الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              97 [ ص: 472 ] 31 - باب: تعليم الرجل أمته وأهله

                                                                                                                                                                                                                              97 - أخبرنا محمد -هو ابن سلام - حدثنا المحاربي قال: حدثنا صالح بن حيان قال: قال عامر الشعبي: حدثني أبو بردة، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة [يطؤها] فأدبها، فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران". ثم قال عامر: أعطيناكها بغير شيء، قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة. [2544، 2547، 2551، 3011، 3446، 5083 - مسلم: 154 - فتح: 1 \ 190]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا محمد -هو ابن سلام - ثنا المحاربي ثنا صالح بن حيان قال: قال عامر الشعبي : حدثني أبو بردة، عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطؤها فأدبها، فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران". ثم قال عامر : أعطيناكها بغير شيء، قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة.

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري في مواضع هذا أحدها. ثانيها: في العتق مختصرا عن إسحاق بن إبراهيم، عن محمد بن فضيل، عن [ ص: 473 ] مطرف، عن الشعبي . وفيه أيضا عن محمد بن كثير، عن الثوري، عن صالح . ثالثها: في الجهاد، عن علي عن ابن عيينة . رابعها: في النكاح عن موسى بن إسماعيل، عن عبد الواحد بن زياد كلاهما عن صالح به. وفيه في رواية: "أعتقها ثم أصدقها"

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم في الإيمان من طرق إلى الشعبي . وفي النكاح مختصرا أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: في التعريف برواته:

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف التعريف بهم خلا صالح بن حيان، والمحاربي .

                                                                                                                                                                                                                              أما صالح: فهو أبو الحسن صالح بن صالح بن مسلم بن حيان .

                                                                                                                                                                                                                              ويقال: صالح بن حي -وحي لقب- الهمداني الكوفي الثوري ثور همدان، وهو ثور بن مالك بن معاوية بن دومان بن بكيل بن جشم بن خيوان (بن) نوف بن همدان - وهو والد الحسن وعلي .

                                                                                                                                                                                                                              أخرج له البخاري في العتق والجهاد والنكاح والأنبياء من حديث الثوري، وابن عيينة، وغيرهما عنه، عن الشعبي، ونسبه هنا إلى جده [ ص: 474 ] الأعلى. فقال: صالح بن حيان، وليس بصالح بن حيان القرشي الكوفي الذي يحدث عن أبي وائل وابن بريدة . وعنه يعلى بن عبيد، ومروان بن معاوية، فإن فيه نظرا، قاله البخاري في "تاريخه"، نبه على ذلك الكلاباذي، وابن طاهر وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الدارقطني : هما رجلان أخرج لهما البخاري : صالح بن حي الهمداني وصالح بن حيان . وقال أحمد ويحيى : صالح بن صالح بن مسلم ثقة. وقال سفيان بن عيينة : ثنا صالح بن صالح بن حي وكان خيرا من ابنيه علي والحسن، وكان علي خيرهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقال العجلي: ثنا صالح بن صالح الثوري من ثور همدان، كان ثقة يروي عن الشعبي أحاديث يسيرة، وما نعرف عنه في المذاهب إلا خيرا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال في موضع آخر: جائز الحديث، يكتب حديثه، وليس بالقوي في أعداد الشيوخ. قال الكلاباذي : مات هو وابنه علي سنة ثلاث وخمسين، وابنه الحسن سنة سبع وستين ومائة.

                                                                                                                                                                                                                              وأما المحاربي فهو عبد الرحمن بن محمد بن زياد . عنه محمد بن سلام وغيره. قال يحيى بن معين : ثقة. وقال أبو حاتم : صدوق إذا حدث عن الثقات، ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة فيفسد [ ص: 475 ] حديثه بروايته عنهم. مات سنة خمس وتسعين ومائة.

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: "يطؤها" هو مهموز، وكان القياس: "يوطؤها" مثل يوجل; لأن الواو إنما تحذف إذا وقعت بين الياء ونظائرها. قال الجوهري : إنما سقطت الواو لأن فعل يفعل مما اعتل فاؤه لا يكون إلا لازما، فلما جاءا من بين أخواتهما متعديين خولف بهما نظائرهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقول الشعبي : (أعطيناكها بغير شيء)، فيه تعريف المتعلم قدر ما أفاده من العلم، وما خصه به ليكون ذلك أدعى لحفظه وأجلب لحرصه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة). فيه: إثبات فضل المدينة، وأنها معدن العلم وموطنه، وإليها كان يرحل في طلبه ويقصد في اقتباسه.

                                                                                                                                                                                                                              الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              نطق الشارع بأن هؤلاء الثلاثة يؤتون أجرهم مرتين، والمراد بالكتابي: من كان على الحق في شرعه، ثم تمسك به إلى أن جاء نبينا - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه، فله أجران باتباع الحق الأول والحق الثاني، فأما من لم يكن على الحق في شرعه، ثم أسلم فلا يؤجر إلا على الإسلام خاصة، وإليه يرشد تبويب البخاري في الجهاد باب: فضل [ ص: 476 ] من أسلم من أهل الكتابين، وقال في الحديث: "ومؤمن أهل الكتاب الذي كان مؤمنا، ثم آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فله أجران"، وقيل ذلك في كعب وعبد الله بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - النصارى خاصة الذين بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم على دين عيسى، ولا يصح أن يرجع إلى اليهود; لأنهم كفروا بعيسى، ولا ينفع معه الإيمان بموسى ولا إلى غيرهم ممن كان على غير الإسلام، وإنما يوضع عنه بالإسلام ما كان عليه من الكفر.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ويحتمل أن يكون ذلك في سائر الأمم فيما فعلوه من خير; لقوله - صلى الله عليه وسلم - لحكيم بن حزام : "أسلمت على ما أسلفت من خير "، وقوله: "إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب له بكل حسنة كان زلفها".

                                                                                                                                                                                                                              وقال المهلب : فيه دليل على أن من أحسن في معنيين من أي فعل كان من أفعال البر فله أجره مرتين والله يضاعف لمن يشاء، وحصول الأجر مرتين بكونه أدى حق الله وحق مواليه كما نطق به الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية: "ونصح لسيده" وحصول الأجر مرتين في حق الأمة بأجر التأديب والتعليم والعتق والتزويج إذا قارنتها النية.

                                                                                                                                                                                                                              والمعنى فيه: أن الفاعل لهذا بريء من الكبر والمباهاة إذا لم ينكح [ ص: 477 ] ذات شرف ومنصب. والرواية (السالفة): "أعتقها ثم أصدقها" لا ينافيه. وفي أخرى: "ومن كانت عنده جارية فعالها وأحسن إليها، ثم أعتقها وتزوجها".

                                                                                                                                                                                                                              وفي مسلم : "فغذاها وأحسن غذاءها، ثم أدبها" وفي أوله: أن رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي، فقال: يا أبا عمرو، إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته. وفي طريق: كالراكب هديه. كأنهم توهموا في العتق التزوج، والرجوع بالنكاح فيما خرج عنه بالعتق، فأجابه الشعبي بما يدل على أنه محسن إليها إحسانا بعد إحسان، وأنه ليس من الرجوع في شيء فذكر لهم الحديث.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية