترمذي : قال محمد - يعني البخاري - : رواه المغيرة بن مسلم أيضا ، عن أبي الزبير .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : فقالوا لم يجعل القطع في مختلس ولا خائن ، فسقط بذلك القطع عن كل من اؤتمن ، وعن حريسة الجبل والثمر المعلق حتى يؤويه الجرين والمراح ، وهو حرزهما .

                                                                                                                                                                                                                              قالوا : وما وجد في غير حرز فإنما هو لقطة فقد أبيح أخذها وتحصيلها .

                                                                                                                                                                                                                              وقالوا : قد جاء عن عمر وزيد وعلي وعمار أنه لا قطع على مختلس ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف ، فدل ذلك على اعتبار الحرز .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن المنذر : ليس فيه خبر ثابت بلا مقال فيه لأهل العلم ، لكن يقول عوام أهل العلم في وجوب الحرز . أقول : وهو كالإجماع منهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 100 ] قال ابن حزم : فنظرنا فوجدنا لا حجة لهم في شيء من ذلك ، أما الخبران المذكوران فلا يصحان ، أما حديث حريسة الجبل والثمر المعلق فلا يصح ؛ ( لأن ) أحد طرفيه عن ابن المسيب مرسل ، والأخرى بما انفرد به عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، وهي صحيفة لا يحتج بها . ودليل آخر : أنه لو صح لكان عليهم لا لهم ؛ لأن المخالفين كلهم مخالفون لما فيه من قوله :" وغرامة مثليه " وهم لا يقولون بهذا ، ( وكذلك إذا لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه ، وهم لا يقولون بهذا ) ، وكذلك في حريسة الجبل غرامة مثليها ، فهم قد خالفوا هذا الخبر الذي احتجوا به في أربعة مواضع من أحكامه ، فقد يجوز الاحتجاج بخبر يصححونه ، ثم يخالفونه في أربعة أحكام من أحكام على من لا يصححه أصلا ولا يراه حجة ، فإن ادعوا في ترك هذه الأحكام إجماعا فليس جيدا ؛ لأن عمر بن الخطاب قد حكم بها بسند كالشمس بحضرة الصحابة ، ولا نعرف منهم له مخالف ، ولا ندري منهم عليه منكر . وقد روي عن عثمان بسند في غاية الصحة وغيره نحو هذا في إتلاف الأموال .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قال به أحمد فيما إذا سرق ثمرا معلقا على النخل والشجر إذا لم يكن محرزا بحرز تجب عليه قيمته مرتين .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : وأما الخبر الذي رواه أبو الزبير ، عن جابر فهو مدلس ، ولا سيما في جابر ، وقد أقر على نفسه بالتدليس فيه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 101 ] قلت : يوضحه أن النسائي قال : لم يسمعه سفيان من أبي الزبير ، إنما سمعه من ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير . ليست صحيحة ، لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير ، وقد رواه عن ابن جريج ابن وهب وعيسى بن يونس والفضل بن موسى ومحمد بن ربيعة ومخلد بن يزيد وسلمة بن سعيد ، فلم يقل أحد منهم : حدثني أبو الزبير .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " علل ابن أبي حاتم " عن أبيه وأبي زرعة أنهما قالا : لم يسمعه ابن جريج من أبي الزبير ، إنما سمعه من ياسين الزيات ، وياسين ليس بالقوي . وتكلم فيه جماعة ، فهذا فيه انقطاع في موضعين آخرين .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن الجوزي في " علله " : أن سفيان وعيسى بن يونس روياه عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، فلم يذكر الخائن .

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن حزم أنه أقر على نفسه بالتدليس فيه ، فيه وقفة ؛ فقد ذكر الساجي في " جرحه وتعديله " عن يحيى بن معين أنه قال : استحلف شعبة أبا الزبير بين الركن والمقام : اللهم إنك سمعت هذه الأحاديث من جابر . قال : الله إني سمعتها منه ، يقولها ثلاث مرات ( يرددها ) عليه . وقد قال هشيم فيما ذكره ابن سعد في " طبقاته " عن حجاج وابن أبي ليلى ، عن عطاء قال : كنا نكون عند جابر بن عبد الله ، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه ، قال : وكان أبو الزبير أحفظنا للحديث ، قال أبو الزبير : وكان عطاء يقدمني إلى جابر لأحفظ له الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 102 ] ثم قال ابن حزم : والرواية عن زيد لا تصح ؛ لأنها عن الزهري عنه ، ولم يسمع منه .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قد أخرجه ابن أبي شيبة من حديث معمر ، عن الزهري : أن مروان سأل زيدا فذكره . فهذا مروان بينهما ، ولا ينكر سماع الزهري منه ؛ لأنه ولد سنة إحدى وستين ، ووفد على مروان وهو محتلم ، ومات مروان سنة ست وستين .

                                                                                                                                                                                                                              قال أحمد بن صالح : أدرك الزهري الحرة وهو بالغ وعقلها - أظنه قال : وشهدها - وكانت الحرة أول خلافة يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم : والرواية عن عمر كذلك ؛ لأنها من رواية الشعبي عنه ، ولم يولد إلا بعد قتل عمر ، وعن عمار كذلك ؛ لأن الشعبي لم يكن يعقل إذ مات عمار .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قد ذكر ابن سعد أن الشعبي ولد سنة تسع عشرة عام جلولاء ، يعني : قبل وفاة عمر بأربع سنين .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أحمد بن محمد بن عبد ربه أنه ولد قبل وفاة عمر بسنتين سنة إحدى وعشرين .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " كتاب الرشاطي " : سنة تسع عشرة . وقال ابن حبان : سنة عشرين ، وفي " تاريخ المنتجالي " : ولد لسنتين مضيا من خلافة عمر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 103 ] وفي " الكمال " : لست سنين مضين منها . بل أسند أبو الفرج الأموي في " تاريخه " من حديث عمر بن أبي زائدة ، عن الشعبي قال : ذكر الشعراء عند عمر فقال : من أشعر الناس ؟ قلنا : أنت أعلم يا أمير المؤمنين ، قال : فمن الذي يقول :

                                                                                                                                                                                                                              إلا سليمان إذ قال له الإله قم في البرية فاحددها عن الفند



                                                                                                                                                                                                                              قلنا له : النابغة . قال : فهو أشعر الناس .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : والشعبي لم يكن يعقل إذ مات عمار . ليس بجيد لما أسلفناه من مولده ، وقد احتج هو في كتاب الحيض بحديث من رواية الشعبي ، عن علي ، وليس بين وفاة عمار وعلي إلا القليل ، ولئن قلنا : إن مولده سنة إحدى وعشرين ، فسنه إذ مات عمار ست عشرة سنة ، فكيف يقال لمن هذا سنه : لا يعقل .

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن حزم لما روى الأثر عن عمر في إضعاف العقوبة من طريق مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من ( مزينة ) ، فرفع ذلك إلى عمر . الحديث : هذا الأثر عن عمر كالشمس . فيه نظر ؛ لأن ابن سعد قال في يحيى هذا : ولد في خلافة عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 104 ] وقال يحيى بن معين : يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عمر باطل .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي حاتم في " علله " عن أبي زرعة : إن رواية من قال عن أبيه ليست جيدة ، والصحيح من غير ذكر أبيه . قال : وأما الرواية عن علي فمن طريقين ، إحداهما من حديث سماك بن حرب ، وهو يقبل التلقين ، والأخرى من طريق بكير بن أبي السميط المكفوف ، وقد روى عنه عفان وقتادة ولا يعرف حاله .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قد روى عنه جماعة ذكرهم ابن أبي حاتم ، وحاله أيضا معروفة ، وقد ذكره العجلي في " تاريخه " : بصري ثقة . وذكره ابن حبان وابن شاهين في " الثقات " ، وكذا ابن خلفون بزيادة : زعم بعضهم أنه كثير الوهم ، وهو عندي في الطبقة الثالثة في المحدثين . وقال عفان بن مسلم وغيره : ثقة . وقال الحاكم في عكرمة : لم يصح له عن ( أنس ) رواية ، وقال يحيى : صالح ، وقال

                                                                                                                                                                                                                              أبو حاتم : لا بأس به .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 105 ] وفي " تاريخ البخاري " : بكير بن أبي السميط أو ابن أبي السميط سمع قتادة ( قاله لنا ) مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل ، وقال : حبان بصري ، وتابعه عبد الصمد وقال غيره : المسمعي مولاهم . وقال الصريفيني : روى عن ابن سيرين . وأبو السميط اسمه أوس .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : . ورواية عفان عنه لم أرها لغيره .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال ابن حزم : ألا إن القول في المختلس لا يخلو من وجهين أحدهما : أن يكون نهارا غير مستخف من الناس ، فهذا لا خلاف أنه ليس سارقا فلا قطع ، أو يكون فعل ذلك مستخفيا عن كل من حضر ، فلا خلاف في كونه سارقا فبطل كل ما تعلقوا به ، وعري قولهم في مراعاة الحرز عن أن يكون له حجة أصلا ، وكل أحد يدري اللغة يعلم أن من سرق من حرز أو من غير حرز أنه سارق ، لا خلاف في ذلك ، فإذ هو سارق مكتسب سرقة فقطع يده واجب بنص القرآن والسنة ، ثم ساق حديث المخزومية السالف ، ولا يجوز أن يخص القرآن بدعوى عارية عن البرهان وكذلك السنة ، فإنه لم يخص حرزا من حرز وما كان ربك نسيا [ مريم : 64 ] قال : فاشتراط الحرز باطل بيقين لا شك فيه ، وشرع لم يأذن الله تعالى [ به ] ، وكل ما ذكرنا فإنما يلزم من قامت عليه الحجة ، ووقف على ما ذكرنا ( لأن ما سلف ممن اجتهد فأخطأ ) .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 106 ] وأما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة بأن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء الذي ليس للأخذ ، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم ، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز ، فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة ، وأما قول الصحابة فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط الحرز أصلا ، وإنما جاء عن بعضهم حتى يخرج من الدار ، وقال بعضهم : من البيت ، وليس هذا دليلا على ما ادعوه من الحرز مع الخلاف الذي ذكرنا عن عائشة - رضي الله عنها - وابن الزبير في ذلك ، فقولنا : قد جاءت به السنن الثابتة والقرآن .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : لم يختلف العلماء فيمن أخرج الشيء المسروق من حرزه سارقا له ، وبلغ المقدار الذي يقطع فيه أن عليه القطع ؛ حرا كان أو عبدا ، ذكرا كان أو أنثى ، مسلما كان أو ذميا ؛ إلا أن العبد الآبق إذا سرق اختلف السلف في قطعه ، ولم يختلف علماء الأمصار في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              روى مالك في " الموطأ " أن عبدا سرق وهو آبق فأرسل به عبد الله إلى سعيد بن العاصي - وهو أمير - أن اقطع يده فأبى وقال : لا تقطع يد الآبق إذا سرق ، فقال له عبد الله : في أي كتاب الله وجدت هذا ؟ ثم أمر به عبد الله فقطعت يده .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 107 ] وبه قال عمر بن عبد العزيز ( وسالم وعروة قال مالك : وذاك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا . قال أبو عمر ) : وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وجمهور أهل العلم بالأمصار ، وإنما وقع الاختلاف فيه عن بعض الفقهاء ، ثم انعقد الإجماع بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              ومن الاختلاف في ذلك ما رواه معمر ، عن الزهري قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز فسألني أيقطع العبد الآبق إذا سرق ؟ قلت : لم أسمع فيه شيئا . فقال لي : كان عثمان ومروان لا يقطعانه ، قال الزهري : فلما استخلف يزيد بن عبد الملك سألني عن هذه المسألة فأخبرته بما أخبرني به عمر بن عبد العزيز ، فقال : والله لأقطعنه ، قال الزهري : فحججت عامئذ فلقيت سالما فأخبرني أن أباه قطع آبقا سرق .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الثوري ومعمر ، عن عمرو بن دينار ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عباس أنه كان لا يرى على عبد آبق سرق قطعا . وقالت عائشة - رضي الله عنها - : ليس عليه قطع ، وقال الحسن والشعبي : يقطع .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              في كتاب " الإشراف " : فإن سرق ما يسرع إليه الفساد ، فقال أبو حنيفة : لا يقطع خلافا للثلاثة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 108 ] فروع :

                                                                                                                                                                                                                              سرق حر صغير لا تمييز له لا يقطع عند الشافعي وأبي حنيفة ، ويقطع عند مالك ، وعن أحمد روايتان أظهرهما : كمذهبنا ، والأخرى كمذهب مالك .

                                                                                                                                                                                                                              وإن سرق مصحفا ، قال أبو حنيفة وأحمد : لا يقطع خلافا للشافعي ومالك . والنباش لا قطع فيه عند أبي حنيفة ، وخالفه الباقون . واختلف فيما إذا سرق من ستارة الكعبة ما يبلغ نصابا ، فقال الشافعي وأحمد : يقطع خلافا لأبي حنيفة ومالك .

                                                                                                                                                                                                                              والأظهر عندنا يقطع أحد الزوجين بمال الآخر إذا كان محرزا ، وفي قول لا ، وفي ثالث : يقطع الزوج خاصة ، وقال أبو حنيفة : لا يقطع سواء سرق من بيت خاص لأحدهما ، أو من بيتها فيه ، وقال مالك : يقطع إذا كان من حرز من بيت خاص للمسروق منه ، فإن كان في بيت يسكنان فيه فلا . وعن أحمد روايتان : لا يقطع ، وكمذهب مالك ، ولا قطع عند أبي حنيفة إذا سرق من ذي رحم محرم ، وخالفه الباقون ، ولا قطع بسرقة الولد من مال الوالد خلافا لمالك .

                                                                                                                                                                                                                              وأجمعوا أنه لا قطع على الوالدين بسرقة مال أولادهم ، وإذا سرق صنما من ذهب فلا قطع عند أبي حنيفة وأحمد خلافا للشافعي ومالك ، وسارق الثياب من الحمام وعليها حافظ ، قال أبو حنيفة : إن كان ذلك

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 109 ] ليلا قطع ، أو نهارا فلا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي وأحمد في رواية : يقطع مطلقا . وعن أحمد : لا قطع مطلقا ، وقال مالك : من سرق ما كان في الحمام بما يحرس فعليه القطع ، ومن سرق ما لا يحرس منها وكان موضوعا فلا . ولو سرق عدلا أو جوارقا وثم حافظ ، قالوا : يقطع خلافا لأبي حنيفة .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في سارق العين المسروقة من السارق أو المغصوبة من الغاصب ، فقال أبو حنيفة : يقطع في المغصوب دون المسروق إذا كان السارق الأول قطع فيها ، وإن كان لم يقطع قطع الثاني .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك : يقطع كل واحد منهما ، وبه قال الشافعي وأحمد .

                                                                                                                                                                                                                              فروع أخر :

                                                                                                                                                                                                                              لو سرق من المغنم ، وكان من أهله ، فقال أبو حنيفة وأحمد : لا يقطع ، وقال مالك في المشهور عنه : يقطع . وعن الشافعي قولان كالمذهبين ، فإن كان من غير أهله قطع بإجماع .

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا هل يجتمع على السارق القطع والغرم ، فقال أبو حنيفة : لا ، فإن اختار المسروق منه الغرم فلا قطع ، وإن اختار القطع واستوفى منه فلا غرم . وقال مالك : إن كان السارق موسرا وجب عليه القطع والغرم ، وإن كان معسرا لم يتبع بقيمتها ويقطع .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 110 ] وقال الشافعي وأحمد : يجتمعان جميعا .

                                                                                                                                                                                                                              وأجمعوا على أنه لا قطع على من سرق ثمرا معلقا على الشجر إذا لم يكن محرزا ( بحرز ) . وسلف الكلام على الحرز .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              أجمعوا على أنه إذا اشترك جماعة في سرقة وحصل لكل نصاب أن عليهم القطع ، فإن اشتركوا في نصاب فلا ، قاله الشافعي وأبو حنيفة ، وقال مالك : إن كان يحتاج إلى التعاون عليه قطعوا ، وإن كان بما يمكن الواحد الانفراد به كله ففيه لأصحابه قيمته ، وإن انفرد كل واحد بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم ، إلا أن يكون قيمة ما أخرج نصابا ، ولا يضم إلى ما أخرج غيره . وقال أحمد : عليهم القطع سواء كان من الأشياء الثقيلة التي تحتاج إلى التعاون عليها كالساجة وغيرها ، وإن كان من الأشياء الخفيفة كالثوب ونحوه ، وسواء اشتركوا في إخراجه من الحرز دفعة واحدة ، أو انفرد كل واحد معه بإخراج شيء فصار بمجموعه نصابا .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              اشتركا في نقب ودخل أحدهما وناوله صاحبه ، وكان خارجه أو رمى به إليه وأخذه ، فالقطع على الداخل دون الخارج خلافا لأبي حنيفة حيث قال : لا يقطع واحد منهما ، فإن دخلا وأخرج واحد نصابا ولم يخرج

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 111 ] غيره شيئا ولم يكن منهم معاونة في إخراجه ، فقال أبو حنيفة وأحمد : يجب القطع عليهما ، وقال الشافعي ومالك : لا يقطع إلا الذي أخرج المتاع ، فإن قرب الداخل المتاع إلى النقب وتركه فأدخل الخارج يده فأخرجه من الحرز ، فقال أبو حنيفة : فالقطع عليهما ، وقال مالك : يقطع الذي أخرجه قطعا ، وفي الواحد الذي قربه خلاف بين أصحابه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : القطع على الذي أخرجه خاصة . وقال أحمد : القطع عليهما ( جميعا ) .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              اختلف في اليد والرجل من أين يقطعان ، فروي عن عمر وعثمان وعلي أنهم قالوا : من المفصل ، وعليه أكثر الفقهاء ، وقد روي عن علي رواية أخرى : أن اليد تقطع من الأصابع والرجل من نصف القدم ، ويترك له عقبا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو ثور : فعل علي أرفق وأحب إلي . والقول الأول أولى بتأويل الآية : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] واقتصر البخاري على الرواية الأولى عن علي ، وحكى ابن التين عن بعضهم قطع اليد من الإبط ، وهو بعيد عجيب ، ولا شك أن الأخذ بأوائل الأسماء واجب ، ومن قطع من الكوع سمي مقطوع اليد ، ومن قطعت أصابعه لا يسمى مقطوع اليد ، وروي أنه - عليه السلام - فعل ذلك ، وادعى الداودي فيه الإجماع .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 112 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا فيما إذا سرق ثالثة بعد أن قطع في الأولى يده اليمنى ، وفي الثانية الرجل اليسرى ، فقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين : لا يقطع أكثر من يد ورجل ، ولكن يحبس ويغرم السرقة . والرواية الأخرى عن أحمد : يقطع في الثالثة والرابعة . وهو مذهب مالك والشافعي في الثالثة يسرى يديه ، وفي الرابعة يمنى رجليه ، فيصير مقطوع الأربعة ، روي هذا عن الصديق وعمر وعثمان ، ومن التابعين عروة والقاسم وسعيد بن المسيب وربيعة ، والقول قول الثوري أيضا والأوزاعي ، وروي عن علي ، وهو قول النخعي والشعبي والزهري .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عطاء وبعض أهل الظاهر : لا يجب أن يقطع شيء من الأطراف إلا الأيدي دون الرجل ، واحتج عطاء بقوله تعالى : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] ولو شاء أمر بالرجل وما كان ربك نسيا [ مريم : 64 ] .

                                                                                                                                                                                                                              وحجة الكوفيين ما رواه إسماعيل بن جعفر ، عن أبيه أن عليا كان لا يريد أن يقطع للسارق يداه ورجلاه ، وإذا أتي به بعد ذلك قال : إني لأستحيي أن لا يتطهر للصلاة ، ولكن أمسكوا كلبه عن المسلمين بالسجن وأنفقوا عليه من بيت المال .

                                                                                                                                                                                                                              والحجة لمالك والشافعي أن أهل العراق والحجاز يقولون بجواز قطع الرجل بعد اليد وهم يقرءون : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] وهذه المسألة تشبه المسح على الخفين وهم يقرون غسل الرجلين أو مسحهما ، ويشبه الجزاء في قتل الصيد الخطأ ، وهم يقرءون : ومن قتله منكم متعمدا [ المائدة : 95 ] ولا يجوز على الجمهور تحريف

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 113 ] الكتاب ولا الخطأ في تأويله ، وإنما قالوا ذلك بالسنة الثابتة والأثر المتبع .

                                                                                                                                                                                                                              وقال إسماعيل بن إسحاق : لما قال تعالى : فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] فأجمعوا أن يده تقطع ، ثم إن سرق بعد ذلك يقطع ، ثم إن سرق بعد ذلك قطع منه شيء آخر دل على أن المذكور في القرآن إنما هو على أول حكم يقع عليه في السرقة ، وأنه إن سرق بعد ذلك أعيد عليه الحكم ، كالحد إذا زنى وهو بكر ، فإذا أعاد الزنا أعيد عليه الحد ، فلما صح هذا وجب عليه أن يقطع أبدا حتى لا تبقى له يد ولا رجل ، كما يجلد أبدا حتى لا يبقى فيه موضع جلد ، وقال بعضهم : إنما فهم السلف قطع أيدي السراق وأرجلهم من خلاف من آية المحاربين .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - :" لعن الله السارق يسرق البيضة " سلف الكلام عليه قريبا فأغنى عن إعادته .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قول قتادة في امرأة سرقت فقطع شمالها : ليس لها إلا ذلك . هو قول لمالك إذا قطع الشمال غلطا مع وجود اليمين .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الماجشون : لا يجزئ ذلك . قال : وليس خطأ السلطان بالذي يزيل القطع عن العضو الذي أوجبه الله ، وتقطع اليمين وتكون الشمال في مال السلطان يخاص به إن كان الدين ، أو في مال القاطع دون عاقلته . قال : وإليه رجع مالك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 114 ] وإذا قطعت اليسرى ثم سرق ثانية فقال ابن القاسم : تقطع رجله اليمنى لتكون من خلاف .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن نافع : تقطع رجله اليسرى قال : وقد كان قطع اليد اليسرى خطأ فلا تترك الرجل اليسرى أجزأ ذلك ، وعلى قول عبد الملك فإن تعمد القاطع قطع شماله ، فقال الأبهري : فيها نظر ، ويجوز أن يقال عليه القود ، وعن مالك وأبي حنيفة : إذا غلط القاطع فقطع اليسرى أنه يجزئ عن قطع اليمنى ، ولا إعادة عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وعن الشافعي وأحمد : على القاطع المخطئ الدية ، وفي وجوب إعادة القطع قولان عند الشافعي وروايتان عن أحمد .

                                                                                                                                                                                                                              فروع :

                                                                                                                                                                                                                              نختم بها الباب إذا ادعى السارق الملكية ، وهو السارق الشريف لا قطع عندنا ، وعند أبي حنيفة خلافا لمالك ، وعن أحمد روايات أظهرها : لا ، وثانيها : نعم ، ثالثها : إن كان معروفا بالسرقة قطع وإلا فلا . وعندنا يتوقف القطع على مطالبة المالك ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه خلافا لمالك وأحمد في الأخرى .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف فيمن قتل رجلا في داره وقال : دخل علي ليأخذ مالي ولم يندفع إلا بالقتل . فقال أبو حنيفة : لا قود عليه إذا كان الداخل معروفا بالفساد وإلا فالقود .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 115 ] وقال مالك وأحمد : عليه القود إلا أن يأتي بالبينة . قال مالك : إن كان مشهورا بالتلصص والحرابة قتل وسقط عنه القود .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              أجمعوا على أنه إذا قطع حسم ، وإنه إذا لم يكن له الطرف المستحق قطعه أنه يقطع ما بعده ، فإن كان أشل من الطرف المستحق قطعه بحيث أنه لا يقطع فيه ، فقال مالك وأحمد : يقطع ما بعده . وقال أبو حنيفة : يقطع يمينه وإن كانت شلاء ، وقال الشافعي : إذا سرق ويمينه شلاء ، وقال أهل الخبرة : إنها إذا قطعت وحسمت وقاد بها فإنها تقطع .

                                                                                                                                                                                                                              وإن قالوا : إنها إذا قطعت لم يرق دمها وأدى إلى التلف لم تقطع ، ويقطع ما بعدها .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              اختلفوا فيما إذا سرق نصابا ثم ملكه بشراء أو هبة أو إرث أو غيره هل يسقط القطع عنه ؟ فقالوا : لا سواء كان ملكه قبل ( التدافع ) أو بعده ، وقال أبو حنيفة : متى وهبت له أو بيعت منه سقط القطع عنه .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              قالت طائفة : لا قطع حتى يقر مرتين ، وهو قول ابن أبي ليلى ويعقوب وأحمد وإسحاق .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 116 ] وقال عطاء والثوري والنعمان ومحمد والشافعي وأبو ثور : يجب بمرة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              لو كان مريضا أخر الحد عنه عند ( مالك ) والشافعي وأبي حنيفة ومحمد إذا خيف عليه ، وكذا الحر والبرد ، وخالف أحمد وإسحاق فيه ، احتجا بأن عمر - رضي الله عنه - جلد قدامة وهو مريض ، وقال : أخشى أن يموت ، وبه قال أبو ثور .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              اليد الشمال خلاف اليمين والجمع : أشمل مثل أذرع ، وشمائل على غير قياس ، قال تعالى عن اليمين والشمائل [ النحل : 48 ] والشمال مؤنثة .

                                                                                                                                                                                                                              أخرى :

                                                                                                                                                                                                                              المجن والحفة والترس واحد ، تطارق بين جلدين ويجعل منها جحفة .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثة : قوله : في مجن ثمنه ثلاثة دراهم هي لغة . واللغة الثانية : الثلاثة الدراهم ، والثالثة : الثلاثة دراهم .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              سرق ثلاثة دراهم ينقص كل درهم ثلاث حبات ، وهي تجوز جواز الوازنة ، ففي كتاب محمد : لا يقطع . قال أصبغ : وأما حبتان في كل

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 117 ] درهم فيقطع . وقال غيره : درء القطع أحسن .

                                                                                                                                                                                                                              آخر : اختلف في تقويم السرقة : فقدمت ثلاثة وقومت بدونها .

                                                                                                                                                                                                                              ففي " المدونة " : يقطع ، وفي " مختصر الوقار " : لا .

                                                                                                                                                                                                                              آخر : سرق عرضا فقيل : يقوم بالفضة ، وقيل : في العادة أن يباع به من ذهب أو فضة ، وقال الشافعي بالذهب .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية