الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6946 [ ص: 203 ] 5 - باب: قول الله تعالى: السلام المؤمن [ الحشر: 23 ]

                                                                                                                                                                                                                              7381 - حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا مغيرة، حدثنا شقيق بن سلمة قال: قال عبد الله: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول: السلام على الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ". [ انظر: 831 - مسلم: 402 - فتح: 13 \ 365 ].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث شقيق بن سلمة قال: قال عبد الله - رضي الله عنه - : كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فنقول: السلام على الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله. . "

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              السلام هو: السالم من العيوب والنقائص والآفات الدالة على حدث بمعنى السلامة من ذلك كله.

                                                                                                                                                                                                                              والمؤمن: المصدق، أي: صدق نفسه وأنبياءه، وقيل: يؤمن ( من ) الخوف، ومنه: وآمنهم من خوف [ قريش: 4 ].

                                                                                                                                                                                                                              وغرضه في هذا الباب إثبات اسم من أسمائه تعالى، فالسلام اسم من أسمائه تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: والله يدعو إلى دار السلام [ يونس: 25 ]. ( مختلف في تأويله فقيل معناه: والله يدعو إلى دار السلامة ) يعني: الجنة; لأنه لا آفة فيها [ ص: 204 ] ولا كدر، فالسلام على هذا والسلامة بمعنى، كاللذاذ واللذاذة، والرضاع والرضاعة.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: السلام اسم لله تعالى. قال قتادة: الله السلام وداره الجنة، وقال الخطابي: السلام هو الذي سلم الخلق من ظلمه. فأما المؤمن فعلى وجهين:

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما: أن تكون صفة ذات وهو أن يكون متضمنا لكلام الله تعالى الذي هو تصديقه لنفسه في إخباره، ولرسله في صحة دعواهم الرسالة عليه، وتصديقه هو قوله، وقوله هو صفة من صفات ذاته لم يزل موجودا به حقيقة في كونه قائلا متكلما مؤمنا مصدقا.

                                                                                                                                                                                                                              الثاني: أن يكون متضمنا صفة فعل هي أمانة رسله وأوليائه المؤمنين به من عقابه وأليم عذابه من قولك: أمنت فلانا من كذا، وأمنته منه كأكرمت وكرمت، وأنزلت ونزلت، ومنه قوله تعالى: وآمنهم من خوف [ قريش: 4 ]، وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحليمي في "منهاجه": معناه: لا ينقص المطيعين يوم الحساب من طاعته شيئا ويثيبهم عليه; لأن الثواب لا يعجزه ولا هو مستكره عليه فيضطر إلى كتمان ( الأعمال ) أو جحدها، وليس ببخيل فيبخله استكثار الثواب إذا كثرت الأعمال على كتمان بعضها، ولا يلحقه نقص لما يثيب فيحبس بعضه; لأنه ليس منتفعا بملكه حتى إذا نفع غيره به زال انتفاعه عنه بنفسه، ولا ينقص المطيع من حسناته شيئا لا يزيد به العصاة على ما اجترحوه من السيئات شيئا، فيزيدهم [ ص: 205 ] عقابا على ما استحقوه; لأن واحدا من الكذب والظلم ليس جائزا عليه، وقد سمى عقوبة أهل النار جزاء فما لم يقابل منها ذنبا لم يكن جزاء، ولم يكن ( وفاقا ) يدل ذلك على أنه لا يفعله.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              والمهيمن في الآية راجع إلى معنى الحفظ والرعاية، وذلك صفة فعل له تعالى، وقد روينا من طريق البيهقي إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: ومهيمنا عليه [ المائدة: 48 ] قال: مؤتمنا عليه، وفي رواية علي بن أبي طلحة ( عنه ): المهيمن: الأمين، القرآن أمين على كل كتاب قبله، وقال مجاهد: الشاهد على ما قبله من الكتب، وقيل: الرقيب على كل شيء والحافظ له، وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة: القيام على الشيء والرعاية له، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                              ألا إن خير الناس بعد نبيه مهيمنه التاليه في العرف والنكر



                                                                                                                                                                                                                              يريد: القائم على الناس بعده بالرعاية له.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المحكم" المهيمن - بكسر الميم وفتحها. قال القزاز: وقالوا في قول العباس في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 206 ]

                                                                                                                                                                                                                              حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق



                                                                                                                                                                                                                              إنما أراد: حتى احتويت أنت، ثم أقام البيت أي: يا أمين، وهو كان اسمه.

                                                                                                                                                                                                                              قال عياض: قد سمى الله نبينا أمينا فقال: مطاع ثم أمين [ التكوير: 21 ]، وسماه العباس مهيمنا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              معنى منعه - عليه السلام - من قوله: السلام قد بينه بقوله: "إن الله هو السلام". ويستحيل أن يقال السلام على الله; لاستحالة القول: الله على الله، وعلى قول من جعل السلام بمعنى السلامة، يستحيل أيضا أن يدعى له تعالى بالسلامة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "التحيات لله. . " إلى آخره هو صرف منه - عليه السلام - لهم عما يستحيل الكلام به إلى ما يحسن، وجمل لما في ذلك من الإقرار لله تعالى بملك [ ص: 207 ] كل شيء، وشرعه ما شرعه لعباده فيما أوجبه عليهم من الصلوات المفروضة وندبه إليهم من النوافل، والتقرب ( إليه ) بالدعاء، والكلام الطيب الذي وصف تعالى أنه يصعد إليه بقوله: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [ فاطر: 10 ].

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              التحيات جمع: تحية، وهي العبادة أو الملك وهو قول زهير:


                                                                                                                                                                                                                              من كل ما نال الفتى قد نلته غير التحية



                                                                                                                                                                                                                              وهي البقاء والسلام يعني الملك، والزاكيات: صالح الأعمال، والطيبات: طيب القول، وقال ابن عباس الأعمال الزكية. وقوله: "والصلوات لله" أي: لا ينبغي أن يراد بها غيره.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              تشهد ابن مسعود - رضي الله عنه - هذا، قد أسلفنا أنه أخذ به أحمد وأبو حنيفة، وأخذ الشافعي بتشهد ابن عباس، ومالك بتشهد عمر - رضي الله عنه - .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية