الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              65 65 - حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن، أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابا -أو أراد أن يكتب- فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما. فاتخذ خاتما من فضة نقشه: محمد رسول الله. كأني أنظر إلى بياضه في يده. فقلت لقتادة من قال نقشه محمد رسول الله؟ قال: أنس. [2938، 3106، 5870، 5872، 5874، 5875، 5877، 5879، 7162 - مسلم: 2092 - فتح: 1 \ 155]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق البخاري حديث ابن عباس وأنس في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 292 ] الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              أثر أنس ساقه البخاري في فضائل القرآن عن أنس مطولا كما سنقف عليه -إن شاء الله تعالى- في موضعه، وفي غير البخاري أن عثمان بعث مصحفا إلى الشام، وآخر إلى الحجاز، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وأبقى عنده مصحفا منها; ليجمع الناس على قراءة ما يعلم ويتيقن.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمرو الداني: أجمع العلماء على أن عثمان كتب أربع نسخ فبعث بإحداهن إلى البصرة، والأخرى إلى الكوفة، وبالثالثة إلى الشام، وحبس آخر عنده، وقال أبو حاتم السجستاني: كتب سبعة، فبعث إلى مكة واحدا، وإلى الشام آخر، وإلى اليمن آخر، وإلى البحرين آخر، وإلى البصرة آخر، وإلى الكوفة آخر، [وحبس بالمدينة واحدا].

                                                                                                                                                                                                                              الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              أمير السرية هذا هو عبد الله بن جحش بن رئاب أخو أبي أحمد، وزينب أم المؤمنين، وأم حبيبة، وحمنة، وأخوهم (عبيد) الله تنصر بأرض الحبشة، وعبد الله وأبو أحمد كانا من المهاجرين الأولين، وعبد الله يقال له: المجدع في الله، شهد بدرا وقتل يوم أحد بعد أن قطع أنفه وأذنه - رضي الله عنه -.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 293 ] قال ابن إسحاق: كانت هذه السرية أول سرية غنم فيها المسلمون، وكانت في رجب (من) السنة الثانية قبل بدر الكبرى، بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثمانية رهط من المهاجرين، وكتب له كتابا وأمره ألا ينظر إليه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمر به، ولا يستكره من أصحابه أحدا، فلما سار يومين فتح الكتاب فإذا فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا أخبارهم"، فقال عبد الله وأصحابه: سمعا وطاعة. فمضوا ولقوا عيرا لقريش، فقتلوا عمرو بن الحضرمي في أول يوم من رجب كافرا، واستأسروا اثنين، وغنموا ما كان معهم.

                                                                                                                                                                                                                              فأنكر عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام"، وقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام فأنزل الله تعالى: يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه [البقرة: 217] الآية. فهذه أول غنيمة، وأول أسير، وأول قتيل قتله المسلمون.

                                                                                                                                                                                                                              الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              لما ذكر البخاري أولا قراءة الشيخ ثم تلاه بالقراءة والعرض عليه، وهو يشمل السماع والقراءة، ثم تلاه بالمناولة والمكاتبة، وكل منهما قد يقترن به الإجازة وقد لا يقترن، ولم يصرح بالإجازة المجردة، ويحتمل أنه يرى أنها من أنواع الإجازة، فبوب على أعلاها رتبة على جنسها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 294 ] والخطيب الحافظ أطلق اسم الإجازة على ما عدا السماع، وجعل المناولة والعرض من أنواعها، واستدل على الإجازة (بعين) ما استدل به البخاري على المناولة، وهو حديث عبد الله بن جحش، فإنه -عليه السلام- ناوله الكتاب فقرأه على الناس، ويجوز لهم روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -; لأن كتابته إليهم تقوم مقامه، وجائز للرجل أن يقول: حدثني فلان كتابة إذا كتب إليه.

                                                                                                                                                                                                                              والمناولة المقرونة بالإجازة لها صور:

                                                                                                                                                                                                                              إحداها: أن يدفع الشيخ إلى الطالب أصل سماعه أو فرعا مقابلا به، ويقول: هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه، أو أجزت لك روايته عني، ثم يملكه له أو يأذن له في نسخه ويقابله به.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: أن يدفع (إليه) الطالب سماعه فيتأمله وهو عارف به متيقظ، ثم يعيده إليه ويقول: هو حديثي أو روايتي فاروه عني، أو أجزت (لك) روايته، وهذا سماه غير واحد من أئمة الحديث عرضا.

                                                                                                                                                                                                                              وقد أسلفنا أن القراءة عليه تسمى عرضا أيضا، فليسم هذا عرض المناولة وذاك عرض القراءة، وهذه المناولة كالسماع في القوة عند الزهري ومالك وآخرين، والصحيح أنها منحطة على السماع والقراءة، وهو قول جماعة منهم باقي الأربعة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 295 ] ثالثها: أن يناول الشيخ الطالب سماعه ويجيزه له ثم يمسكه الشيخ عنه ولا يمكنه منه، وهذا دون ما سبق، ويجوز روايته إذا وجده أو فرعا مقابلا به موثوقا بموافقته لما تناوله الإجازة، والمناولة المجردة عن الإجازة بأن يناوله مقتصرا على: هذا سماعي، فلا تصح الرواية بها، وجوزها جماعة وذلك كله مبسوط في مختصري في علوم الحديث فراجعه، فإنه يعز نظيره.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الكتابة (المعتبرة) بالإجازة فكالمناولة وكذا الكتابة المجردة عند الأكثرين، وأما الإجازة فالأصح جواز الرواية والعمل بها، وقد أوضحتها بأقسامها في الكتاب المشار إليه، فراجعه.

                                                                                                                                                                                                                              الرابع: معنى (كتب): أمر بالكتابة، وسيأتي الخوض في ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري رحمه الله:

                                                                                                                                                                                                                              نا إسماعيل بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله ابن عباس أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه رجلا، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه. فحسبت أن ابن المسيب قال: فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمزقوا كل ممزق.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 296 ] الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم أخرجه في مواضع هنا عن إسماعيل: هو الأويسي، عن إبراهيم كما ترى، وفي المغازي (عن إسحاق، عن يعقوب بن إبراهيم) عن أبيه، عن صالح به، وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، وفي خبر الواحد عن ابن بكير، عن ليث، عن يونس، وفي: الجهاد: عن عبد الله بن يوسف، عن (الليث، عن عقيل)، عن الزهري به.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الرجل هو: عبد الله بن حذافة السهمي كما سقته لك مبينا، وهو: عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن (هصيص) بن كعب بن لؤي.

                                                                                                                                                                                                                              أخو خنيس بن حذافة، زوج حفصة أصابته جراحة بأحد فمات منها، خلف عليها بعده رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله الذي قال: يا رسول الله من [ ص: 297 ] أبي؟ قال: "أبوك حذافة".

                                                                                                                                                                                                                              أسلم قديما وكان من المهاجرين الأولين، وكانت فيه دعابة، وقيل: إنه شهد بدرا. ولم يذكره الزهري، ولا موسى بن عقبة، ولا ابن إسحاق في البدريين، أسره الروم في زمن عمر، وأرادوه على الكفر، وله في ذلك قصة طويلة، وآخرها أنه قال له ملكهم: قبل رأسي وأطلقك، قال: لا. قال له: وأطلق من معك من أسرى المسلمين، فقبل رأسه، فأطلق معه ثمانين أسيرا، فكان الصحابة يقولون له: قبلت رأس علج، فيقول: أطلق الله بتلك القبلة ثمانين أسيرا من المسلمين، توفي عبد الله في خلافة عثمان.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: في التعريف برجاله، وقد سلف مفرقا.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              البحران: تثنية بحر وهو ملك مشهور بين البصرة وعمان، صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، وبعث أبا عبيدة فأتى بجزيتها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 298 ] خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              (عظيم البحرين) لعله المنذر بن ساوى العبدي، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث العلاء بن الحضرمي إليه وكان ملك البحرين فصدق وأسلم.

                                                                                                                                                                                                                              سادسها:

                                                                                                                                                                                                                              كسرى -بكسر الكاف وفتحها- قال ابن الجواليقي: والكسر أفصح.

                                                                                                                                                                                                                              وهو فارسي معرب، وهو أنوشروان بن هرمز الكافر، وهو الذي ملك النعمان بن المنذر على العرب، وهو الذي قصده سيف بن ذي يزن يستنصره على الحبشة، فبعث معه قائدا من قواده فنفوا السودان، وكان ملك كسرى سبعا وأربعين سنة وسبعة أشهر.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن سعد أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث عبد الله بن حذافة السهمي، وهو أحد الستة الذين بعثوا إلى الملوك كسرى وغيره [يدعوه] إلى الإسلام، وكتب معه كتابا، قال عبد الله: فدفعت إليه كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرئ عليه ثم أخذه فمزقه.

                                                                                                                                                                                                                              فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك قال: "اللهم مزق ملكه"، وكتب كسرى إلى باذان عامله في اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتيا بخبره، فبعث باذان قهرمانه ورجلا آخر، وكتب معهما كتابا، فقدما المدينة ومعهما كتاب باذان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعاهما إلى الإسلام، وفرائصهما ترعد.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه فقال: "أبلغا صاحبكما أن ربي قتل ربه كسرى في هذه الليلة"

                                                                                                                                                                                                                              لسبع ساعات مضت منها وهي ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى [ ص: 299 ] الأولى سنة سبع، وأن الله سلط عليه ابنه شيرويه فقتله. أي: وتمزق ملكه كل ممزق، وزال بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر ابن هشام: أنه لما مات وهرز الذي كان باليمن على جيش الفرس أسر كسرى ابنه يعني: ابن وهرز، ثم عزله وولى باذان فلم يزل بها حتى بعث الله النبي - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              قال: فبلغني عن الزهري أنه قال: كتب كسرى إلى باذان أنه بلغني أن رجلا من قريش يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه، فإن تاب وإلا فابعث إلي برأسه، فبعث باذان بكتابه إلى رسول الله، فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تعالى وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا ومن شهر كذا وكذا"، فلما أتى باذان الكتاب قال: إن كان نبيا سيكون ما قال، فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن هشام: قتل على يدي ابنه شيرويه. قال الزهري: فلما بلغ باذان بعث بإسلامه وإسلام من معه من الفرس.

                                                                                                                                                                                                                              سابعها:

                                                                                                                                                                                                                              قد أسلفنا في الكلام على حديث هرقل أن كل من ملك الفرس يقال له كسرى وأولنا حديث: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده"، فراجعه من ثم.

                                                                                                                                                                                                                              ثامنها:

                                                                                                                                                                                                                              فيه من الفقه ما أسلفناه من الكتابة، وفيه أيضا الاكتفاء بواحد في حمل كتاب الحاكم إلى حاكم آخر إذا لم يشك في الكتاب ولا أنكره، [ ص: 300 ] واعتماد الحكام الآن على اثنين للاحتياط، وسيأتي بسط ذلك في كتاب: الأحكام -إن قدر الله الوصول إليه وشاءه.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري رحمه الله:

                                                                                                                                                                                                                              نا محمد بن مقاتل أبو الحسن، أنا عبد الله أنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابا -أو أراد أن يكتب- فقيل له: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما. فاتخذ خاتما من فضة نقشه: محمد رسول الله. كأني أنظر إلى بياضه في يده. فقلت لقتادة من قال نقشه محمد رسول الله؟ قال: أنس.

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري في أبواب هنا، والجهاد واللباس عن ابن مقاتل، عن ابن المبارك. وفي الأحكام عن ابن بشار، عن غندر . وله عنه طرق أخرى.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: في التعريف برواته:

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف التعريف بهم خلا محمد بن مقاتل، وهو مروزي ثقة صدوق، كنيته أبو الحسن، انفرد به البخاري عن باقي الكتب، روى [ ص: 301 ] عن ابن المبارك، ووكيع، وعنه مع البخاري أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم، مات آخر سنة ست وعشرين ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              الخاتم: بفتح التاء وكسرها وفيه أربع لغات أخر خاتام وخيتام وختام وختم.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها: في فوائده وأحكامه:

                                                                                                                                                                                                                              الأولى: اتخاذ خاتم الفضة، وهو إجماع، ولا عبرة بمن شذ فيه من كراهة لبسه إلا لذي سلطان، ومن كراهته للنساء; لأنه من زي الرجال.

                                                                                                                                                                                                                              وأما خاتم الذهب: فقام الإجماع على تحريمه، ولا عبرة بقول أبي بكر (بن) محمد بن عمرو بن حزم أنه مباح. ولا بقول [ ص: 302 ] بعضهم إنه مكروه، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من ذهب، وجعل فصه مما يلي بطن كفه فاتخذ الناس مثله فرماه، وقال: "لا ألبسه أبدا" ثم اتخذ الخاتم من فضة فنسخ لبسه.

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث أنس (خ م) أنه رأى في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتما من ورق يوما واحدا فطرحه وطرح الناس خواتيمهم فهو وهم من الزهري، وإن كان رواه عنه خمسة وصوابه من ذهب.

                                                                                                                                                                                                                              الثانية: جواز نقش الخاتم ونقش اسم صاحبه، وجواز نقش اسم الله تعالى عليه، وهو قول مالك وابن المسيب وغيرهما، وكرهه ابن سيرين .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 303 ] وأما رواية البخاري فيما سيأتي: "إنا اتخذنا خاتما، ونقشنا عليه نقشا، فلا ينقش عليه أحد" فالنهي من نقش مثله خوف حصول المفسدة والخلل، فإنه إنما فعل ذلك; ليختم به كتب الملوك، فإذا نقش مثله خيف وقوع ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة: ختم كتاب السلطان والقضاة والحكام، وهو سنة متبعة، وإنما كانوا لا يقرءون كتابا إلا مختوما خوفا على كشف أسرارهم وإذاعة تدبيرهم، فصار الختم للكتاب سنة، وقد قيل في قوله: إني ألقي إلي كتاب كريم [النمل: 29]: أنه كان مختوما.

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة: معنى (كتب): أراد أن يكتب كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              واعلم أن البخاري ذكر أحاديث الخاتم في مواضع من كتابه في كتاب اللباس وغيره كما سنمر عليه -إن شاء الله تعالى-، وهناك يأتي الكلام -إن شاء الله تعالى- في كيف وضع فصه؟ وأنه من داخل، وصفة فصه، وهل يلبسه في يمينه أو في يساره؟ إن شاء الله.

                                                                                                                                                                                                                              واستحب مالك لبسه في يساره وكرهه في يمينه، والأصح عند الشافعية عكسه، وكان نقش خاتم الإمام مالك : حسبي الله ونعم الوكيل، وكان نقش خاتم الشافعي : الله ثقة محمد بن إدريس، ونقل الربيع عنه أنه كان يتختم في يساره.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية