الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2635 2787 - حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم ، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة " . [انظر : 36 - مسلم: 1876 - فتح: 6 \ 6]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر فيه حديث عطاء بن يزيد الليثي ، أن أبا سعيد الخدري حدثه قال : قيل : يا رسول الله ، أي الناس أفضل ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله " . قالوا : ثم من ؟ قال : "مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ، ويدع الناس من شره " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم ، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة ، أو يرجعه سالما مع ما نال من أجر أو غنيمة " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 329 ] الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              في الآية فضل الغنى والحث على الجهاد .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("مؤمن يجاهد في سبيل الله " ) ليس على عمومه ، فلا يريد أنه أفضل الناس ; لأنه أفضل منه من أوتي منازل الصديقين وحمل الناس على الشرائع والسنن وقادهم إلى الخير ، وسبب لهم أسباب المنفعة دينا ودنيا ، لكن إنما أراد -والله أعلم - أفضل أحوال عامة الناس ; لأنه قد يكون في خاصتهم من أهل الدين والعلم والفضل والضبط للسنن من هو أفضل منه .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("والله أعلم بمن يجاهد في سبيله " ) يريد والله أعلم بعقد نيته إن كانت لله خالصة وإعلاء كلمته ، فذلك المجاهد في سبيل الله إن كان في نيته حب المال والدنيا واكتساب الذكر منها فقد شرك في سبيل الله سبيل الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المستدرك " من حديث أبي سعيد على شرطهما : أي المؤمنين أكمل إيمانا قال : "الذي يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه " .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("كمثل الصائم القائم " ) يدل على أن حركات المجاهد (ونومه ) ويقظته حسنات ، وإنما مثله بالصائم ; لأنه ممسك لنفسه عن الأكل والشرب واللذات ، وكذلك المجاهد ممسك لنفسه على محاربة العدو وحابس نفسه على من يقاتله .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 330 ] وقوله : ("مع ما نال من أجر أو غنيمة " ) إنما أدخل (أو ) هنا ; لأنه قد يرجع مرة بالأجر وحده ومرة به والغنيمة جميعا ، فأدخل (أو ) ليدل على اختلاف الحالين ، لا أنه يرجع بغنيمة دون أجر بل أبدا يرجع بالأجر كانت غنيمة أو لم تكن ، نبه عليه ابن بطال .

                                                                                                                                                                                                                              وحكى ابن التين والقرطبي أن (أو ) هنا بمعنى الواو الجامعة على مذهب الكوفيين ، وقد سقطت في أبي داود وفي بعض روايات مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب بعضهم إلى أنها على بابها وليست بمعنى الواو ، أي : أجر لمن لم يغنم أو غنيمة ولا أجر ، وليس صحيح لحديث عبد الله بن عمرو : "ما من غازية تغزو ويصيبوا ويغنموا إلا تعجلوا ثلثي أجرهم ويبقى الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم " أخرجه مسلم ، وهو نص في حصول المجموع بالوجه الأول .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن أبي صفرة : تفاضلهم بالأجر وتساويهم في الغنيمة دليل قاطع أن الأجر يستحقونه (بنياتهم ) ، فيكون أجر كل واحد على قدر عنائه ، وأن الغنيمة لا يستحقونها بذلك لكن بتفضل الله عليهم ورحمته لهم ; لما رأى من ضعفهم فلم يكن لأحد فضل على غيره إلا أن يكون يفضله قاسم الغنيمة فينفله من رأسها ، كما نفل أبا قتادة ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 331 ] أو من الخمس كما نفلهم في حديث ابن عمر ، والله يؤتي (فضله ) من يشاء ، وإدخاله الجنة يحتمل أن يدخلها إثر وفاته تخصيصا للشهيد أو بعد البعث ، ويكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع خطايا المجاهد ولا يوزن مع حسناته ، ذكره ابن التين .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : فضل العزلة والانفراد عن الناس والفرار عنهم ولا سيما في زمن الفتن وفساد الناس ، وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال ; لأنها في الأغلب مواضع الخلوة والانفراد ، فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى كالمساجد والبيوت ، وقد قال عقبة بن عامر : ما النجاة يا رسول الله ؟ قال : "أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك " .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية