الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2136 2254 ، 2255 - حدثنا محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا سفيان ، عن سليمان الشيباني ، عن محمد بن أبي مجالد ، قال : أرسلني أبو بردة وعبد الله بن شداد إلى عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف . فقالا : كنا نصيب المغانم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكأن يأتينا أنباط من أنباط الشأم فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب إلى أجل مسمى . قال : قلت : أكان لهم زرع ؟ أو لم يكن لهم زرع ؟ قالا : ما كنا نسألهم عن ذلك . [2242 ، 2243 - فتح: 4 \ 434]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث ابن عباس السالف ولفظه : "أسلفوا في الثمار في كيل معلوم إلى أجل معلوم" .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث محمد بن أبي مجالد ، السالف وفي آخره : قلت : أكان لهم زرع ؟ أو لم يكن لهم زرع ؟ قال : ما كنا نسألهم عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              ورواية من سكت عن الوزن لا تعارض من صرح به ; لأنها زيادة من ثبت ، فقبلت .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 641 ] وأثر ابن عباس أخرجه الشافعي ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن قتادة ، عن أبي حسان مسلم الأعرج ، عن ابن عباس قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى ، أن الله أحله وأذن فيه وقرأ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم [البقرة : 282] الآية ، ورواه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن هشام ، ثنا قتادة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 642 ] وأثر أبي سعيد أخرجه البيهقي من حديث نبيح العنزي عنه : السلم كما يقوم السعر ربا ولكن قيل معلوم إلى أجل معلوم .

                                                                                                                                                                                                                              وأثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عنه . وأخبرنا ابن أبي زائدة ، عن حجاج ، عن وبرة قال : قال ابن عمر : لا بأس بالسلم إذا كان في كيل معلوم إلى أجل معلوم . ورواه ابن بكير ، عن مالك ، عن نافع ، عن مولاه قال : يريد -والله أعلم- أن يسلفه في زرع بعينه أو ثمره بعينه ، فلا يجوز ; لأن بيع أعيان الثمار على رءوس الأشجار إنما يجوز إذا بدا فيها الصلاح .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في أجل السلم ، فقال مالك والكوفيون وجمهور الفقهاء كما نقله ابن بطال عنهم أنه لا يجوز السلم الحال ، ولا بد فيه من أجل معلوم . وقد أسلفنا رواية ابن القاسم وابن عبد الحكم ، عن مالك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 643 ] وقال الشافعي وأبو ثور : يجوز السلم بغير ذكر الأجل أصلا .

                                                                                                                                                                                                                              وانتصر ابن بطال وقال : هذا خلاف الحديث ; لأنه - عليه السلام - قال : "من أسلم" فأتى بلفظ العموم ، وقد سلف جوابه ، وأيضا فإنه أحل الأجل محل الكيل والوزن ، وقرنه بينهما ، فلما لم يجز العقد إذا عدم صفة الكيل والوزن ، فكذلك الأجل يجب اعتباره ، كما لو قال : صل على صفة كذا لم يجز العدول عنها .

                                                                                                                                                                                                                              احتج الشافعي أن السلم بيع من البيوع ، وهي تجوز بثمن معجل ومؤجل ، فكذا هو ، قيل : إنه ينتقض بجواز السلم في المعدوم ، وهو يجوز مؤجلا فقط ، وإنما لم يجز ابن عمر السلم في زرع لم يبد صلاحه ; لأنه سلم في عين ، وحكم السلم أن لا يكون في عين معلومة ، وإنما يكون في الذمة لا ينفسخ بموت أحد العاقدين في السلم ، ولا بجائحة تنزل ، وهذا مذهب أهل الحجاز ، إلا أن مالكا أجاز السلم في طعام بلد بعينه إذا كان الأغلب فيه أنه لا يخلف .

                                                                                                                                                                                                                              ولم يختلف العلماء أنه لا يجوز أن يكون السلم في قمح فدان بعينه ; لأنه غرر ، ولا يدرى هل يتم زرعه أم لا ، ويجوز عند جميعهم أن يكون السلم في زمن يكون فيه الزرع قد بدا صلاحه إذا لم يكن يعين زرعا ما ، فإن أسلم في ثمر حائط بعد طيبه أو في زرع بعدما أدرك ، فعن ابن القاسم أنه كرهه ، وإن مات لم يفسخ ، وليس بالحرام البين ، ولا يجوز عند سائر الفقهاء ; لأنه كبيع عين اشترط فيها تأخير القبض ، وهو لا يجوز ; لأنه من شرط البيع تسليم المبيع .

                                                                                                                                                                                                                              وفي قوله : ("أسلموا في الثمار") إجازة السلم في الثمار كلها ; [ ص: 644 ] لعموم لفظه ، وهو قول ابن عمر : لا بأس بالسلم في الطعام بسعر معلوم ، فإن العلماء اختلفوا في رأس مال السلم ، فقال مالك : لو أسلم إليه عروضا أو تبرا أو فضة مكسورة جزافا ، صح السلم ، ولا يجوز أن يسلم إليه دينارا أو دراهم فرق بين التبر والدراهم والدنانير ; لأن التبر بمنزلة الثوب والسلعة عنده .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : لا يسلم إليه تبر جزافا ، ولا شيء مما يكال أو يوزن جزافا ، وهو أحد قولي الشافعي . وقال أبو يوسف ومحمد : يجوز أن يسلم إليه الدراهم والدنانير ، وكل ما يكال أو يوزن جزافا ، وهو الأظهر من قولي الشافعي ، كثمن المبيع ، ووجه مقابله أنه قد ينقطع ، ويكون رأس المال تالفا ، فلا يدرى بم يرجع ؟ ! .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية