الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2399 2536 - حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أعتقيها، فإن الولاء لمن أعطى الورق". فأعتقتها، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فخيرها من زوجها فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده. فاختارت نفسها. [انظر: 456 - مسلم: 1504 - فتح: 5 \ 167]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عمر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وعن هبته.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عائشة في بريرة، وقد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              والفقهاء بالحجاز والعراق مجمعون على أنه لا يجوز بيع الولاء ولا هبته، وهذا أصله.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: وفيه قول ثان: روي أن ميمونة بنت الحارث وهبت ولاء مواليها من العباس وولاؤهم اليوم لهم، وأن عروة ابتاع ولاء طهمان لورثة مصعب بن الزبير.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عبد الرزاق عن عطاء أنه يجوز للسيد أن يأذن لعبده أن يوالي من شاء ، هذا هو هبة الولاء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 194 ] وستأتي المسألة في باب: إثم من تبرأ من مواليه، في الفرائض .

                                                                                                                                                                                                                              وصح من حديث ابن عمر مرفوعا: "الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يورث" صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وخالف البيهقي فأعله.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 195 ] وذكره ابن بطال من حديث إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا: "الولاء لحمة كالنسب"، وأورده ابن التين بلفظ بزيادة: "لا يحل بيعه ولا هبته".

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال: وعليه جماعة أهل العلم، وقام الإجماع على أنه لا يجوز تحويل النسب، وقد نسخ الله المواريث بالتبني بقوله: ادعوهم لآبائهم ، إلى قوله: ومواليكم [الأحزاب: 5]، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من انتسب إلى غير أبيه، وانتمى إلى غير مواليه، فكان حكم الولاء كحكم النسب في ذلك. فكما لا يجوز بيع النسب ولا هبته، كذلك الولاء، ولا نقله ولا تحويله، وأنه للمعتق، كما قال صلى الله عليه وسلم، وهذا ينفي أن يكون الولاء للذي يسلم على يديه والملتقط، وسيأتي إيضاحه في الفرائض.

                                                                                                                                                                                                                              ونقل ابن التين عن قوم أنه إذا أذن المولى الأعلى للأسفل فوالى غيره جاز، وكانت العرب تبيع الولاء وتهبه، فنهى الشارع عنه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 196 ] قال: واختلف في ولاء النسب؛ فمشهور مذهب مالك أن ولاءه لجميع المسلمين، وقيل: لمعتقه، قاله ابن نافع وابن الماجشون، وهو قول أبي حنيفة والشافعي. وقال ابن شهاب والأوزاعي عن السائبة: يوالي من شاء، وهو عند مالك مكروه، وأنكرها سحنون

                                                                                                                                                                                                                              وأصبغ، وقالا: هو جائز فعله.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في ولاء من أعتق عبدا عن غيره؛ فمذهب مالك أنه للمعتق عنه، وقيل: الولاء للمعتق.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي بالأول إن كان بأمره وإلا فللمعتق; لقوله صلى الله عليه وسلم : "الولاء لمن أعتق".

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عن سحنون أن إجماعهم على الوصي يعتق بأمر الموصي أن الولاء للموصي.

                                                                                                                                                                                                                              يدل أن هذا الحديث ليس على عمومه، وهذا احتجاج فيه نظر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 197 ] وكذا احتج في "المدونة"، وإن أعتق نصراني مسلما ثم أسلم لم يرجع الولاء (إليه) في مشهور مذهب مالك.

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك لا ولاء لعصبته من المسلمين. وقال أبو حنيفة والشافعي: الولاء له إن أسلم، ولعصبته من المسلمين ما لم يسلم، وقاله محمد بن عبد الحكم، واحتج في "المدونة" ابن القاسم أن الولاء لمن أعتق عنه; لحديث سعد بن عبادة: يا رسول الله، إن أمي ماتت، أينفعها أن أعتق عنها وليس لها مال؟ قال: "نعم".

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في الولاء إذا أعتق عبد من الخمس أو الزكاة، فقال مالك: ولاؤه للمسلمين. وقال الشافعي والكوفيون: لا يعتق منهما.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف إذا أسلم على يديه؛ فقال مالك: ولاؤه لجميع المسلمين، وخالف الشافعي. وقال العراقيون: إذا أسلم على يديه (ووالاه أو والاه فقط).

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 198 ] وحديث بريرة سلف الكلام عليه، واختلف إذا عتقت الأمة تحت حر هل لها خيار؟ فعند مالك: لا.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في المكاتب يموت سيده، فيؤدي بعض نجومه بعد موت سيده، فقيل: هو للسيد ولمن يرث ولاءه، وقيل: هو بين الورثة. وقيل: للسيد منه بحساب ما أدى وللورثة بحساب ما أدى بعد موته.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في ولاء المنبوذ، فقال مالك: لجماعة المسلمين، وزاد العراقيون إلا أن يشاء أن يوالي أحدا. وقال الليث: للملتقطة، وولاء ابن المعتقة لموالي أمه حرا كان أبوه أو عبدا، عربيا كان أو غيره. وقيل: يرثه العرب إن كان أبوه عربيا. واحتجوا بزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم; لأنه من العرب وأولاده إلى يومنا هذا بعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدون في موالي بني هاشم ويعقل عنهم بنو هاشم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية