الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6945 7380 - حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: من حدثك أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد كذب، وهو يقول لا تدركه الأبصار [ الأنعام: 103 ] ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. [ انظر: 3234 - مسلم: 177 - فتح: 13 \ 361 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : "مفاتيح الغيب خمس. . " الحديث. وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              وذكره هنا بلفظ: وقال خالد بن مخلد، ثنا سليمان بن بلال، ثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - به.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 200 ] وحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: من حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                              غرضه في هذا الباب إثبات علم الله تعالى صفة ( له ) أبدا; إذ العلم حقيقة في كون العالم عالما; إذ من المحال كون العالم عالما ولا علم له، وكذلك سائر أوصافه المقتضية للصفات التي هي حقيقة في ثبات الأوصاف المجراة عليه تعالى من كونه حيا قادرا وما شابه ذلك خلافا لما تقوله القدرية من أنه عالم قادر حي بنفسه لا بقدرة ولا بعلم ولا بحياة، ثم إذا ثبت كون علمه قديما وجب تعلقه لكل معلوم على حقيقته.

                                                                                                                                                                                                                              وقد نص تعالى على إثبات علمه بقوله تعالى: إن الله عنده علم الساعة ، [ لقمان: 34 ] وبقوله: أنزله بعلمه وغيرهما من الآيات السالفة، فمن دفع علم الباري تعالى الذي هو حقيقة في كونه عالما، وزعم أنه عالم بنفسه لا بعلم فقد رد نصه تعالى على إثبات العلم الذي هو حقيقة في كونه عالما، ولا خلاف في رد نصه على أنه ذو علم وبين رد نصه على أنه عالم، فالنافي لعلمه كالنافي لكونه عالما، وأجمعت الأمة على أن من نفى كونه عالما فهو كافر، فينبغي أن يكون من نفى كونه ذا علم كافرا، ومن نفى أحد الأمرين كمن نفى الآخر، والقول في العلم بهذا كاف من القول به في جميع صفاته.

                                                                                                                                                                                                                              وتضمن هذا الباب الرد على هشام بن الحكم ومن قال بقوله [ ص: 201 ] من أن علمه تعالى محدث، وأنه لا يعلم الشيء قبل وجوده، وقد نبه الله تعالى على خلاف هذا بقوله: إن الله عنده علم الساعة الآية [ لقمان: 34 ]، وجميع الآيات الواردة بذلك، وأخبر الشارع بمثل ذلك في حديث ابن عمر وعائشة - رضي الله عنهما - ، فلا يلتفت إلى من رد نصوص الكتاب والسنة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول عائشة - رضي الله عنها - السالف واحتجاجها بالآية سلف جوابه، وقال الداودي: إنما أنكرت ما قيل عن ابن عباس أنه رآه بقلبه، وأما معنى الآية: لا تحيط به الأبصار، قال تعالى: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون [ الشعراء: 61 ]، فأخبر أنهما ترائيا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: إنا لمدركون . يعنون: محاطا بنا، والله تعالى يرى في المعاد، وما ينكر إذا رئي أي في المعاد أن يراه من شاء الله أن يراه، والنفي لا يكون إلا بتوقيف، و ( أما ) منعها حجة ( هي ) خلاف ما تبين لنا.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عن ابن عباس أنه - عليه السلام - رأى الله تعالى بعيني بصره. خلاف ما ذكر عنه الداودي أنه رآه بقلبه، ولعله سبق قلم، وإنما هو بعينه، وهو [ ص: 202 ] الذي أنكرته عائشة - رضي الله عنها - ، وقال أبو الحسن الأشعري: هي فضيلة خص بها من بين سائر الأنبياء، ولا بأس أن تكون الملائكة يرونه بأبصار قلوبهم، وذلك غير ممتنع.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف جوابه وجواب غيره من مشيخة أهل السنة: هل رؤيته تعالى في القيامة جزاء أم تفضل؟ ونفس ( رؤيته ) سبحانه ليست لذة; لأن ذاته ليست ذاتا يلتذ بها، وإنما يصحب رؤيته اللذة، وقيل: معنى لا تدركه الأبصار: تدركه جسما ولا جوهرا ولا عرضا ولا كشيء من المدركات، وقيل: لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون، وقيل: لا تدركه في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قولها: ( من حدثك أن محمدا يعلم الغيب فقد كذب ). قال الداودي: ما أظنه محفوظا، وإنما المحفوظ: من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب، وإنما قالت ذلك; لأن الرافضة كانت تقول: إنه - عليه السلام - خص عليا بعلم لم يعلمه غيره، وأما علم الغيب فما أحد يدعي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعلم منه إلا ما علمه الله تعالى.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية