الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              7024 7462 - حدثنا موسى بن إسماعيل، عن عبد الواحد، عن الأعمش، عن [ ص: 375 ] إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود قال: بينا أنا أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض حرث المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه، فمررنا على نفر من اليهود، فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح. فقال بعضهم: لا تسألوه أن يجيء فيه بشيء تكرهونه فقال بعضهم: لنسألنه. فقام إليه رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ فسكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعلمت أنه يوحى إليه، فقال: ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتوا من العلم إلا قليلا ). قال الأعمش هكذا في قراءتنا. [ انظر: 125 - مسلم: 2794 - فتح: 13 \ 442 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              كذا هو في الأصول وفي كتاب ابن بطال وغيره، والتلاوة إنما قولنا لشيء بدل ( أمرنا ) وفي يس : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [ يس: 82 ] ومعنى الآية: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نخرجه من العدم إلى الوجود. أي: نكونه، فخوطبوا على ما يعرفون من أنه إنما يكون الشيء عندهم بقول وتكوين، وقيل: معناه: من أجله، وقيل: لما كان عند الله معلوما أنه سيكون كان بمنزلة الموجود، قال سيبويه: أي: فهو يكون، وقال الأخفش: هو معطوف على ( نقول ) أي: إنما نقول له: كن، فيكون.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق في الباب حديث المغيرة - رضي الله عنه - : "لا يزال من أمتي قوم ظاهرين على الناس، حتى يأتيهم أمر الله".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 376 ] وحديث معاوية - رضي الله عنه - : "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ( لا يضرهم من كذبهم ( ولا من خذلهم ) ولا من خالفهم )، وهم على ذلك".

                                                                                                                                                                                                                              وفي إسناده ابن جابر: وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي الشامي، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، اتفقا عليه، فقال مالك بن يخامر: سمعت معاذا يقول: وهم بالشام. فقال معاوية - رضي الله عنه - : هذا مالك بن يخامر يزعم أنه سمع معاذا يقول: "وهم بالشام".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في ذكر مسيلمة: "لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ( ابن مسعود - رضي الله عنه - ) في سؤال اليهود عن الروح، وقد سلف غير مرة، وفي آخره: ( وما أوتوا من العلم إلا قليلا ). قال الأعمش: هكذا في قراءتنا.

                                                                                                                                                                                                                              وغرضه في هذا الباب: الرد على المعتزلة في قولهم: إن أمر الله تعالى الذي هو كلامه مخلوق، فأراد أن يعرفك أن الأمر هو قوله للشيء إذا أراده: ( كن ) فيكون بأمره، وأن أمره وقوله في معنى واحد، وذلك غير مخلوق، وأنه سبحانه يقول: ( كن ) على الحقيقة [ ص: 377 ] وأن الأمر غير الخلق; لقوله تعالى: ألا له الخلق والأمر [ الأعراف: 54 ] ففصل بينهما بالواو، وهو قول جميع أهل السنة.

                                                                                                                                                                                                                              وزعمت المعتزلة أن وصفه تعالى نفسه بالأمر وبالقول في هذه الآية مجاز واتساع على نحو ما تقول العرب: ( مال الحائط فمال ) وامتلأ الحوض وقال: قطني، وقولهم فاسد; لأنه عدول عن ظاهر الآية وحملها على غير حقيقتها، وإنما وجب حمل الآية على ظاهرها وحقيقتها إثبات كونه تعالى حيا، والحي لا يستحيل أن يكون متكلما.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ( "على الناس" )، وفي رواية أخرى "على الحق" وهما واحد، وقد قال البخاري فيما مضى أنهم أهل العلم، ومثله الحديث: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله" وقال هنا في رواية معاوية: "أمة قائمة"، وقال مرة: "قوم"، وقال أخرى: "طائفة من أمتي" وهم واحد.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: "يأتيهم أمر الله" يعني: الساعة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              ووقوفه - عليه السلام - على مسيلمة يبلغه ما أرسل به، وكان مسيلمة تزوج بالمدينة وأتي بطائفة كبيرة من قومه، وأوفى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يتمكن [ ص: 378 ] ( له ) في الوقت إلا القول، فبلغ حسب طاقته، وقد يحتمل أن له مدة سيبلغها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( "ولن تعد أمر الله فيك" ) كذا وقع في الأصول، وهي لغة شاذة في الجزم بلن.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: "لن تعدو أمر الله فيك". أي ما قد أمر به فيك من الشقاء أو السعادة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "لئن أدبرت ( ليعقرنك ) الله" يحتمل أن يكون الشارع حينئذ لم يعلم أنه يتمادى على أمره، ويحتمل أن يكون علم إلا أن الشارع ( لتقوم ) له الحجة، قال تعالى: لئن لم ينته المنافقون [ الأحزاب: 60 ] وقد علم من ينتهي ومن لا ينتهي.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: قل الروح من أمر ربي [ الإسراء: 85 ] أي: من أمره المتقدم بما سبق في علمه من القضاء المحتوم الذي أمر به الملك أن يكتب في بطن أمه قبل نفخ الروح فيه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية