الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2243 2372 - حدثنا إسماعيل، حدثنا مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد - مولى المنبعث - عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن اللقطة، فقال: " اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها". قال: فضالة الغنم؟ قال: "هي لك، أو لأخيك أو للذئب". قال: فضالة الإبل؟ قال: "ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها". [انظر: 91 - مسلم: 1722 - فتح: 5 \ 46]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر... " الحديث بطوله وفيه: "ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقي كان ذلك حسنات له". [ ص: 368 ]

                                                                                                                                                                                                                              وحديث زيد بن خالد في اللقطة قال: فضالة الإبل، قال: " ما لك ولها معها سقاؤها وغذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ".

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي في بابه، وموضع الترجمة "ترد الماء"، وقام الإجماع على جواز الشرب من الأنهار دون استئذان أحد؛ لأن الله خلقها للناس والبهائم، وأنه لا مالك لها غير الله، وقام أيضا على أنه لا يجوز لأحد بيع الماء في النهر؛ لأنه لا يتعين لأحد فيه حق، فإذا أخذه في وعائه أو آنيته جاز له بيعه كما سلف. وقال مالك: لا بأس ببيع الماء بالماء متفاضلا وإلى أجل، وهو قول أبي حنيفة . وقال محمد : هو مما يكال أو يوزن، كما صح أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وعلى هذا لا يجوز عنده فيه التفاضل والنسيئة؛ لأن علته في الربا الكيل والوزن. وقال الشافعي : لا يجوز بيعه متفاضلا ولا إلى أجل؛

                                                                                                                                                                                                                              لأن علته في الربا أن يكون مأكولا جنسا. ومعنى: ("ولرجل ستر") أي: تكفه عن المسألة وتغنيه عن الناس.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى ("ربطها"): أعدها للجهاد، وأصله من الربط، ومنه الرباط، وهو حبس الرجل نفسه في الثغور وإعداده الأهبة لذلك. وقيل: من ربط صاحبه عن المعاصي وعقله عنها فمن كمن ربط وعقل.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فأطال) أي: شدها في طوله، وهو حبل يشد أحد طرفيه في خية ووتد، ثم يعلق به الفرس من الطرف الآخر فيه ليدور فيه، ولا يعثر فيذهب على وجهه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("في مرج")، المرج: الأرض الواسعة. [ ص: 369 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو المعالي : تجمع الكلأ الكثير والماء تمرج فيها الدواب حيث شاءت، والجمع: مروج.

                                                                                                                                                                                                                              والروضة: الموضع الذي يستنقع فيه الماء ويكون فيه نبات مجتمع.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد : ولا يكون إلا في ارتفاع. وقال الداودي : المكان المرتفع أعلاه يكون فيه الكلأ.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري : الروضة من البقل والعشب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن مزين : المرج: المهمل في المرج، والروضة: ما في طيلة ذلك. والطيل والطول والطويلة والتطول كله حبل طويل تشد به قائمة الدابة. وقيل: هو الحبل تشد به ويمسك صاحبه بطرفه ويرسلها ترعى. وفي "الجامع": ومنهم من يشدد فيقول: الطول.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري : لم يسمع في الطول الذي هو الحبل إلا بكسر الأول وفتح الثاني، وشدده الراجز منظور بن مرثد الأسدي ضرورة، وقد يفعلون مثل ذلك كثيرا، ويزيدون في الحرف من بعض حروفه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن وهب فيما حكاه عياض : هو الرسن، وهو بالياء هنا للكافة، ووقع عند البخاري في موضع بالواو بدلها، وأنكر يعقوب الياء، وقال: لا يقال إلا بالواو، وعن الأخفش هما سواء، وهو منتهى رسن الدابة. وعبارة يعقوب: أما الحبل فلم أسمعه إلا بكسر أوله وفتح الثاني كقولك: أرخ للفرس من طوله، وزعم الخضراوي أن بعضهم أجاز فيه طوال، كما تقوله العامة، وأنكر ذلك الزبيدي وقال: لا أعرفه صحيحا. [ ص: 370 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فاستنت شرفا أو شرفين") أي: أفلتت فمرحت، والاستنان تفعل من السنن وهو القصد، وقيل: معناه: لجت في عدوها إقبالا وإدبارا. وقيل: إنه يختص بالجري إلى فوق. وقيل: هو النشاط والمرح. وفي "البارع": هو كالرقص. وقيل: استنت: رعت، وقيل: الجري بغير فارس.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : استنت: علت وهذا لم يقله غيره، والشرف بفتح الشين المعجمة والراء: ما أشرف من الأرض وارتفع.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فشربت منه ولم يرد أن يسقي") ، هذا من باب التنبيه؛ لأنه إذا كان تحصل له هذه الحسنات من غير أن يقصد سقيها، فإذا قصد وأوفى بأضعافها، ولا يريد به أن يمنعها من شرب يضر بها أو به إذا احتسبت للشرب بفوته ما يؤمله أو إدراك ما يخافه: أو لأنه كره أنها تشرب من ماء غيره بغير إذن.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : فيه دلالة أن يسقي إذا أراد. (والنهر) بفتح الهاء وإسكانها لغتان فصيحتان ذكرهما ثعلب في "فصيحه"، والفتح أفصح كما قاله القزاز والهروي . قال ابن خالويه : والأصل فيه التسكين، وإنما جاز فتحه؛ لأن فيه حرفا من حروف الحلق، قال: وحروف الحلق إذا وقعت آخر الكلام فتح وسطها، وإذا وقعت وسطا فتحت نفسها. وعند اللبلي قال بعضهم: لأنه حرف استعلاء وفتح [ ص: 371 ] لاستعلائه. وفي "الموعب": نهر ونهور، وقال أبو حاتم : نهر وأنهار ولا يقال: نهر، وأصله الفسحة، وقوله: ("تغنيا وتعففا") يعني: يستغني به عما في أيدي الناس، ويتعفف عن سؤالهم بما يعمله عليها ويكتسبه على ظهورها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها") هو ما للخيل على أربابها في ركوبهم عليها وقودهم إياها بأعناقها بغير تعسف ولا حمل ما لا تطيقه، وقد أمر الشارع بالرفق بها وقيل: هو أن يغيث بها الملهوف ومن تجب معونته. وقال أصحاب أبي حنيفة : يريد وجوب الزكاة فيها، وعلى هذا الحديث اعتمد أصحابه في زكاة الخيل السائمة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("ونواء لأهل الإسلام") النواء: بكسر النون والمد: المعاداة، وهو أن ينوي إليك، وينوي إليه أي: ينهض. وقال الداودي : هو بفتح النون والقصر منونا. كذا روي، والأول قول جماعة أهل اللغة من نوأته نواء إذا عاديته.

                                                                                                                                                                                                                              قال صاحب "المطالع": والقصر مع فتح النون وهم، وعند الإسماعيلي قال ابن أبي الحجاج عن أبي المصعب : (بواء) بالباء. و (الوزر) بكسر الواو و (الإثم) يريد باعتقاده وإن لم يقاتلهم عليها. و (الحمر) بضم الميم جمع حمار، و (الفاذة) بالذال المعجمة أي: المنفردة القليلة النظير في معناها، وجمعت على انفرادها حكم الحسنات والسيئات المتناولة لكل خير ومعروف، ومعناه: أن من أحسن إليها أو أساء رآه في الآخرة إذا كلفها فوق الطاقة. [ ص: 372 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن مسعود : هذه أعدل آية في القرآن، ولم ينكر عليه عمر، وقد يحتج به من رأى أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مجتهدا وإنما كان يحكم بالوحي، وأجيب: بأنه لم يظهر له أو (يفسر) الله من أحكامها وأحوالها ما قاله في الخيل وغيرها، وإنما لم يسأله عن البغال لقلتها عندهم أو لأنها بمنزلة الحمار، وفي الحديث إشارة إلى التمسك بالعموم وهو تنبيه الآية على الاستنباط والقياس وكيف يفهم معنى التنزيل؛ لأنه نبه بما لم يذكر الله في كتابه وهي الحمر بما ذكر "من عمل مثقال ذرة خيرا" إذ كان معناهما واحدا، وهذا نفس القياس الذي ينكره من لا تحصيل له.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث اللقطة فيه العفاص والوكاء وهما بكسر أولهما، والأول: الوعاء، والثاني: الربط، يقال: أوكيته إيكاء فهو موكى بغير همز. قال ابن القاسم : (العفاص): الخرقة، و (الوكاء): الخيط وعكسه أشهب . قال ابن التين : وأهل اللغة على الأول، و (سقاؤها): جوفها فتستغني به حتى ترد الماء، و (حذاؤها): خفها، وأصل الحذاء: النعال التي تحذى فقيل لأخفافها: حذاء من ذلك، وكذلك يقال لحوافر الخيل. قال المازري : أعناقها.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية