الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2561 [ ص: 88 ] 12 - باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبى ، حكم عليه بالحكم البين

                                                                                                                                                                                                                              2708 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني عروة بن الزبير ، أن الزبير كان يحدث أنه خاصم رجلا من الأنصار قد شهد بدرا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شراج من الحرة ، كانا يسقيان به كلاهما ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير " اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك" . فغضب الأنصاري فقال : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : "اسق ثم احبس حتى يبلغ الجدر" . فاستوعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينئذ حقه للزبير ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة له وللأنصاري ، فلما أحفظ الأنصاري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استوعى للزبير حقه في صريح الحكم . قال عروة : قال الزبير : والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية [النساء : 65] . [انظر : 2360 - فتح: 5 \ 309]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث الزبير في شراج الحرة .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الشرب ، وزعم الداودي أنه ليس فيه ما بوب عليه ، إنما فيه حض الزبير على فعل المعروف .

                                                                                                                                                                                                                              وأما المهلب : فصوبها فقال : الترجمة صحيحة لأنه حض أولا الزبير على فعل المعروف ، فلما بدا من الأنصاري ما بدا استوعى للزبير حقه ، ولم يحمله غضبه على أكثر من أنه استوعى له حقه ، ونزل القرآن بتصديقه ، وهو قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم الآية . أي : لا يؤمنون إيمانا كاملا ; لأنه لا يخرج من الإيمان بخطرة أخطرها الشيطان ونزغ بها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 89 ] وفيه من الفقه : أنه لا ينبغي ترك الاقتداء به في غضبه (ورضاه ) ، وجميع أحواله ، وأن يكظم المؤمن غيظه ويملك نفسه عند غضبه ، ولا يحملها على التعدي والجور ، بل يعفو ويصفح ، ومعنى : (أحفظه الأنصاري ) : يعني أغضبه بحاء مهملة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (فتلون وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) فالمغضب ربما احمرت وجنتاه ، أو اصفر وجهه .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (استوعى ) : استقصى له حقه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (في صريح الحكم ) أي : حقيقته .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (والله ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في ذلك فلا وربك لا يؤمنون [النساء : 65] وكان الزبير ابن صفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مات سنة ست وثلاثين ، شهيدا يوم الجمل ، وهو حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمته ، وأول من سل سيفا في سبيل الله وراويه عن الزبير عروة بن الزبير ، أبو عبد الله الفقيه العالم المثبت المأمون ، كثير الحديث ، كان يصوم الدهر ، مات وهو صائم سنة ثلاث أو أربع وتسعين ، رد وهو ابن ست عشرة من خروجه إلى العراق ، فلم يدخل في شيء من الحرب حتى مات . قال ابنه هشام : كان يعرضنا الحديث -يعني بنيه- فكان يعجب من حفظي ، وما كان يعلمنا منه حرفا من ألفي حرف من حديثه ، وكان يتألف الناس على حديثه ، وأصابت رجله الأكلة فسقطت في مجلس الوليد من حد الركبة ، فأخرجها لمن حسمها أي : قطع عنها الدم بالكي ، وما شعر الوليد ، وما ترك حزبه تلك الليلة . أتاه أهل الحديث معتقدين على غير ما كانوا يأتونه ، وذكروا عذرهم له ، فقال : ما للصراع تريدونني .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 90 ] ولما قتل أخوه عبد الله استقصيت أموالهم ، فمضى إلى عبد الملك ، وقال له : الآن أيقنت بالهلاك فردها إليه ، وهو أحد المشيخة السبعة بالمدينة ، وكان دعاء ، فمات له ولد ، فكان يقول في دعائه : كانوا أربعة فأخذت واحدا وتركت ثلاثة ، وكانوا أربعا فأخذت واحدة وأبقيت ثلاثا . يعني : يديه ورجليه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية