الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6656 [ ص: 298 ] 7067 - وقال أبو عوانة ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن الأشعري أنه قال لعبد الله : تعلم الأيام التي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام الهرج . نحوه . قال ابن مسعود : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء " . [فتح: 13 \ 14 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "يتقارب الزمان ، ويقبض العلم ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج " . قالوا : يا رسول الله ، أيم هو ؟ قال : "القتل القتل " .

                                                                                                                                                                                                                              وقال شعيب ويونس والليث وابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن حميد ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش ، عن شقيق قال : كنت مع عبد الله وأبي موسى قالا : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج " والهرج : القتل .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : جلس عبد الله وأبو موسى فتحدثا ، وقال أبو موسى : قال - عليه السلام - . . بملثه .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي وائل قال : إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى -رضي الله عنهما - ، فقال أبو موسى : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ، والهرج بلسان الحبشة : القتل .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي وائل أيضا - وأحسبه رفعه - قال : " بين يدي الساعة أيام الهرج ، يزول فيها العلم ، ويظهر فيها الجهل " . قال أبو موسى : والهرج : القتل بلسان الحبشة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عوانة ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن الأشعري أنه قال لعبد الله : تعلم الأيام التي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أيام الهرج . نحوه . قال ابن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 299 ] مسعود
                                                                                                                                                                                                                              : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : "من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              حديث يونس أخرجه أبو داود ، عن أحمد بن صالح ، عن عنبسة ، عن يونس ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف به ، وحديث الليث رواه أبو بكر ، عن ابن المبارك عنه ، وحديث عبيد الله بن موسى ، عن الأعمش ، كذا هو في الأصول ، ووقع عند أبي زيد : حدثنا مسدد ، ثنا عبيد الله بن موسى . قال الجياني : وهو وهم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قد عرفت أن تفسير الهرج ذكره مرة ما ظاهره الرفع ، ومرة من كلام أبي موسى وأنه بلغة الحبش ، وكذا ساقه الحربي في "غريبه " من كلام أبي موسى ؛ قال : (الحبش ) يدعون القتل : الهرج ، وهو بتسكين الراء ، وأصله الفتنة والاختلاط ، قال ابن قيس الرقيات :


                                                                                                                                                                                                                              ليت شعري أول الهرج هذا أم زمان فتنة غير هرج



                                                                                                                                                                                                                              يعني : أول الهرج المذكور في الحديث هذا أم زمان فتنة سوى ذلك ، وعن صاحب "العين " : الهرج مثال لعب القتال والاختلاط .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 300 ] وعن ابن دريد : الهرج الفتنة في آخر الزمان . وفي "المحكم " : الهرج : شدة القتل وكثرته ، والهرج كثرة النكاح ، والهرج كثرة النوم وكثرة الكذب . وفي "المنتهى " لأبي المعالي : والهرج كثرة الاحتلام . وفي "الصحاح " : أصل الهرج الكثرة في الشيء ، ومنهم قولهم في الجماع : بات يهرجها الليلة جميعا .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (والهرج بلسان الحبش ) القتل هذا ليس من لفظ الحبش ولا من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              في "صحيح مسلم " من حديث معقل بن يسار - رضي الله عنه - : "العبادة في الهرج كهجرة إلي " ، وأخرجه الترمذي أيضا ، وقال : حديث صحيح ، إنما نعرفه من حديث المعلى بن زياد .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن ماجه من حديث الحسن عن أسيد ، ، عن المتشمس ، عن أبي موسى بعد قوله - عليه السلام - : "الهرج القتل " . قال رجل من المسلمين : يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا . فقال - عليه السلام - : "ليس بقتل المشركين ، ولكن يقتل بعضكم بعضا ؛ حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته " . فقال بعض القوم : يا رسول الله ، ومعنا عقولنا ذلك اليوم فقال : "لا تنزع عقول أكثر من ذلك [ ص: 301 ] الزمان ، ويخلف له هنا من الناس لا عقول لهم " . ثم قال الأشعري : والله إني لأظنها تدركني وإياكم ، وايم الله لي ولكم منها مخرج إن أدركتنا مما عهد إلينا نبينا ألا نخرج منها كما دخلنا فيها . وعند ابن أبي حاتم : "ولكن قتلكم أنفسكم " . وقال أبوه : هو وهم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قد سلف في تقارب الزمان هل هو اعتدال الليل والنهار ، أو إذا دنا قيام الساعة أو الساعات والأيام والليالي تقصر . وقال الطحاوي : قد يكون معناه تقارب أحوال أهله في ترك طلب العلم خاصة والرضا بالجهل وذلك ؛ لأن الناس لا يتساوون في العلم ؛ لتفاوت درجه قال تعالى : وفوق كل ذي علم عليم

                                                                                                                                                                                                                              وإنما يتساوون إذا كانوا جهالا . وقال ابن بطال : معناه -والله أعلم - تفاوت أحواله في أهله في قلة الدين ؛ حتى لا يكون فيها من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ؛ لغلبة الفسق وظهور أهله ، وقد جاء في الحديث " لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا " ، يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف لله ؛ يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفى بآرائهم ، ويتبرك بدعائهم ، ويؤخذ بقولهم وآثارهم . وذكر الخطابي أن حديثه الآخر أنه : "يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، والجمعة كاليوم ، واليوم كالساعة " ، فإن حماد بن سلمة قال : سألت عنه أبا سليمان فقال :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 302 ] ذلك من استلذاذ العيش ، يريد -والله أعلم - خروج المهدي ووقوع الأمنة في الأرض ببسطه العدل فيها ، فيستلذ العيش عند ذلك وتستقصر مدته ، ولا يزال الناس يستقصرون أيام الرخاء وإن طالت ، ويستطيلون [أيام ] المكروه وإن قصرت ، والعرب في مثل هذا كقولهم : مر بنا يوم كعرقوب القطا قصرا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الزمن بفتح الميم جمعه (أزمان ) وهو شاذ ؛ لأن فعلا بالفتح لا يجمع على أفعال إلا حروفا يسيرة زمن وأزمن ، وحبل وأحبل ، وعصب وأعصب .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : "من شرار الناس . . " إلى آخره . هو إخبار عن أن الكفار والمنافقين شرار الخلق ، وهم حينئذ أحياء إذ ذاك ؛ قاله ابن التين .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن بطال : وهو وإن كان لفظه العموم فالمراد به الخصوص ، ومعناه أن الساعة تقوم في الأغلب والأكثر على شرار الناس ؛ بدليل قوله - عليه السلام - : "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرها من ناوأها حتى تقوم الساعة " ، فدل هذا الخبر أن الساعة أيضا تقوم [ ص: 303 ] على قوم فضلاء ، وأنهم في صبرهم على دينهم كالقابض على الجمر ، وقد ذكر - عليه السلام - فضلهم في أحاديث جمة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية