الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1005 [ ص: 348 ] 10 - باب: صلاة النساء مع الرجال في الكسوف

                                                                                                                                                                                                                              1053 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن امرأته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت: أتيت عائشة رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - حين خسفت الشمس، فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي قائمة تصلي فقلت: ما للناس ؟ فأشارت بيدها إلى السماء وقالت: سبحان الله! فقلت: آية ؟ فأشارت أي نعم. قالت: فقمت حتى تجلاني الغشي، فجعلت أصب فوق رأسي الماء، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل - أو قريبا من - فتنة الدجال - لا أدري أيتهما قالت أسماء - يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل فأما المؤمن - أو الموقن. لا أدري أى ذلك قالت أسماء - فيقول: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا. فيقال له نم صالحا، فقد علمنا إن كنت لموقنا. وأما المنافق - أو المرتاب. لا أدري أيتهما قالت أسماء - فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته". [انظر: 86 - مسلم: 905 - فتح: 2 \ 543]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: أتيت عائشة.. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الطهارة في باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل، وفي أواخر الصلاة أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم عن صفية، عن أسماء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 349 ] ورواه ابن ماجه والنسائي من طريق ابن أبي مليكة عن أسماء.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه من الفقه: حضور النساء صلاة الكسوف مع الجماعة في المساجد.

                                                                                                                                                                                                                              ورخص مالك والكوفيون للعجائز في ذلك، وكره للشابة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي: لا أكره لمن لا هيئة لها بارعة من النساء ولا للصبية شهود صلاة الكسوف مع الإمام، بل أحب لهن، ويجب لذات الهيئة أن تصليها في بيتها.

                                                                                                                                                                                                                              ورأى إسحاق أن يخرجن شبابا كن أو عجائز، ولو كن حيضا ; ويعتزل الحيض المسجد، ويقربن منه.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: استماع المصلي إلى ما يخبره به من ليس في صلاة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: جواز إشارة المصلي بيده وبرأسه لمن يسأله مرة بعد أخرى.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن صلاة الخسوف قيامها طويل ; لقولها: ( فقمت حتى تجلاني الغشي )، فهو حجة للشافعي ومالك وأبي حنيفة في قوله: إنها إن شاء قصرها كالنوافل.

                                                                                                                                                                                                                              وقولها: ( فجعلت أصب فوق رأسي الماء ) فيه دليل على جواز العمل اليسير في الصلاة. وفي أن يفكر المصلي ونظره إلى قبلته جائز ; لقوله: ( "ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا، [ ص: 350 ] ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور" )، وذلك كله في الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن فتنة القبر حق، وهذا مذهب أهل السنة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن من ارتاب في تصديق الشارع، أو شك في صحة رسالته فهو كافر، ألا ترى قول المنافق أو المرتاب: لا أدري ؟ فهذا لم يوقن به لما دخله الارتياب والنفاق، ومن لم يدر فقد نفى عن نفسه التصديق، ثم زاد شكه بيانا لقوله: سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فأخبر أنه إنما جرى تصديق الشارع على لسانه من أجل قول الناس ذلك لا من أجل اعتقاده صحة ما جرى على لسانه، وهذا هو حقيقة الريب، أن يقول اللسان ما لم يعتقد صحته القلب.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن تمام الإيمان والعلم إنما هو المعرفة بالرب جل جلاله ورسله، ومعرفة الدلالة على ذلك ; ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - نفى الإيمان عمن يقول إذا سئل نبيه: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: ذم التقليد، وأن المقلد لا يستحق اسم العلم التام على الحقيقة.

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت: كيف قلت: تمام الإيمان والعلم هو المعرفة بالله ورسله، ومعرفة الدلالة على ذلك، وقد روي عن السلف أنهم كانوا يقولون: عليكم بدين العذارى، والعذارى لا علم عندهن بالدلالة على الإيمان، وإنما علمهن التقليد، وأنت قد ذممته ؟

                                                                                                                                                                                                                              فالجواب أنه قد جاءت هذه الكلمة في حديث عبيد الله بن عدي بن الخيار حين كلم خاله عثمان بن عفان في أخيه الوليد بن عقبة، وقال له: قد أكثر الناس في شأن الوليد حق عليك أن تقيم الحد. فقال: يا ابن أخي أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قلت: لا، ولكن قد خلص إلي من علمه كما خلص إلى العذراء في سترها، وذكر الحديث كما ستعلمه في [ ص: 351 ] البخاري في باب: فضائل الصحابة في باب هجرة الحبشة.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى قولهم: دين العذارى هو أنه - صلى الله عليه وسلم - بلغ عن ربه دينه حتى وصل ذلك إلى العذارى في خدورهن، فعلمنه خالصا، ثم نشب وقد ألزم الله المؤمنين أن يعلموا ذريتهم حقيقة الإيمان ; لقوله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم نارا [التحريم: 6] فكل مؤمن يعلم بنيه في الصغر خالص الإيمان، وما يلزمه من فرائضه، ولا يعلم اعتراض الملحدين ولا شبه الزائغين ; لأن الجدال فيه ربما أورث شكا.

                                                                                                                                                                                                                              فإيمان العذارى: التصديق الخالص الذي لا ريب فيه، ولا شك، بخلاف أحوال المنافق والمرتاب الذي قال: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. ولا يرد بقوله: عليكم بدين العذارى ترك معرفة الاستدلال على حقائق الإيمان والازدياد من العلم، هذا إبراهيم - خليل الرحمن - سأل ربه أن يريه كيف يحيى الموتى ; وإنما سأله تعالى زيادة في العلم يطمئن بها نفسه، ولم يكن قبلها شاكا، وهذه غاية ترد على ابن عمر في البكاء على الميت وغير ذلك، ونقول: يرحم الله أبا عبد الرحمن، إنما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلاف ما ذهب إليه ابن عمر، ويرد على عروة بن الزبير تأويله في الطواف بين الصفا والمروة. وقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين. فحكمت لهن بالفقه في الدين. والفقه في لسان العرب: هو معرفة الشيء، ومعرفة الدلالة على صحته، فلا خلاف بين شيء من ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية