الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2672 2827 - حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا الزهري قال : أخبرني عنبسة بن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بعد ما افتتحوها ، فقلت : يا رسول الله ، أسهم لي . فقال بعض بني سعيد بن العاص : لا تسهم له يا رسول الله . فقال أبو هريرة : هذا قاتل ابن قوقل . فقال ابن سعيد بن العاص : واعجبا لوبر تدلى علينا من قدوم ضأن ، ينعى علي قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه . قال : فلا أدري أسهم له أم لم يسهم له . [4237 ، 4238 ، 4239 - فتح: 6 \ 39]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              قال سفيان : وحدثنيه السعيدي ، عن جده ، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله : السعيدي عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص .

                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديثه أيضا قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بعد ما افتتحها ، فقلت : يا رسول الله ، أسهم لي . فقال بعض بني سعيد بن العاصي : لا تسهم له يا رسول الله . فقال أبو هريرة : هذا قاتل ابن قوقل . فقال

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 440 ] ابن سعيد بن العاصي : واعجبا لوبر تدلى علينا من قدوم ضأن ، ينعى علي قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه . قال : فلا أدري أسهم له أم لم يسهم له .


                                                                                                                                                                                                                              قال سفيان : وحدثنيه السعيدي ، عن جده ، عن أبي هريرة .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبد الله : السعيدي هو : عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو ابن سعيد بن العاص .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الأول : أخرجه مسلم ; والثاني : من أفراده .

                                                                                                                                                                                                                              وللنسائي في الأول "يعجب من رجلين " ، وذكره أبو داود وقال : لم يسهم له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر أنه أبان بن سعيد بن العاصي .

                                                                                                                                                                                                                              وخرج البخاري الثاني في المغازي عاليا عن موسى ، عن عمرو بن يحيى بن سعيد ، عن جده .

                                                                                                                                                                                                                              ولأبي داود : أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث أبان وسعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد ، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر بعد أن فتحها ; فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو هريرة : فقلت لا تقسم لهم يا رسول الله فقال : (أبان ) : أنت (بها ) يا وبر تحدر علينا من رأس (ضأل ) ; فقال - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 441 ] "اجلس يا أبان " ولم يقسم لهم
                                                                                                                                                                                                                              ، وفي لفظ فقال سعيد بن العاصي : يا عجبا لوبر .

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطيب : كذا عند أبي داود فقال سعيد : وإنما هو ابن سعيد ، واسمه أبان . قال : والصحيح أن أبا هريرة هو السائل كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ويجوز أن يكونا سألا جميعا ، وأن أحدهما جاز الآخر بقوله : لا تقسم له .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك ; فالكلام على ما أوردناه من وجوه بعد أن يعلم أن ترجمة الباب صحيحة ، ومعناها عند العلماء : أن القاتل الأول كان كافرا وتوبته إسلامه :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها :

                                                                                                                                                                                                                              (الضحك ) مفسر برواية النسائي السالفة "يعجب من رجلين " ونقل ابن الجوزي عن أكثر السلف أنهم كانوا يمنعون من تفسير مثل هذا ويمرونه كما جاء ، قال : وينبغي أن تراعى قاعدة في هذا قبل الإمرار وهي : أنه لا يجوز أن يحدث لله صفة ولا تشبه صفاته صفات الخلق فيكون والعياذ بالله معنى إمرار الحديث الجهل بتفسيره .

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي : الضحك الذي يعتري البشر عندما يستخفهم الفرح ، أو يستفزهم الطرب غير جائز على الله تعالى ، وإنما هو مثل مضروب لهذا الصنيع الذي يحل محل التعجب عند البشر ، فإذا رأوه أضحكهم ، ومعنى الضحك في صفة الله : الإخبار عن الرضا بفعل أحد هذين والقبول من الآخر ومجازاتهما (على صنيعهما ) الجنة مع تباين

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 442 ] مقاصدهما .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حبان في "صحيحه " : يريد أضحك الله ملائكته وعجبهم من وجود ما قضى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فورك : أن يبدي الله من فضله ونعمه توفيقا لهذين الرجلين كما تقول العرب : ضحكت الأرض بالنبات إذا ظهر فيها ، وكذلك قالوا للطلع إذا انفتق عنه كافره الضحك ; لأجل أن ذلك يبدو منه البياض الظاهر كبياض الثغر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : أراد قبول أعمالهما ورحمتهما والرضا عنهما . وكذا قال ابن بطال : المعنى : يتلقاهما بالرحمة والرضوان ، والضحك منه على المجاز ; لأنه لا يكون منه تعالى على ما يكون من البشر ; لأنه ليس كمثله شيء .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها :

                                                                                                                                                                                                                              فيه : أن الرجل قد يوبخ مما سلف إلا أن يتوب فلا توبيخ عليه ، ولا تثريب ألا ترى أن أبا هريرة لما وبخ ابن سعيد على قتل ابن قوقل كيف رد عليه أقبح الرد ، وصارت له عليه الحجة كما صارت لآدم على موسى ; من أجل أنهما وبخا بعد التوبة من الذنب .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن التوبة تمحو ما سلف قبلها من الذنوب القتل وغيره ; لقوله : (أكرمه الله على يدي ولم يهني على يديه ) لأن ابن قوقل

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 443 ] وجبت له الجنة بقتل ابن سعيد له ، ولم تجب لابن سعيد النار ; لأنه تاب وأسلم ، ويصحح ذلك سكوته - صلى الله عليه وسلم - على قوله ، ولو كان غير صحيح لما لزمه السكوت ، لأنه بعث للبيان .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن الجوزي : وقوله : (قاتل ابن قوقل ) بقافين لا أدري من يعني قال العباس بن عبادة والنعمان بن مالك بن ثعلبة ، وهو قوقل قتلهما صفوان بن أمية .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : قوله : (ابن ) قوقل ليس كذلك ، إنما قوقل اسمه غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج كذا ذكره الكلبي وأبو عبيد وابن دريد وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها :

                                                                                                                                                                                                                              (الوبر ) بإسكان الباء قال صاحب "المطالع " : كذا لأكثر الرواة ، وهي دويبة غبراء ، ويقال بيضاء ، على قدر السنور ، حسنة العينين من دواب الجبال ، وإنما قال له ذلك احتقارا به ونسبة إلى قلة المقدرة على القتال ، وضبطه بعضهم بفتح الباء وتأوله ، وهو جمع وبرة ، وهو شعر الإبل ، أي : إن شأنه كشأن الوبرة ; لأنه لم يكن لأبي هريرة عشيرة .

                                                                                                                                                                                                                              قال القزاز : هي ساكنة الباء دويبة أصغر من السنور طحلاء اللون ، يعني : تشبه الطحال لا ذنب لها ، وهي من دواب الغور والجمع وبار ، وعن الخطابي أحسب أنها تؤكل لأني وجدت بعض السلف يوجب فيها الفدية .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 444 ] وقال ابن سيده في "محكمه " : الوبر على قدر السنور ، والأنثى وبرة ، والجمع وبر . ووبور ووبار ، ووبارة ، وأبارة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري : (تدجن ) في البيوت . أي : تقيم بها وتألفها .

                                                                                                                                                                                                                              وثالثها : وقال أبو موسى المديني في "مغيثه " : في قتلها على المحرم شاة ; لأنها تجتر كالشاة ، وقيل : لأن لها كرشا مثل الشاة ، وقال مجاهد فيما حكاه في "مجمع الغرائب " مثله ، وفي "البارع " لأبي علي ، عن أبي حاتم : الطائفيون يقولون لما يكون في الجبال من الحشرات : الوبر ، جمعها الوبارة ، ولغة أخرى الوبارة ، وأخرى الإبارة بالكسر والهمز .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن دحية في "مرج البحرين " : وكلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان - بسكون الباء وهي دويبة كالسنور ، ووهم الجواليقي حيث فتح (الواو ) .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لكن وافق النسابين وأهل اللغة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : روي رأس بدل قدوم قال : ومن روى بفتح الباء من وبر فمعناه تشبيه أبي هريرة بالوبر الذي لا خطب له ولا مقدار ; لأنه لم يكن لأبي هريرة عشيرة ولا قوم يمتنع بهم ، ولا يغني في قتال ولا لقاء عدو ، كان ابن سعيد وأبو هريرة قدما عليه بخيبر ، وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 445 ] ومن رواه بإسكانها فمعناه أنه شبهه بالوبر وهي دويبة على قدر السنور في السباع ; وإنما سكت - صلى الله عليه وسلم - عن الإنكار على أبي سعيد ; لأنه لم يرم أبا هريرة بحد ولا تنقصه في دين ، إنما تنقصه في قلة العشيرة والقدر ، أو بضعف (المنة ) ، وجمع الخلاف ابن التين فقال : الوبر دويبة يقال : إنها تشبه السنور قاله الخطابي . وقال الهروي : على قدره ، وقال ابن فارس : الوبر دابة ، والجمع وبار .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (تدلى علينا ) أي : انحدر ولا يخبر بهذا إلا عمن جاء من موضع عال هذا الأشهر عند العرب .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو ذر الهروي : (ضأن ) : جبل بأرض دوس ، وهو بلد أبي هريرة ، وقال ابن التين : شبهه في قدومه بتدلي الوبر من موضعه ، قال : و (قدوم ضأن ) : اسم موضع . قال الخطابي : وهو في أكثر الروايات ضأل باللام ، وهو جبل أو ثنية أو نحوها ، وذكر عن الشيخ أبي الحسن أنه قال : شبهه مما يعلق -بزند الشاة - أي : هو ملصق من قريش وليس منهم ، ويلزم على هذا أن تقرأ (وبر ) بفتح الباء ولم نسمعه كذلك ، إنما هو بالإسكان . قلت : قد حكي كما سلف ، وقال صاحب "المطالع " : هو بفتح القاف وتخفيف الدال اسم موضع ، وضم المروزي القاف ، والأول أكثر وتأوله بعضهم : قدوم ضأن أي : المتقدم فيها ، وهي رءوسها ، وهو وهم بين .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 446 ] وقال ابن بطال : يحتمل أن يكون قدوم : جمع قادم مثل راكع وركوع وساجد وسجود ، ذكر ذلك سيبويه ، فيكون المعنى تدلى (علينا ) من جملة القوم القادمين ، أقام الصفة مقام الموصوف ، ويكون (من ) في قوله : (من قدوم ) تبيينا للجنس كما لو قال تدلى من علينا من ساكني ضأن ، ولا تكون من مرتبطة بتدلى كما هي مرتبطة بالفعل في قولك : تدليت من الجبل ; لاستحالة تدليه من قوم ، ولا يقال : تدليت من بني فلان .

                                                                                                                                                                                                                              ويحتمل أن يكون قدوم مصدرا وصف به الفاعلون ويكون في الكلام حذف وتقديره : تدلى علينا من ذوي قدوم ، فحذف الموصوف وأقام المصدر مقامه ، كما قالوا رجل صوم ورجل فطر ، أي ذو صوم وذو فطر ، و (من ) على هذا التقدير تبيين للجنس كما كانت في الوجه الأول قال : ويحتمل أن يكون معناه تدلى علينا من مكان قدوم ضأن ثم حذف المكان وأقام القدوم مكانه ، كما قالت العرب : ذهب به مذهب وسلك به مسلك ، يريد المكان الذي يسلك فيه ويذهب ، ويشهد لهذا رواية من رأس ضأن .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه قول يحتمل أن يكون (قدوم ) اسما لمكان من الجبل متقدم منه ولا يكون مصدرا ولا جمعا ويدل على هذا رواية من روى : (تدلى علينا من رأس ضأن ) .

                                                                                                                                                                                                                              ويحتمل أن يكون (اسم ) المكان قدوم بفتح القاف دون الضم لقلة الضم في هذا البناء في الأسماء وكثرة الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 447 ] ويحتمل أن يكون (قدوم ضأن ) بتشديد الدال ، وفتح القاف لو ساعدته رواية ; لأنه من بناء أسماء المواضع ، وطرف القدوم موضع بالشام .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : الحازمي ضبط القرية التي اختتن بها إبراهيم والجبل الذي بقرب المدينة بتخفيف الدال ، ثم ذكر عن ثعلب أنه قال : بتشديد الدال اسم موضع فإن أراد أحد هذين فلا يتابع عليه ; لاتفاق أئمة النقل على خلافه ، وإن أراد موضعا ثالثا فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو موسى في "مغيثه " عن ابن دريد : (قدوم ) ثنية لسراة أرض دوس ، وقال أبو عبيد : رواه الناس عن البخاري ضأن بالنون إلا الهمداني فإنه رواه باللام ، وهو الصواب إن شاء الله ، والضأل : السدر البري .

                                                                                                                                                                                                                              وأما إضافة هذه الثنية إلى الضأن فلا أعلم لها معنى ، وقد قدمنا من عند أبي داود أنه باللام ، وقال ابن الجوزي : كذا هو في أكثر الروايات ، وزعم أبو ذر الهروي أنه بالنون جبل بأرض دوس ، بلد أبي هريرة ، وقيل : ثنية .

                                                                                                                                                                                                                              قال صاحب "المطالع " : وتأوله بعضهم على أنه الضأن من الغنم ، وجعل قدومها ، أي : رءوسها -يعني : المتقدم منها - ، والوبر بفتح (الباء ) : شعر رءوسها . قال : وهذا تكلف وتحريف . فتحصلنا إسكان الباء وفتحها وضأن بالنون واللام ، وقدوم بفتح القاف وضمها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 448 ] رابعها :

                                                                                                                                                                                                                              فيه حجة على الكوفيين في قولهم في المدد يلحق بالجيش في أرض الحرب بعد الغنيمة أنهم شركاؤهم في الغنيمة . وسائر الفقهاء إنما تجب عندهم الغنيمة لمن شهد الوقعة ، واحتجوا بحديث أبي هريرة هذا ; لأنه لم يسهم له ، كما أخرجه أبو داود كما سلف ، وأبو حنيفة إنما يسهم لمن غاب عن الوقعة لشغل شغله الإمام من أمور المسلمين ، كما فعل بعثمان حين قسم له من غنائم بدر بسهمه ولم يحضرها ; لأنه كان غائبا في حاجة الله ورسوله فكان كمن حضرها ، أو مثل أن يبعثه الإمام لقتال قوم آخرين فتصيب الإمام غنيمة بعد مفارقة ذلك الرجل إياه ، أو يبعث رجلا ممن معه في دار الحرب إلى دار الإسلام ; ليمده بسلاح ورجال فلا يعود ذلك الرجل إلى الإمام حتى يغتنم غنيمة فهو شريك فيها ، وهو كمن حضرها ، وكذلك من أراد الغزو فرده الإمام ، وشغله شيء من أمور المسلمين فهو كمن حضرها .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : وأما حديث أبي هريرة فإنما ذلك والله أعلم ; لأنه وجه أبان إلى نجد قبل أن يتهيأ خروجه إلى خيبر ، فتوجه أبان ثم حدث خروجه إليها فكان ما غاب فيه أبان ليس هو شغل شغل به عن حضورها بغير إرادته إياها ، فيكون كمن حضرها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الكوفيون : لا حجة في حديث أبي هريرة ; لأن خيبر حين فتحت سارت دار إسلام ، وهذا لا شك فيه ، قالوا : وقد روى حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن أبي هريرة قال : ما شهدت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغنما إلا قسم لي ، إلا خيبر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 449 ] فإنها كانت لأهل الحديبية خاصة شهدوها أو لم يشهدوها ; لأن الله تعالى كان وعدهم بها بقوله : وأخرى لم تقدروا عليها [الفتح : 21]


                                                                                                                                                                                                                              واحتجوا بما رواه أبو أسامة ، عن بريد ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، عن أبي موسى قال : قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع جعفر من أرض الحبشة بعد فتح خيبر بثلاث ، فقسم لنا ، ولم يقسم لأحد لم يشهد فتحها غيرنا ، قال الطحاوي : وهذا يحتمل أن يكون ; لأنهم كانوا من أهل الحديبية ، أو يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة ، وعلى قوله لا حجة لأصحابهم في حديث أبي موسى ، وسيأتي قريبا تمام هذه المسألة في باب : إذا بعث الإمام رسولا في حاجة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (ينعى علي قتل رجل مسلم ) : أي يعيبني ويوبخني .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (أكرمه الله على يدي ) يعني : للشهادة و (لم يهني على يديه ) يعني : لم يقدر موتي بقتله إياي كافرا فأدخل النار .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (قال : فلا أدري أسهم له ، أو لم يسهم له ) هو من قول عنبسة ، أو من دونه إلى شيخ البخاري ، قاله ابن التين .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية