الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1106 [ ص: 136 ] 22 - باب: المداومة على ركعتي الفجر

                                                                                                                                                                                                                              1159 - حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد -هو ابن أبي أيوب- قال : حدثني جعفر بن ربيعة ، عن عراك بن مالك ، عن أبي سلمة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم صلى ثمان ركعات ، وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن يدعهما أبدا . [انظر : 619 - مسلم : 724 - فتح: 3 \ 42]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة قالت : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم صلى ثماني ركعات ، وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن يدعهما أبدا .

                                                                                                                                                                                                                              هذا بعض طرق عائشة في قيام الليل .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : تأكد ركعتي الفجر ، وأنهما من أشرف التطوع ; لمواظبته عليهما ، وملازمته لهما ، وعند المالكية خلاف هل هي سنة أم من الرغائب ؟ فالصحيح عندهم أنها سنة ، وهو قول جماعة العلماء ، وذهب الحسن البصري إلى وجوبها ، وهو شاذ لا أصل له ، قاله الدوادي . ولم يثبت من عائشة هنا في الحضر ولا في السفر . والمراد بـ (بين النداءين ) : الأذان والإقامة ، وهو وقتها .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (وركعتين جالسا ) . هذا فعله بعض الأحيان ; لبيان الجواز ، وإلا فالمستقرأ من حاله أن الوتر كان آخر صلاته ، ففي مسلم كان يصلي من الليل حتى تكون آخر صلاته الوتر ; فهو قال -كما قال البيهقي - على تركها بعد الوتر وقد أمر بأن نجعل آخر صلاتنا بالليل وترا ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 137 ] أخرجاه .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة : روى البيهقي من حديث أبي غالب عن أبي أمامة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في هاتين الركعتين وهو جالس إذا زلزلت [الزلزلة : 1] ، و قل يا أيها الكافرون [الكافرون : 1] وفي رواية له عن أنس مثله ، وعن أنس أيضا : فقرأ فيهما بالرحمن والواقعة .

                                                                                                                                                                                                                              وترجم المحاملي في كتابه : باب : ركعتين بعد الوتر ، ثم قال : ويصلي بعد الوتر ركعتين قاعدا متربعا ، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة إذا زلزلت وفي الثانية بعدها قل يا أيها الكافرون وإذا ركع وضع يديه على الأرض ، ويثني رجليه كما يركع القائم ومثله في السجود يثني رجليه ، وهو غريب .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              في فضل ركعتي الفجر سيأتي في البخاري من حديث عائشة : لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من النوافل أشد تعاهدا منه عليهما .

                                                                                                                                                                                                                              وصح من حديثها : "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " وفي لفظ : "هما أحب إلي من الدنيا جميعا " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 138 ] وفي لفظ : ما رأيته في شيء من النوافل أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر . ويروى ولا إلى غنيمة . رواه ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير عنها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو هريرة : لا تدع ركعتي الفجر ولو طرقتك الخيل .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا رواه أحمد وأبو داود مرفوعا عنه : "لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل " .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عمر : هما أحب إلي من حمر النعم . وقال إبراهيم : إذا صلى ركعتي الفجر ثم مات أجزأه من صلاة الفجر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال علي : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن إدبار النجوم قال : "ركعتين بعد الفجر " . قال علي : وإدبار السجود ركعتين بعد المغرب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 139 ] وروي مثله عن عمر وأبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              اختلف العلماء في الوقت الذي يقضيها فيه من فاتته ، فأظهر أقوال الشافعي : تقضى مؤبدا ولو بعد الصبح . وهو قول عطاء وطاوس ، ورواية عن ابن عمر ، وأبى مالك ذلك ، ونقله ابن بطال عن أكثر العلماء .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة : يقضيها بعد طلوع الشمس ، روي ذلك عن ابن عمر والقاسم بن محمد ، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، ورواية البويطي عن الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك ومحمد بن الحسن : يقضيهما بعد الطلوع إن أحب .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يقضيهما من فاتته ، وليسا بمنزلة الوتر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 140 ] فرع :

                                                                                                                                                                                                                              عند المالكية من دخل المسجد وقد أصبح صلى ركعتي الفجر فقط .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : بعد التحية ، ولو ركع في بيته ففي ركوعه روايتان ، ثم في تعيينها قولان .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              من لم يصلهما وأدرك الإمام في صلاة الصبح أو أقيمت عليه فقالت طائفة : "لا صلاة إلا المكتوبة " ، وروي عن عمر وابنه وأبي هريرة وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه قول ثان : أنه يصليهما في المسجد والإمام يصلي ، روي ذلك عن ابن مسعود ، وبه قال الثوري والأوزاعي ، إلا أنهما قالا : إن خشي أن تفوته الركعتان دخل مع الإمام ، وإن طمع بإدراك الركعة الثانية صلاهما ثم دخل مع الإمام ، وقال أبو حنيفة مثله ، إلا أنه قال : لا يركعهما في المسجد .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك : إن دخل المسجد فلا يركعهما وليدخل معه في الصلاة ، وإن كان خارج المسجد ولم يخف أن يفوته الإمام بركعة فليركعهما ، وإن خاف أن تفوته الأولى فليدخل وليصل معه ، ثم يصليهما إن أحب بعد طلوع الشمس .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 141 ] فرع :

                                                                                                                                                                                                                              من ظن أن الفجر طلع فركعهما ، ثم علم أنه ركعهما قبل طلوعه أعادهما ، ذكره في "المدونة " وقال ابن الماجشون : لا يعيدهما ، وذكره عن ربيع والقاسم وسالم ، وإن لم يعلم هل كان طلع : ففي "المدونة " : أرجو أن لا بأس به ، وقال أشهب : إذا ركعهما وهو لا يوقن بالفجر لم تجزئاه .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              ثبت في الصحيحين -كما سيأتي- من حديث أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخففهما حتى إني لأقول : هل قرأ فيهما ؟ ومشهور مذهب مالك أنه لا يقرأ فيهما إلا بأم القرآن ، وقيل : وسورة قصيرة . وقيل : قولوا آمنا بالله [البقرة : 136] وقيل : قل يا أهل الكتاب تعالوا [آل عمران : 64] وسيأتي ذلك في بابه واضحا .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية