الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3005 [ ص: 636 ] 15 - باب: ما يحذر من الغدر

                                                                                                                                                                                                                              وقوله تعالى: وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله إلى قوله: حكيم الآية. [الأنفال: 62].

                                                                                                                                                                                                                              3176 - حدثنا الحميدي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر قال: سمعت بسر بن عبيد الله أنه سمع أبا إدريس قال: سمعت عوف بن مالك قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، وهو في قبة من أدم فقال: "اعدد ستا بين يدى الساعة، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا". [فتح: 6 \ 277 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر فيه حديث عوف بن مالك قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: "اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه أيضا وفي إسناده ابن زبر. بفتح الزاي وبسر بن عبيد الله بضم الباء وإسكان السين المهملة، ورواه الطبراني بإدخال زيد بن واقد بين ابن زبر وبسر، لكن رواه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 637 ] أبو نعيم في "مستخرجه" عن الطبراني بإسقاطه، وكذا الإسماعيلي .

                                                                                                                                                                                                                              و حسبك الله [الأنفال: 62] أي: كافيك.

                                                                                                                                                                                                                              وجميعا: يقع على الجماعة وعلى الاثنين والواحد، قاله الداودي .

                                                                                                                                                                                                                              والموتان - بضم الميم وسكون الواو - قال القزاز : هو الموت، وضبطه غيره بفتح الميم أيضا: موتان الفؤاد إذا كان بليدا. قال ابن الجوزي : ويغلط بعض أصحاب الحديث فيه فيقول: موتان موات بفتح الميم والواو، وحكى اللحياني في "نوادره": وقع في المال موتان وموات.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن درستويه: وهما كثرة الموت والوباء.

                                                                                                                                                                                                                              قال عياض: وضم الميم لغة بني تميم، وغيرهم يفتحها وهو اسم للطاعون، ووقع لابن السكن: (مواتتان) ولا وجه له هنا.

                                                                                                                                                                                                                              و"قعاس الغنم" - بقاف مضمومة، ثم عين مهملة، ثم ألف، ثم صاد مهملة - شيء يأخذها في رءوسها تسيل منه أنوفها، لا يلبسها أن تموت منه، ومنه أخذ الإقعاص وهو: القتل على المكان، وكذلك الدواب، والقعص: موتها بسرعة، وقد قعصت الدابة فهي مقعوصة.

                                                                                                                                                                                                                              قال في "الموعب": هو داء يأخذ في الصدر كأنه يكسر العنق.

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعضهم: هو بالسين من القعس، وهو: انتصاب الصلب وانحناؤه نحو الصدر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 638 ] والهدنة: أصلها السكون. يقال: هدن أهدن، فسمي الصلح على ترك القتال هدنة ومهادنة؛ لأنه سكون عن القتال بعد التحرك فيه.

                                                                                                                                                                                                                              والغاية: الراية كما سيأتي. قال الجواليقي: غاية وراية واحد؛ لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف وإذا مشت تبعها. ورواه بعضهم: غابة - بباء موحدة - وهي: الأجمة، شبه كثرة الرماح بالأجمة، ذكره القاسم بن سلام قال الخطابي : هي (الغيضة) واستعيرت للرايات ترفع لرؤساء الجيوش، وشبه ما يشرع معها من الرماح بالغابة، وحمله على ما ذكره من الحساب مع مائة ألف وستون ألفا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              في الحديث علامات النبوة وأن الغدر من أشراط الساعة، وفي الآية دلالة عصمة الشارع من مكر الخديعة طول أيامه وليس ذلك لغيره؛ لقوله والله يعصمك من الناس [المائدة: 67] وقام الإجماع على عصمته في الرسالة، وقد عصم من مكر الناس وغدرهم له، وهذه العلامات الذي أنذر بها قد ظهر كثير منها، والفتنة لم تزل في زمن عثمان - أعاذنا الله منها - وقد دعا - عليه السلام - أن لا يجعل بأس أمته بينهم" فمنعها، فلم يزل الهرج إلى يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 639 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (وهو في قبة من أدم). جاء في أبي داود: قال عوف: يا رسول الله، أدخل كلي قال: "كلك" قال عثمان بن أبي العاتكة، إنما قال: أدخل كلي من صغر القبة، وفي رواية عن عوف: وفسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة بمدينة يقال لها: دمشق.

                                                                                                                                                                                                                              وفي أبي داود أيضا من حديث ذي مخبر بيان سبب غدرهم، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ستصالحون الروم صلحا آمنا، ثم تغزون أنتم وقد غزوا، فتنصرون وتغنمون، ثم تنصرفون حتى تنزلوا مرج ذي تلول، فيرفع رجل من (أهل) الصليب الصليب، فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفعه، فعند ذلك تغدر الروم، ويجتمعون للملحمة فيأتون تحت ثمانين (راية) تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فيثور المسلمون إلى أسلحتهم فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة" وعن ابن بسر مرفوعا: "بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين، ويخرج الدجال في السابعة".

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو داود: وهو أصح، يعني: من حديث معاذ مرفوعا:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 640 ] "الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر".

                                                                                                                                                                                                                              ولابن دحية من حديث حذيفة مرفوعا: "إن الله تعالى يرسل ملك الروم، وهو الخامس من آل هرقل يقال له: ضمارة، فيرغب إلى المهدي في الصلح، وذلك لظهور المسلمين على المشركين، فيصالحه إلى سبعة أعوام، فيضع عليهم الجزية عن يد وهم صاغرون، ولا يبقي لرومي حرمة، ويكسر لهم الصليب، ثم يرجع المسلمون إلى دمشق، فإذا هم كذلك إذا برجل من الروم قد التفت فرأى أبناء الروم وبناتهم في القيود، فرفع الصليب ورفع صوته، وقال: ألا من كان يعبد الصليب فلينصره، فيقوم إليه رجل من المسلمين فيكسر الصليب، ويقول: الله أغلب وأعز، فحينئذ يغدرون، وهم أولى بالغدر، يجتمع عند ذلك ملوك الروم خفية، فيأتون إلى بلاد المسلمين وهم على غفلة مقيمون على الصلح، فيأتون إلى أنطاكية في اثني عشر ألف راية، تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فعند ذلك يبعث المهدي إلى أهل الشام والحجاز واليمن والكوفة والبصرة والعراق يستنصر بهم، فيبعث إليه أهل الشرق أنه قد جاءنا عدو من خراسان شغلنا عنك، فيأتي إليه بعض أهل الكوفة والبصرة، فيخرج بهم إلى دمشق، وقد مكث الروم فيها أربعين يوما يفسدون ويقتلون، فينزل الله صبره على المسلمين..." الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 641 ] وعند ابن مرجان بإسناد فيه ضعف عن حذيفة مرفوعا: "إن دون أن تضع الحرب أوزارها خلالا ستا: أولها: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم فئتان دعواهما واحدة يقتل بعضهم بعضا، ثم يفيض المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيسخطها، وموت كقعاص الغنم، وغلام من بني الأصفر ينبت في اليوم كنبات الشهر، وفي الشهر كنبات السنة" قال - عليه السلام - : "فيرغب فيه قومه فيملكونه ويقولون: نرجو أن يرد بك علينا ملكنا..." الحديث.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية