الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              277 281 - حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا سفيان، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس، عن ميمونة قالت: سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة، فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح بيده على الحائط -أو الأرض- ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحى فغسل قدميه. تابعه أبو عوانة وابن فضيل في الستر. [انظر: 249 - مسلم: 317 ، 337 - فتح: 1 \ 387]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي النضر -مولى عمر بن عبيد الله- أن أبا مرة -مولى أم هانئ بنت أبي طالب- أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة تستره، فقال: "من هذه؟". فقلت: أنا أم هانئ.

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجهين:

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري في أربعة مواضع أخر في صلاة التطوع في السفر، وفي الأدب، والجزية، والمغازي،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 637 ] واختصره هنا وطوله في غيره.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم في الطهارة والصلاة، وأخرجه أبو داود والترمذي في الصلاة والاستئذان وصححه.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              (أم) هانئ، بالهمز في آخره، واسمها فاختة أو هند أو فاطمة أو عاتكة أو جمانة أو رملة، أقوال أشهرها أولها، أسلمت عام الفتح.

                                                                                                                                                                                                                              وأبو مرة (ع) مولاها اسمه يزيد.

                                                                                                                                                                                                                              وأبو النضر (ع) اسمه سالم بن أمية، مدني مشهور، وباقي الإسناد سلف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 638 ] ثم قال البخاري: حدثنا عبدان. وساق حديث ميمونة، وفيه: سترت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل من الجنابة.. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال: تابعه أبو عوانة وابن فضيل في الستر.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف كل ذلك أول الغسل.

                                                                                                                                                                                                                              والإجماع قائم على وجوب ستر العورة عن أعين الناظرين، وأصل هذين الحديثين ومصداقهما في كتاب الله تعالى، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات الآية [النور: 58]، ثم قال تعالى: ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح [النور: 58] فالجناح إذا غير مرفوع عنهن.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ثلاث عورات لكم أي: إن هذه الأوقات أكثر ما يخلو فيها الرجل بأهله للجماع، وتحظير ذلك على الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا جرت عليهم الأقلام، يدل على أنه أوجب على غيرهم من الرجال والنساء التستر الذي أراده الله تعالى، وقد قال تعالى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم [الأعراف: 26] فعد علينا نعمته في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 639 ] وقال تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم [النور: 30] فقرن غض الأبصار عن العورات بحفظ الفروج. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يطوف بالبيت عريان".

                                                                                                                                                                                                                              فكما لا يحل لأحد أن يبدي عن فرجه لأحد من غير ضرورة مضطرة له إلى ذلك، فكذلك لا يجوز له أن ينظر إلى فرج أحد من غير ضرورة، واتفق أئمة الفتوى -كما نقله ابن بطال- على أن من دخل الحمام بغير مئزر أنه تسقط شهادته بذلك، وهذا قول مالك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه والشافعي.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا إذا نزع مئزره ودخل الحوض، وبدت عورته عند دخوله، فقال مالك والشافعي: تسقط شهادته بذلك أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة والثوري: لا تسقط شهادته بذلك، وهذا يعذر به; لأنه لا يمكن التحرز منه، قال: وأجمع العلماء على أن للرجل أن يرى عورة أهله وترى عورته.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية