الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1381 1449 - حدثنا مؤمل، حدثنا إسماعيل، عن أيوب، عن عطاء بن أبي رباح قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: أشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلى قبل الخطبة، فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن ومعه بلال ناشر ثوبه، فوعظهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي، وأشار أيوب إلى أذنه وإلى حلقه. [انظر: 98 - مسلم: 884 - فتح: 3 \ 312]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا محمد بن عبد الله، حدثني أبي، حدثني ثمامة، أن أنسا حدثه، أن أبا بكر كتب له التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "ومن بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده، وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين .. " الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 363 ] وساق عن ابن عباس : أشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلى قبل الخطبة، فرأى أنه لم يسمع النساء، فأتاهن ومعه بلال ناشر ثوبه، فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي، وأشار أيوب إلى أذنه وإلى حلقه.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              أما أثر معاذ فأخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس قال معاذ: ائتوني بخميص ... الحديث. وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن إبراهيم، عن طاوس أن معاذا كان يأخذ العروض في الصدقة . وهذا مرسل; طاوس لم يدرك معاذا كما نص عليه الدارقطني وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البيهقي: كذا قال إبراهيم بن ميسرة، وخالفه عمرو بن دينار، عن طاوس: فقال معاذ باليمن: ائتوني بعرض ثياب آخذه منكم مكان الذرة والشعير، قال: وقال الإسماعيلي: حديث طاوس عن معاذ إذا كان مرسلا لا حجة، وقد قال بعضهم فيه: من الجزية، بدل: الصدقة.

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي: وهذا الأليق بمعاذ، والأشبه بما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - به من أخذ الجنس في الصدقات وأخذ الدينار وعدله معافر ثياب اليمن في الجزية، وأن ترد الصدقات على فقرائهم [لا] أن ينقلها إلى المهاجرين بالمدينة الذين أكثرهم أهل فيء لا أهل صدقة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 364 ] قال الإسماعيلي: حديث طاوس لو كان صحيحا لوجب ذكره; لينتهى إليه، وإن كان مرسلا فلا حجة فيه، وقد يقول: ائتوني به آخذه مكان الشعير والذرة الذي أخذه شراء بما أخذه، فيكون بأخذه قد بلغت محله، ثم يأخذه مكان ما يشتريه بما هو أوسع عندهم وأنفع للآخذ، ولو كانت هذه من الزكاة لم تكن مردودة على أصحاب النبي بالمدينة دون غيرهم، ولو كان الوجه رده عليهم، وقد قال له - صلى الله عليه وسلم -: "تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم" .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (خميص) كذا هو بالصاد، قال صاحب "المطالع": كذا ذكره البخاري، وأبو عبيد وغيره يقولونه بالسين، ويقال له أيضا: خموس، وهو الثوب الذي طوله خمسة أذرع، كأنه يعني الصغير من الثياب، وقال أبو عمرو الشيباني: أول من عملها باليمن ملك يقال له: الخميس ، وقد يكون بالصاد من الخميصة، ولا وجه له، وإن صحت الرواية بالصاد فيكون مذكر الخميصة، فاستعارها في الثوب، وذكره ابن التين أولا بالسين، ثم قال: ووقع في بعض الأمهات بالصاد، ولا وجه له إلا أن يكون أراد خميصة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال: وقع هنا بالصاد، والصواب بالسين، كذا فسره أبو عبيد وأهل اللغة، قال صاحب "العين": (الخميسي والمخموس) ثوب طوله خمس أذرع، وذكره أبو عبيد عن الأصمعي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب "المغيث": الخميس: الثوب المخموس الذي طوله [ ص: 365 ] خمس ، قال ابن فارس وغيره: وكأن معاذا أراد أنه بمعنى الصغير من الثياب ، وقال في "مجمع الغرائب": أول من عمله ملك يقال له: الخمس، قال الطبري : وقولهم: مخموس فيه ما يدل أنه مما جاء مجيء ما يصرف من الأشياء التي أصلها مفعول إلى فعيل مثل: جريح وقتيل، أصله: مجروح ومقتول.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أو لبيس) يريد: أو ملبوس، كما قال ابن التين: مثل: قتيل ومقتول، ولو كان أراد الاسم لقال: لبوس; لأن اللبوس: كل ما يلبس من ثياب ودرع.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث: ("وأما خالد") فقد وصله وسيأتي عن قريب ، قال الإسماعيلي: إذا احتبسها: جعلها حبسا، وإذا جعلها حبسا وأعيانها لا زكاة فيه سقطت الزكاة عنها فهذا لا يتصل بأخذ العرض في فرض الزكاة. قلت: كأن البخاري ترجم لزكاة العرض وأخذ الفرض، فذكر دليل الأول مرة والآخر أخرى.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وأعتده) هو بالتاء وبالباء كما ستعلمه في موضعه والأول أصح.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث: "تصدقن" سلف في العيد وغيره مسندا . وقال الإسماعيلي: هذا حث على الصدقة، ولو (لمن نفس مال) ، وليس في ذلك فرض، [ ص: 366 ] فلو كان من الفرض لقيل: أدين صدقة أموالكن، إلا أن يشار إلى ما منه يتصدقن لنفاسته عليهن أو قريب متناوله منهن، والله أعلم.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وما ذكره في الباب يؤخذ كذا وكذا، فليس ذلك أخذ عرض عن عين، بل الموجب فيها حال الوجود كذا، وفي حال عدمه في إبله كذا، فهو كأخذ شاة عن خمس من الإبل لا يقال: إنه أخذ عرضا عن زكاة ولكن ذاك هو الموجب عليه، وكذلك الموجب في حال كذا وفي حال كذا فخالف الأول.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ثمامة عن أنس في كتاب الصديق فرقه البخاري في عشرة مواضع من هذا "الصحيح" كما ستراه ، ولا عبرة بمن طعن في اتصاله، فقد صححه الأئمة، قال الحاكم في "مستدركه": وهو صحيح على شرط مسلم، وأوضحه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البخاري في كتاب الجهاد عن أنس: إن أبا بكر لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب له هذا الكتاب وختمه بخاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال الحاكم: وتفرد البخاري بإخراجه من وجه علا فيه عن الأنصاري عن [ ص: 367 ] ثمامة، وحديث حماد بن سلمة عن ثمامة، وحديث حماد أصح وأشفى وأتم من حديث الأنصاري .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الميموني: سألت أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- عن حديث حماد، عن ثمامة فقال: لا أعلم في الصدقات حديثا أحسن منه، إلا أن عفان يقول عن حماد: سمعت من ثمامة، وأبو كامل عن حماد: دفع إلي ثمامة كتابه، قيل: فأي حديث أحسن في الصدقة؟ فقال: حديث حماد وعمرو بن حزم.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مرة في حديث عمرو: أرجو أن يكون صحيحا.

                                                                                                                                                                                                                              وخرجه في "مسنده" عن الحكم بن موسى عنه، وقال إمامنا الشافعي فيما نقله عنه البيهقي: حديث أنس حديث ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جهة حماد وغيره وبه نأخذ ولما ذكره البيهقي في "المعرفة"، من حديث حماد قال: تعلق به بعض من ادعى المعرفة بالآثار فقال: هذا حديث منقطع، وأنتم لا تثبتون المنقطع، وإنما وصله عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس، وأنتم لا تجعلون عبد الله حجة، ولم يعلم أن موسى بن محمد المؤدب قد رواه عن حماد بن سلمة، قال: أخذت هذا الكتاب من ثمامة، عن أنس أن أبا بكر كتب له، وكذا رواه شريح بن النعمان، عن حماد، عن ثمامة، عن أنس، أن أبا بكر .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي: وقد رواه ابن المنذر في كتابه محتجا به، ورواه [ ص: 368 ] إسحاق بن راهويه وهو إمام عصره عن النضر بن شميل، وهو متفق عليه في العدالة والإتقان والتقدم، فقال: حدثنا حماد قال: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة بن عبد الله يحكيه عن أنس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الدارقطني : إسناد صحيح، وكلهم ثقات .

                                                                                                                                                                                                                              قال البيهقي: وقد اعتمد محمد -يعني: البخاري - على عبد الله بن المثنى لكثرة الشواهد لحديثه هذا بالصحة ، وقال الدارقطني : رواه محمد بن مصفى، عن نعيم [بن] حماد، عن المعتمر، عن أبيه، عن أنس، عن أبي بكر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وروي عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أنس نحو قول ثمامة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حزم: هذا الحديث لا يصح في الماشية غيره، إلا خبر ابن عمر وليس بقائم، وحديث ثمامة في نهاية الصحة وعمل أبي بكر بحضرة الصحابة، ولا يعرف منهم مخالف، رواه عن أنس ثمامة، وهو ثقة سمعه من أنس، وعن ثمامة حماد بن سلمة، وعبد الله بن المثنى، وكلاهما ثقة إمام، وعن ابن المثنى ابنه محمد، وهو مشهور ثقة، وعنه البخاري، وأبو قلابة والناس، ورواه عن حماد يونس، وشريح، والتبوذكي، وأبو كامل المظفر بن مدرك، وغيرهم، وكل هؤلاء إمام ثقة مشهور .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 369 ] قلت: وقوله في حديث ابن عمر: إنه ليس بقائم. فيه نظر; لأن الدارقطني أخرجه بإسناد صحيح، وزكاه الحاكم وطرقه . وقال ابن العربي في "مسالكه": ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الماشية ثلاث كتب: كتاب أبي بكر، وكتاب آل عمرو بن حزم، وكتاب عمر بن الخطاب، وعليه عول مالك لطول مدة خلافته وكثرة مصدقيه، واعترض الإسماعيلي من وجه آخر فقال: لو كان يعني القيمة أو العرض لكان ينظر إلى ما بين السنين في القيمة إلا أن يوقت الموجب فيها توقيت الموجبات في الأعداد منها سواها ويكون الفرض يزيد تارة وينقص أخرى كما تزيد القيمة تارة وتنقص أخرى.

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك كله:

                                                                                                                                                                                                                              فاختلف العلماء في أخذ العروض والقيم في الزكاة، فقال مالك والشافعي : لا يجوز ذلك وجوزه أبو حنيفة واحتج أصحابه بما ذكره البخاري من أخذ معاذ العروض في الزكاة، وبحديث أنس عن أبي بكر، وقالوا: كان معاذ ينقل الصدقات إلى المدينة فيتولى الشارع قسمتها، فإن كانت في حياته كذا فهو إقرار منه على أخذ البدل منها; لأنه قد علم أن الزكاة ليس فيها ما هو من جنس الثياب، فإنها لا تؤخذ إلا على وجه البدل، فصار إقراره له على فعله دلالة على الجواز، وإن كان بعد موته فقد وضعها الصديق بحضرة الصحابة في [ ص: 370 ] مواضعها مع علمهم أن الثياب لا تجب في الزكاة فصار ذلك إقرارا منهم على جواز أخذ القيم، فهو إذا اتفاق من الصحابة، قالوا: وكذلك حديث أمره - عليه السلام - بإخراج بنت لبون عن بنت مخاض ويزيده المصدق عشرين درهما أو شاتين، وهذا على طريق القيمة.

                                                                                                                                                                                                                              قالوا: وإذا جاز أن يخرج عن خمس من الإبل شاة وهي من غير الجنس، جاز أن يخرج دينارا عن الشاة، واحتجوا بما روي عن عمر أنه كان يأخذ العروض في الزكاة ويجعلها في صنف واحد من الناس، ذكره عبد الرزاق عن الثوري .

                                                                                                                                                                                                                              ولهذا المذهب احتج البخاري على كثرة مخالفته لأبي حنيفة وموضع الحجة من حديث إلقاء السخاب أنها ليست من ذهب ولا فضة، بل قلادة من قرنفل ومن حلي النساء الوقف وهو من عاج وذبل، ما لم يكن من ذهب ولا فضة، فهو من العروض، فأراد البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ ذلك كله.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: حتى يثبت أنه في الزكاة، والظاهر أنه في التطوع.

                                                                                                                                                                                                                              والجواب عن حديث معاذ أنه من اجتهاده، وقيل: إنه خاص له لحاجة علمها بالمدينة، رأى أن المصلحة في ذلك، وقامت الدلالة على أن غيره لا يجوز له أخذها، ونقل ابن التين عن القاضي أبي محمد بأن حديث معاذ وارد في الجزية، بيانه أنه نقلها من اليمن إلى المدينة، وعندهم أن الزكاة لا تنقل، وأيضا فإن الجزية قد كانت تؤخذ من قوم من العرب باسم الصدقة فيجوز أن يكون معاذ أراد هذا [ ص: 371 ] في قوله: (في الصدقة مكان الشعير والذرة)، بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "خذ الحب من الحب، والغنم من الغنم، والبقر من البقر، والإبل من الإبل" لكن يرده مكان الشعير والذرة، إلا أن يكون يأخذها في الجزية.

                                                                                                                                                                                                                              وأما أخذ عمر العروض فكان على وجه التطوع لا على طريقة الفريضة.

                                                                                                                                                                                                                              وقولهم في حديث أنس: إنه لم يعمل به أهل المدينة، ولا أمر أبو بكر ولا عمر به السعاة فوجب تركه لمعنى علموه، لا يعجبني فإنه نص فيقتصر فيه على ما ورد، ثم هو ليس هو على وجه القيمة، بل على البدل بدليل أنه يجزئ عنها وإن كانت قيمتها أكثر منه، واحتج بفعل معاذ من اختار نقل الزكاة إلى بلد آخر وسيأتي في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              في حديث أنس هنا بنت المخاض ولها سنة، وبنت اللبون ولها سنتان، لا خلاف في ذلك وسميت بنت مخاض; لأن أمها آن لها أن تكون ماخضا أي: حاملا أي: دخل وقت قبول أمها للحمل وإن لم تحمل، وسميت بنت اللبون; لأن أمها ذات لبن أي: جاز لأمها أن ترضع ثانيا ويصير لها لبن وإن لم ترضع، وجمع لبون: لبن بضم اللام وكسرها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 372 ] وقوله: ("ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين") هو بكسر الدال مشددة أي: العامل، ورواه أبو عبيد بفتحها مشددة أي: المالك، وخالفوه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو موسى المديني: هو بتشديد الصاد والدال معا والدال مكسورة، وهو رب المال، وأصله: المتصدق فأدغمت التاء في الصاد; لتقارب مخرجهما، وقال ثابت: يقال: بتخفيف الصاد للذي يأخذها والذي يعطيها أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وعندنا أن الخيار في الشاتين والدراهم لدافعها، سواء كان المالك أو الساعي، وفي قول: إن الخيرة إلى الساعي مطلقا، فعلى هذا: إن كان هو المعطي راعى المصلحة للمساكين، وكل منهما أصل بنفسه وليس ببدل; لأنه خير بينهما بحرف أو يعلم أن ذلك لا يجري مجرى تعديل القيمة لاختلاف ذلك في الأزمنة والأمكنة، وإنما هو فرض شرعي كالغرة في الجنين، والصاع في المصراة، والسر في ذلك أن الصدقة كانت تؤخذ في البراري وعلى المياه بحيث لا يجد السوق، فقدر الشارع هذا قطعا للتشاجر.

                                                                                                                                                                                                                              نبه عليه الخطابي وغيره، وإنما لم يرد على من أخذ منه ابن لبون بدل بنت مخاض; لأنه وإن زاد في السن فقد نقص بالذكورة، ولا يكلف شراء بنت مخاض وهذا بخلاف الكفارة; لأن الزكاة مبنية على التخفيف بخلافها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 373 ] فرع:

                                                                                                                                                                                                                              يجزئ الخنثى من أولاد اللبون عند فقد بنت المخاض على الأصح; لأنه إن كان ذكرا فذاك وإن كان أنثى فقد زاد خيرا ، وفي رواية: "ابن لبون ذكر" وهو إما للتأكيد أو للاحتراز من الخنثى، أو ذكر تنبيها لرب المال والعامل لتطيب نفس رب المال بالزيادة المأخوذة منه وللمصدق; ليعلم أن سن الذكور مقبول من رب المال في هذا الموضع، وهو أمر نادر في باب الصدقات.

                                                                                                                                                                                                                              فرع:

                                                                                                                                                                                                                              من وجبت عليه ابنة مخاض فلم توجد عنده، ولا ابن لبون، ولا ابنة لبون، ووجدت حقة أخذت منه ، ويرد الساعي أربعين درهما أو أربع شياه، خلافا لأصبغ حيث قال: ليس عليه إلا الدراهم ويجزئه. وقال ابن القاسم وأشهب: إن فعل أجزأه وعلى أصل المذهب في منع إخراج القيمة في الزكاة لا يجزئه; لأنه أعطى بنت لبون وأخذ دراهم فصار ما قابل الدراهم باع به بعض بنت لبون وأخرج بعض بنت لبون عن بنت مخاض.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 374 ] فرع:

                                                                                                                                                                                                                              في (كتابة) الصديق له حجة لمن أجازها، وقيل لمالك في الرجل يقول له العالم: هذا كتابي فاحمله عني، وحدث بما فيه. قال: لا أراه يجوز، وما يعجبني.

                                                                                                                                                                                                                              وروي عنه غير هذا، فإنه قال: كتبت ليحيى بن سعيد مائة حديث من حديث ابن شهاب فحملها عني ولم يقرأها علي، وقد أجاز الكتاب ابن وهب وغيره والمناولة أقوى من الإجازة إذا صح الكتاب، وفيه: حجة لجواز كتابة العلم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية