الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6628 7034 - فقال ابن عباس : ذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " بينا أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ، ففظعتهما وكرهتهما ، فأذن لي فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين يخرجان " . فقال عبيد الله : أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن ، والآخر مسيلمة . [انظر : 3621 - مسلم : 2274 - فتح: 12 \ 420 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "بينا أنا نائم رأيت أنه وضع في يدي إسواران من ذهب ففظعتهما . . " الحديث بطوله .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف مطولا في قصة العنسي الكذاب في آخر المغازي ، وفي علامات النبوة .

                                                                                                                                                                                                                              وابن نشيط في إسناده هو عبد الله بن عبيدة بن نشيط ، أخو موسى بن عبيدة ، يقال : بينهما في الولادة ثمانون سنة ، وعبد الله هو الأكبر ، قتله الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة . ويقال فيهما : الربذي القرشي العامري مولاهم ، وينسبون إلى اليمن أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( ففظعتهما ) هو بكسر الظاء .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 229 ] قال ابن التين : وكذا رويناه ، يقال : فظع الأمر فظاعة ، وأفظع اشتد . وفظعت بالأمر وأفظعني : اشتد علي . قال الداودي : وفيه دليل أن كل ما يراه الإنسان من حلية النساء شغل ، وزواله زوال ذلك الشغل .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : " إسواران " كذا وقع هنا بالألف ، وفيما سلف ، ويأتي بدونها ، وهو الأكثر عند أهل اللغة ، كما قاله ابن بطال . وقال ابن التين في باب : النفخ : قوله : " فوضع في يدي سوارين " . كذا عند الشيخ أبي الحسن ، وعند غيره : "إسواران " وهو الصواب ، وقد وقع في الشعر :


                                                                                                                                                                                                                              ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا



                                                                                                                                                                                                                              والكلاب : منصوب بـ (ولدت جرو كلب ) نصب تأكيد ، والتقدير : ولو ولدت قفيرة الكلاب ما جرو كلب . . إلى آخره .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : (الشبه السب ) .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : والذي في الأصول "سواران " بحذف الألف هناك كما ستعلمه ، وإن كان ابن بطال ذكره بإثباتها .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيدة : سوار المرأة وسوارها ، يعني : بالضم والكسر .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو علي الفارسي : وحكى قطرب إسوار ، وذكر أن أساور جمع إسوار على حذف الياء ؛ لأن جمع إسوار : أساوير .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : وهذه الرؤيا ليست على وجهها ، وإنما هي على ضرب المثل ، وإنما أولها بالكذابين ؛ لأن الكذب إنما هو الإخبار عن [ ص: 230 ] الشيء بخلاف ما هو به ووضعه في غير موضعه ، فلما رآهما في ذراعيه وليسا موضعا للسوارين ؛ لأنهما ليسا من حلية الرجال علم أنه سيقبض على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يعني : على أوامره ونواهيه - من يدعي ما ليس له كما وضعا ، حيث ليس لهما . وكونهما من ذهب والذهب منهي عنه في اليدين دليل على الكذب من وجوه : وضع الشيء في غير موضعه كما سلف ، وكون الذهب مستعملا في الرجال وهو منهي عنه ، ومنه يشتق الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه ولا يبقى ، ثم وكد له الأمر فأذن له في نفخهما فطارا عبارة أنهما لا يثبت لهما أمر ، وأن كلامه - عليه السلام - بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما الذي قاما فيه ، والنفخ دليل على الكلام وعلى إزالة الشيء المنفوخ فيه ، وإذهابه بغير كلفة شديدة ؛ لسهولة النفخ على النافخ ، وكذلك كان أذهب الله ذينك الكذابين بكلامه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الكرماني : من رأى أنه يطير بين السماء والأرض أو من مكان إلى مكان ، فإن كانت رؤياه أضغاث فإنه كثير التمني والفكر والاغترار بالأماني ، وإن كانت صحيحة وكان يطير في عرض السماء فإنه يسافر سفرا بعيدا وينال رفعة بقدر ما استعلي من الأرض في طيرانه ، فإن طار إلى السماء مستويا لا ينعوج ناله ضرر ، فإن وصل إلى السماء فبلغ الغاية فإن غاب فيها ولم يرجع مات ، وإن رجع إلى الأرض أفاق . وقال ابن أبي طالب العابر : وإن كان ذلك بجناح فقد يكون جناحه مالا ينهض به أو سلطانا يسافر تحت كنفه ، وإن كان بغير جناح دل على التعزيز فيما يدخل فيه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية