الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6700 7117 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني سليمان ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " . [انظر : 3517 - مسلم : 2910 - فتح: 13 \ 76 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة " . وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع ، عن أبي هريرة أيضا - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الأول ظاهر فيما ترجم له ، وذكر مسلم في كتابه ما يبينه من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى " . فقلت : يا رسول الله ، إن كنت لأظن حين أنزل الله هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق إلى قوله : ولو كره المشركون [الصف : 9 ] أن ذلك تام .

                                                                                                                                                                                                                              قال : "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحا طيبة ، [ ص: 394 ] فتوفى كل من في قلبه مثقال حبة (من ) خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم "
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وهذه الأحاديث وما جانسها معناها الخصوص ، وليس المراد بها أن الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شيء ؛ لأنه قد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبا كما بدأ .

                                                                                                                                                                                                                              وروى حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف ، عن عمران بن حصين قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " .

                                                                                                                                                                                                                              وكان مطرف يقول : هم أهل الشام ، فبين في هذا الخبر خصوصية سائر الأخبار التي خرجت مخرج العموم ، وصفة الطائفة التي على الحق مقيمة إلى قيام الساعة أنها ببيت المقدس دون سائر البقاع ، فبهذا تأتلف الأخبار ولا تتعارض ، وقد سلف هذا في كتاب العلم في باب : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، فإن قلت : فما وجه حديث القحطاني الذي يسوق الناس بعصاه هنا . وقد قال الإسماعيلي : إنه ليس من (ترجمة ) الباب في شيء . قلت : أجاب عنه المهلب بأن وجهه أنه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 395 ] إذا قام رجل من قحطان ليس من فخذ النبوة ولا من رهط الشرف الذين جعل الله فيهم الخلافة فذلك من أكثر تغير الزمان ، وتبديل أحوال الإسلام ، وأن يطاع في الخلافة ، وأن يطاع في الدين من ليس أهل لذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              سلف ذكر القحطاني وإنكار معاوية ذكره ، وذو الخلصة ضبطه عبد الملك بن هشام وابن إسحاق بفتح اللام والخاء ، وضبطه غيره بضمهما كما سلف في موضعه ، ووقع في كتاب مسلم أنه كان يقال له : الكعبة اليمانية والشامية ، وهو مشكل ومعناه : ذو الخلصة كان يقال له : الكعبة اليمانية ، والكعبة الشامية البيت الحرام . فزيادته له في الحديث سهو ، وبإسقاطه يصح المعنى ، قاله بعض المحدثين ، وهو في "جامع البخاري " بإسقاط له ، وأما السهيلي فقال : ليس هو بسهو عندي ، وإنما معناه كان يقال : له ، أي : يقال من أجله الكعبة الشامية للكعبة ، وهو الكعبة اليمانية ، و (له ) بمعنى : (لأجله ) لا ينكر في العربية .

                                                                                                                                                                                                                              قال عمر بن أبي ربيعة :


                                                                                                                                                                                                                              وقمير بدا لنا آخر الليل قد (لاح ) قالت له الفتاتان قوما



                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 396 ] وذو الخلصة : بيت لدوس وجعل مكانه مسجدا بالعيلاء من أرض خثعم فيما ذكره أبو عبيد : والخلصة في اللغة نبت طيب الريح يتعلق بالشجر ، له حب كعنب الثعلب ، وجمع الخلصة : خلص قاله أبو حنيفة في "نباته " وأوضحه ، وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتابه : أن امرأ القيس بن حجر حين وتره بنو أسد بقتل أبيه استقسم عند ذي الخلصة بثلاثة أزلام الزاجر والآمر والمريض فخرج له الزاجر فسب الصنم ورماه بالحجارة وقال له :

                                                                                                                                                                                                                              اعضض بظر أمك ثم قال :


                                                                                                                                                                                                                              لو كنت يا ذا الخلص الموتورا


                                                                                                                                                                                                                              ذوي وكان شيخك المبتورا


                                                                                                                                                                                                                              لم تنه عن قتل العداة زورا



                                                                                                                                                                                                                              قال : فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الإسلام فهدمه جرير البجلي قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهرين .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              (أليات ) بفتح الألف واللام مثل صلوات وهذا إخبار منه - عليه السلام - بما يكون في آخر الزمان يريد أن نساء دوس يركبن الدواب إلى هذه الطاغية من البلدان فهو اضطراب ألياتهن ، والألية ، بفتح الهمزة ، ولا يقال بكسرها ، ولا لية فإذا ثنيت قلت أليان ولا يخلفه التاء ، ويقال : رجل آلي أي : عظيم الألية والمرأة عجزاء ، ولا يقال : ألياء .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية