الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              270 [ ص: 601 ] 16 - باب: من توضأ في الجنابة، ثم غسل سائر جسده، ولم يعد غسل مواضع الوضوء مرة أخرى

                                                                                                                                                                                                                              274 - حدثنا يوسف بن عيسى قال: أخبرنا الفضل بن موسى قال: أخبرنا الأعمش، عن سالم، عن كريب - مولى ابن عباس- عن ابن عباس، عن ميمونة قالت: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءا لجنابة، فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثا، ثم غسل فرجه، ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين -أو ثلاثا- ثم مضمض واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض على رأسه الماء، ثم غسل جسده، ثم تنحى فغسل رجليه. قالت: فأتيته بخرقة، فلم يردها، فجعل ينفض بيده. [انظر: 249 - مسلم: 317 - فتح: 1 \ 382]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث ميمونة قالت: وضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للجنابة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث. وقد سلف أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              والكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              الفضل (ع) بن موسى المذكور في إسناده هو السيناني. مات سنة اثنتين وتسعين ومائة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 602 ] وشيخ البخاري فيه يوسف (خ. م. ت. س) بن عيسى هو الزهري المروزي، مات سنة تسع وأربعين ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              قال الإسماعيلي: بين زائدة أن قوله: (للجنابة) من قول سالم الراوي عن كريب، لا من قول ابن عباس، ولا من قول ميمونة. وفي حديث زائدة زيادة ذكر: سترته حتى اغتسل.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              كيف تستفاد الترجمة من الحديث، وإنما قالت بعد غسل وجهه وذراعيه: (ثم أفاض على رأسه، ثم غسل جسده). فدخل في قولها: (ثم غسل جسده)، الأعضاء التي تقدم عليها; لأنها من جملة الجسد.

                                                                                                                                                                                                                              ووجه استفادتها مع بعده لغة واحتماله عرفا أنه لم يذكر إعادة غسلها، وذكر الجسد بعد ذكر الأعضاء المعينة يفهم عرفا بقيته لا جملة، وظن الشارح -أعني: ابن بطال- أن لفظ الحديث في الطريق المتقدمة على الترجمة أبعد بهذه الترجمة، فإنها قالت فيه: ثم غسل سائر جسده. أي: باقيه. إلا أن يؤول سائر بمعنى: جميع.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              لما نقل ابن بطال الإجماع على سنية الوضوء في غسل الجنابة، شرع يستنبط منه، فقال: لما ناب غسل مواضع الوضوء وهي سنة في الجنابة عن غسلها في الجنابة، وغسل الجنابة فريضة، صح بذلك [ ص: 603 ] قول أشهب وجماعة عن مالك أن غسل الجمعة يجزئه عن الجنابة، وهو خلاف رواية ابن القاسم.

                                                                                                                                                                                                                              ووجهه المهلب: بأن الشارع لما اجتزأ بغسل أعضاء الوضوء عن أن يغسلها مرة أخرى عن الجنابة دل أن الطهارة إذا نوي بها رفع الحدث أجزأت عن كل معنى يراد به الاستباحة.

                                                                                                                                                                                                                              ولهذا الحديث - والله أعلم- قال عطاء: إذا غسلت كفي قبل إدخالهما الإناء لم أغسلهما مع الذراعين في الوضوء.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وفي هذا الحديث أيضا حجة لأحد قولي مالك في رجل توضأ للظهر وصلى، وأراد أن يجدد الوضوء للعصر، فلما صلاها تذكر أن الوضوء الأول قد انتقض، فقال مالك: تجزئه صلاته. وهو الصواب; لأن الوضوء عنده للسنن يجزئ به صلوات الفرائض، وقال مرة: لا يجزئه.

                                                                                                                                                                                                                              ومثل هذه المسألة اختلاف ابن القاسم وابن الماجشون فيمن صلى في بيته، ثم صلى تلك الصلاة في المسجد، فذكر أنه كان في الأولى على غير وضوء، فقال ابن القاسم: يجزئه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الماجشون: لا يجزئه. والصواب الأول، بدليل هذا الحديث; لأنه وإن كان صلاها على طريق الفضيلة فإنه نوى بها تلك الصلاة بعينها، والقربة إلى الله تعالى بتأديتها، كما نوى بغسل مواضع الوضوء القربة إلى الله تعالى، ولم يحتج إلى إعادتها في الغسل من الجنابة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 604 ] وقد قال ابن عمر للذي سأله عن الذي يصلي في بيته، ثم يصليها في المسجد، أيهما أجعل صلاتي؟ قال: أوذاك إليك؟! ذاك إلى الله تعالى يجعل أيتهما شاء.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية