الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2608 [ ص: 245 ] 18 - باب: قول الله -عز وجل - : وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه [النساء : 8]

                                                                                                                                                                                                                              2759 - حدثنا محمد بن الفضل أبو النعمان ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ، ولا والله ما نسخت ، ولكنها مما تهاون الناس ، هما واليان وال يرث ، وذاك الذي يرزق ، ووال لا يرث ، فذاك الذي يقول بالمعروف ، يقول : لا أملك لك أن أعطيك . [4576 - فتح: 5 \ 388]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ، ولا والله ما نسخت ، ولكنها مما تهاون الناس بها ، هما واليان وال يرث ، وذلك الذي يرزق ، ووال لا يرث ، فذاك الذي يقول بالمعروف ، يقول : لا أملك لك أن أعطيك .

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث من أفراده وذكره في : التفسير من حديث عكرمة ثم قال : تابعه سعيد عن ابن عباس -يعني هذا - بزيادة . قال : هي (محكمة ) وليست منسوخة . وادعى أبو مسعود في "أطرافه " إرساله ، والوافي بالاصطلاح أنه موقوف ، قال ابن أبي حاتم في "تفسيره " : وممن قال : إنها محكمة جماعة ، وعدد فوق العشرة منهم عطاء ، ثم ساق ، عن عطاء ، عن ابن عباس أنه نسختها آية المواريث فجعل لكل إنسان نصيبه مما ترك مما قل منه أو كثر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 246 ] قال : وروي عن جماعة عددهم نحوه ، ونقل نسخها أبو داود في "ناسخه " عن سعيد بن المسيب والضحاك ، وقال النحاس : أحسن ما قيل في الآية أنها على الندب .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وهو قول أكثر أهل العلم . وقيل : إن الآية محمولة على الوصية لمن ذكر في الآية وفيمن حضر ، ولو كان الوارث صغيرا فهل يجب على وليه الإخراج من نصيبه ؟ قولان : حكاهما الماوردي في "تفسيره " على أنها محكمة ، أحدها : لا ، ويقول الولي لهم قولا معروفا . -أي : خذوا بورك لكم - . كما قاله سعيد بن جبير ، وأكثر أهل العلم على أنها محكمة . قال مجاهد : هي محكمة ، وواجب عند قسم الميراث ما طابت به أنفسهم . قال البخاري : هذا مجاهد يقول بوجوبها بالإسناد الذي يدفع صحته ، وهذا خلاف ما روي عنه عن ابن عباس ، غير أن هذا الإسناد أصح ، وأمر ابن المسيب أن يوصي بثلثه في قرابته . قال الطبري : وأولى هذه الأقوال من قال : إنها محكمة ، وإنه عني بها الوصية لأولي قربى الموصي ، وعنى باليتامى والمساكين أن يقال لهم قول معروف .

                                                                                                                                                                                                                              وأما ابن حزم فقال في "محلاه " : فرض على الورثة البالغين وعلى وصي الصغار ووكيل الغائب أن يعطوا حين القسمة ما طابت به أنفسهم مما لا يجحف بالورثة ، ويجبرهم الحاكم على ذلك إن أبوا ، وتلا الآية الكريمة ، وذكر ما روي عن ابن عباس ، وأبي موسى وقسم لحطان

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 247 ] بقوله : وإذا حضر القسمة [النساء : 8] قال : وصح أيضا عن عروة وابن سيرين وحميد بن عبد الرحمن الحميري ويحيى بن يعمر والشعبي والنخعي والزهري والحسن وأبي العالية والعلاء بن بدر وسعيد بن جبير ومجاهد ، وروي عن عطاء ، وهو قول أبي سليمان قال : وروي أنها ليست بواجبة عن ابن عباس وسعيد بن المسيب وأبي مالك وزيد بن أسلم ، وبقول أبي حنيفة ومالك والشافعي قال : ولا نعلم لأهل هذا القول حجة أصلا . ونقل ابن الجوزي عن أكثر المفسرين أنهم قالوا : المراد بأولي القرابة هنا : من لا يرث . وفسروا قوله : فارزقوهم أعطوهم من المال . وقال آخرون : أطعموهم . وذلك على سبيل الاستحباب ، ومن قال بالإيجاب قال : إن كانوا كبارا تولوا الإعطاء وإلا فوليهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن عباس : (ولكنها مما تهاون الناس ) أي : بتأويلها . ورأى غيره أنها محكمة كما سلف ، وأن يطعم من حضر ممن سمى غير الورثة ، وكان بعضهم يصنع الطعام من تركة الميت ويطعم من حضر ممن ذكر في الآية ، وذكر إسماعيل القاضي أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قسم ميراث أبيه عبد الرحمن وعائشة حية ، فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه ، وتلا الآية . قال القاسم بن محمد : فذكرت ذلك لابن عباس فقال : ما أصاب ، إنما ذلك في الوصية يريد الميت أن يوصي . وقال ابن المسيب : إنما ذلك في الثلث عند الوصية . وقد فعله كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 248 ] وروى قتادة عن يحيى بن يعمر قال : ثلاث آيات في كتاب الله محكمات مدنيات قد ضيعهن الناس ، فذكر هذه الآية وآية الاستئذان : والذين لم يبلغوا الحلم [النور : 58] في العورات الثلاث ، وهذه الآية : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى [الحجرات : 13] قال قتادة في قوله : وليخش الذين لو تركوا من خلفهم [النساء : 9] قال : إذا حضرت وصية ميت فأمره بما كنت تأمر به نفسك مما يتقرب به إلى الله ، وخف في ذلك ما كنت تخافه على ضعفهم لو تركتهم بعدك ، فاتق الله وقل قولا سديدا إن هو زاغ .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية