الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2317 [ ص: 591 ] 10 - باب: من كانت له مظلمة عند الرجل فحللها له، هل يبين مظلمته؟

                                                                                                                                                                                                                              2449 - حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه". قال أبو عبد الله: قال إسماعيل بن أبي أويس: إنما سمي المقبري؛ لأنه كان نزل ناحية المقابر. قال أبو عبد الله: وسعيد المقبري هو مولى بني ليث، وهو سعيد بن أبي سعيد، واسم أبي سعيد كيسان. [6534 - فتح: 5 \ 101]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه". قال أبو عبد الله: قال إسماعيل بن أبي أويس : إنما سمي المقبري؛ لأنه كان ينزل ناحية المقابر. قال أبو عبد الله: وسعيد المقبري هو مولى بني ليث، وهو سعيد بن أبي سعيد كيسان .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قام الإجماع على أنه إذا بين ما ظلمه به فأبرأه فهو نافذ.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا فيمن بينهما ملابسة أو معاملة، ثم حلل بعضهم بعضا من كل ما جرى بينهما من ذلك، فقال قوم: إن ذلك براءة له في الدنيا والآخرة وإن لم يبين مقداره. [ ص: 592 ]

                                                                                                                                                                                                                              وقال آخرون: إنما تصح البراءة إذا بين له وعرف ماله عنده أو قارب ذلك بما لا مشاحة في مثله، وهذا الحديث حجة لهذا؛ لأن قوله - عليه السلام -: "أخذ منه بقدر مظلمته " يدل أنه يجب أن يكون معلوم القدر مشارا إليه.

                                                                                                                                                                                                                              وكان ابن المسيب لا يحلل أحدا، وكان ابن يسار يحلل من العرض والمال.

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك: أما من المال فنعم، وأما من العرض فإنما السبيل على الذين يظلمون الناس.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : أحسب مالكا أراد إن أصاب من عرض رجل لم يجز لوارثه أن يحلله.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين : وأراه خلافا لقول مالك؛ لأنه قال: إن مات ولا وفاء عنده فالأفضل أن يحلله، وأما من ظلم أو اغتاب فلا، وذكر الآية. وكان بعضهم يحلل من ظلمه، ويتأول: (الحسنة بعشر أمثالها)، وكان القاسم يحلل من ظلمه.

                                                                                                                                                                                                                              وجاء رجل إلى ابن سيرين فقال له: يا أبا بكر، اجعلني في حل فقد اغتبتك. فقال: لا أحل ما حرم الله، ولكن ما كان من قبلي فأنت في حل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي : إذا اغتاب رجل رجلا فإن كان بلغ المقول فيه ذلك فلا بد أن يستحله، وإن لم يبلغه استغفر الله ولا يخبره، وأما التحلل في المال فإنما يصح ذلك في أمر معلوم، وقال بعض أهل العلم: إنما يصح ذلك في المنافع التي هي أعراض مثل أن يكون قد غصبه دارا فسكنها أو دابة فركبها أو ثوبا فلبسه أو تكون أعيانا فتلفت، فإذا تحلل منها [ ص: 593 ] صح التحلل، وإن كانت الدار قائمة والدراهم في يده حاصلة لم يصح التحلل منها إلا أن يهب أعيانها منه فتكون هبة مستأنفة.

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: "مظلمة": بضم اللام وكسرها، قاله القزاز، وفي "أدب الكاتب" لابن قتيبة : بفتح اللام، ونقل ابن التين عن ابن قتيبة : بفتح اللام وكسرها، قال: وضبط عن صاحب "الصحاح" ضمها، وهو كما قال خطأ.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: جاء في حديث آخر: " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من منزله قال: اللهم إني تصدقت بعرضي على الناس " وهو دال على البراءة قبل الوقوع، وهذا الحديث أخرجه البخاري في "الضعفاء"، وكذا ابن عدي من حديث العمي عن ثابت، عن أنس وهو علته.

                                                                                                                                                                                                                              ورواه البخاري في "الضعفاء" من حديث حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الرحمن بن عجلان مرفوعا، وهذا مرسل، وكذا أخرجه أبو داود في "مراسيله"، ثم قال: إنه أصح من رواية العمي. [ ص: 594 ]

                                                                                                                                                                                                                              وظن ابن عبد البر أنه صحابي، وتبعه الذهبي، وليس كذلك، فإنه من الأمم قبلنا كما وقع في رواية البخاري في "الضعفاء" وغيره.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها: قوله: ("فليتحلله") يقال: تحللته واستحللته إذا سألته أن يجعلك في حل.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى أخذ الحسنات والسيئات أن يجعل ثوابها لصاحب المظلمة، ويجعل على الظالم عقوبة سبابه بدل حقه. وقال في الحديث السالف: "يتقاصون مظالم كانت بينهم" وهي مواقف ومظالم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية