الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              69 69 - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا شعبة قال: حدثني أبو التياح، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". [6125 - مسلم: 1734 - فتح: 1 \ 163]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن مسعود وحديث أنس .

                                                                                                                                                                                                                              أما حديث ابن مسعود فقال في سياقته: نا محمد بن يوسف، نا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة علينا .

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه (إثر) الباب الذي بعده، عن عثمان بن أبي شيبة، (نا) جرير، عن منصور، عن أبي وائل . وأخرجه في الدعوات عن عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش به.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 332 ] وأخرجه مسلم في التوبة، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع وأبي معاوية وعلي بن نمير، عن أبي معاوية، وعن الأشج، عن (ابن) إدريس، وعن منجاب، عن علي بن مسهر، وعن إسحاق بن إبراهيم، وابن خشرم، عن (يونس )، وعن ابن أبي عمر، عن سفيان، (كلهم) عن الأعمش، زاد الأعمش في رواية ابن مسهر: وحدثني عمر بن مرة، عن ( شقيق )، عن عبد الله مثله.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: في التعريف برواته:

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلفوا غير محمد بن يوسف، وهو الإمام الثقة أبو عبد الله محمد (ع) بن يوسف بن واقد الفريابي (الضبي )، مولاهم سكن قيسارية من ساحل الشام .

                                                                                                                                                                                                                              أدرك الأعمش وروى عنه، وعن السفيانين وغيرهم، وعنه: أحمد والذهلي وغيرهما، أكثر عنه البخاري، وروى في الصداق عن إسحاق غير منسوب عنه، وروى مسلم والأربعة عن رجل عنه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 333 ] وقال البخاري : كان من أفضل أهل زمانه. وقال أحمد: كان رجلا صالحا. ووثقه النسائي وغيره. مات في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              معنى (يتخولنا) -بالخاء المعجمة-: يصلحنا ويقوم علينا، يقال: خال المال يخول خولا إذا ساسه وأحسن القيام عليه. والخائل المتعاهد للشيء المصلح له. وقال الخطابي : يتخولنا: يتعهدنا ويراعي الأوقات في وعظنا ويتحرى منها ما كان مظنة القبول، ولا يفعله كل يوم لئلا نسأم، ومثله: التخون بالنون.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عمرو الشيباني فيما حكاه صاحب "الغريبين": الصواب يتحولنا -بالحاء المهملة- أي: يطلب أحوالهم التي ينشطون فيها للموعظة فيعظهم ولا يكثر عليهم فيملوا. وكان الأصمعي يرويه يتخوننا -بالنون والخاء المعجمة- أي: يتعهدنا. وحكاه صاحب "مجمع الغرائب" وابن الأثير .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              السآمة: الملل، يقال: سئمت أسأم سأما وسآما وسآمة إذا مللته، ورجل سئوم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 334 ] خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الرفق بأمته ; ليأخذوا الأعمال بنشاط (وحرص) عليها، وقد وصفه تبارك وتعالى بذلك حيث قال: عزيز عليه ما عنتم [التوبة: 128] الآية.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الحديث الثاني فقال في سياقته: نا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد، نا شعبة، حدثني أبو التياح، عن أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ".

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أولها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه هنا كما ترى، وفي الأدب، عن آدم، عن شعبة به، وفيه: "وسكنوا" بدل: "ويسروا"، وكذا جاء في مسلم فإنه أخرجه في المغازي، عن عبد الله بن معاذ، عن أبيه وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبيد بن سعيد، وعن محمد بن الوليد، عن غندر، كلهم عن شعبة به.

                                                                                                                                                                                                                              فوقع للبخاري عاليا رباعيا من طريق آدم، وآدم مما انفرد به عن مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: في التعريف برواته غير ما سلف:

                                                                                                                                                                                                                              فأبو التياح (ع) اسمه: يزيد بن حميد الضبعي، من أنفسهم، سمع أنسا وعمران بن حصين وخلقا من التابعين، ومن بعدهم، قال أحمد: [ ص: 335 ] هو ثبت ثقة. وقال ابن المديني : معروف ثقة. مات سنة ثمان وعشرين ومائة.

                                                                                                                                                                                                                              ومحمد بن بشار: هو الإمام أبو بكر محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري بندار، لقب بذلك لأنه كان بندار الحديث، جمع حديث بلده، والبندار الحافظ البارع، الثقة، ولا عبرة بمن لينه.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو داود : كتبت عنه نحوا من خمسين ألف حديث. روى عنه البخاري ومسلم والأربعة وخلق منهم: الرازيان وابن خزيمة، وعنه قال: (كتبت عن) خمسة قرون، وسألوني الحديث وأنا ابن ثماني عشرة سنة، وولدت سنة سبع وستين ومائة. قال البخاري : ومات في رجب سنة اثنتين وخمسين. يعني: ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 336 ] ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              إنما جمع بين هذه الألفاظ وهي: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ". فذكر الشيء وضده; لأنه قد يفعلها في وقتين، فلو اقتصر على يسروا صدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات، فلما قال: "ولا تعسروا" انتفى التعسير من كل وجه، وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في: "بشروا ولا تنفروا"، ثم إن المحل قابل للإسهاب وكثرة الألفاظ; لشبهه بالوعظ. والبشارة بكسر الباء وضمها: الخبر الذي يغير البشرة، وهي عند الإطلاق للخير.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              فيه الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف، وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، فيتألف التائب ويتلطف به، ويدرج في أنواع الطاعة قليلا قليلا، وقد كانت أمور الإسلام في التلطف على التدريج، ومتى يسر على المريد للطاعة سهلت عليه وتزايد فيها، ومتى عسرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك عدم دوامه عليها.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية