الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6678 7091 - وقال لي خليفة : حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا سعيد ومعتمر ، عن أبيه ، عن قتادة أن أنسا حدثهم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا ، وقال عائذا بالله من شر الفتن . [انظر : 93 - مسلم : 2359 - فتح: 13 \ 43 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث هشام ، عن قتادة ، عن أنس - رضي الله عنه - قال : سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحفوه بالمسألة ، فصعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم المنبر فقال : "لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم " . فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي ، فقال رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه فقال : يا نبي الله ، من أبي ؟ فقال : "أبوك حذافة " . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 351 ] قال قتادة : يذكر هذا الحديث عند هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [المائدة : 101 ] .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف مختصرا في تفسير هذه الآية من حديث شعبة عن موسى بن أنس عن أنس - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري : وقال لي عباس النرسي : ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، أن أنسا حدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا ، وقال كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي . وقال : عائذا بالله من شر الفتن .

                                                                                                                                                                                                                              أراد بهذا تصريح سماع قتادة من أنس ، وهذا مما أخذه عنه النرسي مذاكرة ، ثم قال : وقال لي خليفة : ثنا يزيد بن زريع ، ثنا سعيد ومعتمر ، عن أبيه ، عن قتادة : أن أنسا حدثهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا ، وقال : عائذا بالله من شر الفتن . والقول في هذا كالقول في الذي قبله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإسماعيلي حديث سعيد ومعتمر هذا في "صحيحه " عن موسى ، ثنا أبو بكر الصغاني ، ثنا روح بن عبادة ، ثنا سعيد . وحدثنا إبراهيم بن هاشم والحسن بن سفيان ، ثنا عاصم بن النضر ، ثنا المعتمر . وأخبرنا ابن ناجية ، ثنا أبو الأشعث ، ثنا المعتمر ، عن أبيه ، قالا : ثنا قتادة ، فذكره ، وفيه : واسم الرجل خارجة ، قلت : غريب ، فإنما هو عبد الله كما أسلفناه هناك ، وقيل : قيس أخوه .

                                                                                                                                                                                                                              وقد أسلفنا أن البخاري صرح في روايته بأنه عبد الله في الاعتصام ، في باب : ما يكره من كثرة السؤال ، كما ستعلمه ، وروى أن أمه قالت له : يا بني ، والله ما رأيت ابنا أعق منك ، أن تكون أمك قارفت بعض [ ص: 352 ] ما تقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس . فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : (حتى أحفوه ) . هو بهمزة مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم فاء ، أي : ألحفوا وألحوا ، ومنه فيحفكم تبخلوا : [محمد : 37 ] أي : تبالغوا في مسألتكم . قال صاحب "الأفعال " : أحفى الرجل في السؤال : ألح . وفي التنزيل : فيحفكم تبخلوا . أي : يلح عليكم فيما يوجبه في أموالكم ، ولما ألحوا عليه في المسألة كره مسائلهم ، وعز على المسلمين ما رأوا من الإلحاح عليه والتعنت له وتوقعوا عقوبة الله أن تحل بهم ، ولذلك بكوا ، فمثل الله له الجنة والنار ، وأراه كل ما يسأل عنه في ذلك الوقت ، فقال : "لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم " . وقال للرجل : "أبوك حذافة " .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وفي هذا الحديث فضل عمر - رضي الله عنه - ومكانه من الحماية عن الدين والذب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ قال : (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ) . ومنع من تعنته والإلحاح عليه ؛ لأن الله تعالى قد أمر بتعزيره وتوقيره ، وألا يرفع الصوت فوق صوته واستعاذ بالله من (شر ) الفتن ، وكذلك استعاذ رسوله - صلى الله عليه وسلم - من شر الفتن ، واستعاذ من [ ص: 353 ] فتنة المحيا والممات وإن كان قد أعاذه الله من كل فتنة وعصمه من شرها ؛ ليسن ذلك لأمته فتستعيذ بما استعاذ منه نبيها - عليه السلام - ، وهذا خلاف ما روي عن بعض من قصر علمه أنه قال : اسألوا الله الفتنة فإنها حصاد المنافقين ، وزعم أن ذلك مروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو حديث لا يثبت ، والصحيح خلافه من رواية أنس وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما نبه عليه ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (كان إذا لاحى ) أي : نازع . وتعوذه من سوء الفتن ولم يتعوذ من جميعها ؛ لقوله تعالى : إنما أموالكم وأولادكم فتنة [التغابن : 15 ] ، وهو يشتمل على شر الدنيا والآخرة ، نبه عليه الداودي ، وقال في الموضع الآخر : (من شر الفتن ) كذا روينا بالراء والتشديد ، ذكره ابن التين .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله تعالى : لا تسألوا عن أشياء [المائدة : 101 ] هو عن السؤال عن المسائل التي لم تنزل ، وكان - عليه السلام - يخاف أن يسأل عن المسائل التي لم تنزل ؛ خوفا أن ينزل ما فيه تضييع أمته ، ويؤيده أن رجلا قال : يا رسول الله ، أفرض الحج في كل عام ؟ فقال : "لو قلتها لوجبت ، ولو وجبت وتركتموه لكفرتم " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 354 ] والذي قاله قتادة : أن الآية نزلت عند هذا الحديث ظاهر ، وقيل : إنما هي نهي عن ذلك ؛ لأن الله سبحانه (وتعالى ) أحب الستر على عباده وأحب ألا يقترحوا المسائل ، وقال سعيد بن جبير : نزلت فيمن سأل عن البحيرة الآية ، ألا ترى أن بعده : ما جعل الله من بحيرة [المائدة : 103 ] .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية