الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2431 2570 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال: حدثني محمد بن جعفر، عن أبي حازم، عن عبد الله بن أبي قتادة السلمي، عن أبيه رضي الله عنه قال: كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نازل أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم، فأبصروا حمارا وحشيا، وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، والتفت فأبصرته، فقمت إلى الفرس فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح. فقالوا: لا والله، لا نعينك عليه بشيء. فغضبت فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت، فشددت على الحمار فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه، وهم حرم، فرحنا وخبأت العضد معي، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك، فقال: " معكم منه شيء؟". فقلت: نعم. فناولته العضد فأكلها، حتى نفدها وهو محرم. فحدثني به زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي قتادة، [انظر: 1821 - مسلم: 1196 - فتح: 5 \ 200]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث سهل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى امرأة من المهاجرين: "مري عبدك فليعمل لنا أعواد المنبر" .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 286 ] وحديث أبي قتادة مطولا، وفيه: فناولته العضد فأكلها، حتى نفدها وهو محرم. فحدثني به زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي قتادة.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلفا، وقائل ذلك هو محمد بن جعفر، راويه أولا، عن أبي حازم، عن عبد الله بن أبي قتادة السلمي، عن أبيه، كما سيأتي في الأطعمة، والتعليق سلف عنده مسندا في أجر الرقية. إذا تقرر ذلك، فاستيهاب الصديق الملاطف حسن إذا علم أن ما يستوهبه تطيب به نفسه، ويسر بهبته.

                                                                                                                                                                                                                              ويبين هذا أنه قد جاء أن المرأة كانت تطوعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألته أن تصنع له المنبر ووعدته بذلك، وإنما قال: "اضربوا لي معكم سهما" في الغنم التي أخذوا في الرقية بالفاتحة. وقال في لحم الصيد: "هل معكم منه شيء؟"؛ ليؤنسهم لما تحرجوا من أكله؛ بأن يريهم حله عيانا بأكله منه. ومن هذا الحديث قال بعض الفقهاء: إن المآكل إذا وردت على قوم دون مجالسيهم؛ أنهم مندبون إلى مشاركتهم.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله في الحديث الأول: (امرأة من المهاجرين)؛ كذا وقع هنا، وفي أصل ابن بطال بدله: (من الأنصار)، وهو الصواب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 287 ] قال ابن التين: أكثر الروايات أنها من الأنصار، ولعلها كانت هاجرت وهي مع ذلك أيضا أنصارية الأصل، أو يكون وهلا.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى قضاه: صنعه وأحكمه؛ قال تعالى: فقضاهن سبع سماوات [فصلت: 12].

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "فليعمل لنا أعواد المنبر"، وحكاه الخطابي: (فليفعل)؛ أي: فعلا في أعواد المنبر؛ من نجر، وتسوية، وخرط، قال: والظاهر في الاستعمال أن يقال: فليصنع، أو فليجعل؛ وذلك أن لفظ الفعل جملة تحتها أقسام، وجنس يتفرع منه أنواع، وتمام البيان إنما يقع بتنزيل الكلام منازله، و (صنع) يستعمل غالبا فيما يدخله التدبير والتقدير؛ ولذلك اختير في اسم الله: الصانع.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 288 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: في حديث أبي قتادة: "أخصف نعلي".

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: أصله: أعمل له شسعا إذا انقطع، والذي قاله أهل اللغة: إن خصف النعل إطباق طاق على طاق، مثل قوله تعالى: يخصفان عليهما من ورق الجنة [الأعراف: 22]؛ أي: يطبقان على أبدانهما ورقه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (حتى نفدها وهو محرم)؛ أي: أتى عليها، يقال: نفد الشيء؛ إذا أفنى، وأنفد القوم: نفدت أزوادهم.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية