الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              999 [ ص: 322 ] 4 - باب: خطبة الإمام في الكسوف

                                                                                                                                                                                                                              وقالت عائشة وأسماء خطب النبي - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                                                                                                                                                              1046 - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب ح وحدثني أحمد بن صالح قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة عن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - قالت خسفت الشمس في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إلى المسجد، فصف الناس وراءه، فكبر فاقترأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، ثم قال: " سمع الله لمن حمده". فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعا طويلا، وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: " سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد". ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: " هما آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة". وكان يحدث كثير بن عباس، أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يحدث يوم خسفت الشمس بمثل حديث عروة عن عائشة. فقلت لعروة: إن أخاك يوم خسفت بالمدينة لم يزد على ركعتين مثل الصبح. قال: أجل، لأنه أخطأ السنة. [انظر: 1044 - مسلم: 901 - فتح: 2 \ 533]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر فيه حديث عروة عن عائشة قالت خسفت الشمس في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إلى المسجد.. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: وانجلت الشمس قبل أن ينصرف، ثم قام فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "هما آيتان من آيات الله.. " إلى آخره. وكان يحدث كثير بن عباس، أن عبد الله بن عباس كان يحدث يوم خسفت الشمس بمثل حديث عروة، عن عائشة. فقلت لعروة: إن أخاك يوم خسفت الشمس بالمدينة لم يزد على ركعتين مثل الصبح. فقال: أجل ; إنه أخطأ السنة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 323 ] الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أما حديث عائشة وأسماء فيأتيان في باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف. وأما حديث عروة عنها فقد أخرجه مسلم والأربعة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( وكان يحدث كثير بن عباس.. ) إلى آخره. أخرجه مسلم أيضا، فإنه لما أخرجه من حديث الزهري، عن عروة، عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر في صلاة الكسوف بقراءته فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات. قال عقبه: قال الزهري: وأخبرني كثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات. ثم أسند إلى الزهري قال: كان كثير بن عباس.. إلى قوله: بمثل حديث عروة عن عائشة.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه أبو داود بمثله، وكذا النسائي.

                                                                                                                                                                                                                              ولما أورد البخاري حديث عائشة قال في آخره: قال ابن شهاب: ثنا كثير، عن ابن عباس، عن رسول الله مثل ذلك، ثم ساق بإسناده إلى عنبسة ثنا يونس بهذا.

                                                                                                                                                                                                                              وزاد: فقلت لعروة.. إلى آخره. وأخرج أبو نعيم في “مستخرجه" حديث عائشة من طرق، ثم قال في آخره: زاد عنبسة: وكان يحدث كثير بن عباس.. إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 324 ] وأورد المزي الحديث من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جهر في صلاة الكسوف بقراءته. قال الزهري: وأخبرني كثير فذكره إلى قوله: وأربع سجدات. ثم عزاه إلى البخاري ومسلم عن محمد بن مهران قال: إلا أن البخاري لم يذكر حديث كثير بن العباس.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر في ترجمة كثير علامة البخاري ومسلم، وذكر أنه روى عنه الزهري. وذكر عن مصعب أنه كان فقيها فاضلا لا عقب له، وأمه أم ولد، وذكره يعقوب بن شيبة في الطبقة الأولى من أهل المدينة ممن ولد في عهده - صلى الله عليه وسلم -. وكان يقال له: أعبد الناس، ثقة، مات بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان، ثم ساق حديثه عن ابن عباس، وقال: أخرجوه من طرق عن الزهري، واضطرب فيه خلف والحميدي، وقال: ليس لكثير عن أخيه في الصحيح غيره. وذكر الدارقطني واللالكائي كثير بن عباس في أفراد مسلم. وأغرب السفاقسي فقال: ضبط في بعض الكتب عياش بالشين المعجمة، وبعضها بالسين غير معجمة، وهو الذي رويناه. وولد عباس عشرة، أشهرهم عبد الله.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( فخرج إلى المسجد ) فيه فعلها في المسجد دون الصحراء، ولعله خوف الفوت والانجلاء. قال القدوري: كان أبو حنيفة يرى صلاة الكسوف في المسجد، والأفضل في الجامع.

                                                                                                                                                                                                                              وفي شرح الطحاوي: صلاة الكسوف في المسجد الجامع أو في مصلى العيد، وعند مالك: تصلى فيه دون الصحراء. وقال ابن [ ص: 325 ] حبيب: هو مخير، وحكي عن أصبغ. وصوب بعض أهل العلم المسجد في المصر الكبير للمشقة وخوف الفوت دون الصغير.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( ثم قام فأثنى على الله.. ) إلى آخره، هو صريح في الخطبة، وقد سلف الخلاف فيه في باب الصدقة في الكسوف واضحا، وخص كسوفهما بأنهما اثنان وإن كان رؤية الأهلة وحدوث الحر والبرد من الآيات أيضا ; لإخباره لهم عن ربه أن القيامة تقوم وهما منكسفان وذاهبا النور، فلهذا أمرهم بالصلاة ونحوها ; خشية أن يكون الكسوف لقيام الساعة ; ليعتدوا له، وهذا كان قبل أن يعلمه الله بأشراطها، كما نبه عليه المهلب.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ( فصف الناس وراءه ). فيه تقديم الإمام على المأموم، واحتج لأبي حنيفة، ومن يرى برأيه بقوله: "افزعوا إلى الصلاة" ؟ لأنها إشارة إلى الصلاة المعهودة في الشرع.

                                                                                                                                                                                                                              ويجاب عنه: بأنه قام الدليل على ما سلف من الكيفية، بل الحديث حجة لنا ; لأنه قال هذا القول بعد فراغه من الصلاة الموصوفة، فدل أنه أشار بذلك إليها ; لأنه أقرب معهود.

                                                                                                                                                                                                                              وصلاة ابن الزبير ركعتين في الخسوف لعله تأول حديث أبي بكرة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: التكبير في الخفض والرفع، ولم ينص على ذلك في الرفع منه ولا في سجوده، ولا في رفعه منه. وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد في الثانية، وقال في الأولى: سمع الله لمن حمده.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية