الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3014 [ ص: 658 ] 31 - باب: طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لها ثمن

                                                                                                                                                                                                                              3185 - حدثنا عبدان بن عثمان قال: أخبرني أبي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساجد وحوله ناس من قريش من المشركين إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة - عليها السلام - فأخذت من ظهره، ودعت على من صنع ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اللهم عليك الملأ من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف - أو أبي بن خلف ". فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر، فألقوا في بئر، غير أمية - أو أبي - فإنه كان رجلا ضخما، فلما جروه تقطعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر. [انظر: 240 - مسلم: 1794 - فتح: 6 \ 282]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عبد الله بن مسعود السالف في الطهارة بفوائده.

                                                                                                                                                                                                                              وفي طرح جيفهم في البئر دلالة على جواز المثلة بهم إذا ماتوا، فإنهم جرروا أمية بن خلف - أو أبيا - كما في البخاري، والصحيح أمية.

                                                                                                                                                                                                                              وأما أبي فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم أحد.

                                                                                                                                                                                                                              حتى تقطعت أوصاله، وهذا يدل على أن نهيه عن المثلة إنما هو في الأحياء، قاله ابن بطال، قال: والبئر التي ألقوا فيها يحتمل أن تكون للمشركين، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - إفسادها عليهم أو لا يكون لأحد عليها ملك، فكانت معطلة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ولا يؤخذ لها ثمن) أي: لا يجوز أخذ الفداء فيها من

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 659 ] المشركين، إذ كان أصحاب القليب رؤساء مشركي مكة، ولو مكن أهلهم من إخراجهم من البئر ودفنهم لبذلوا في ذلك كثير المال. وإنما لا يجوز أخذ الثمن فيها؛ لأنها ميتة لا يجوز تملكها ولا أخذ عوض عنها.

                                                                                                                                                                                                                              وقد حرم الشارع ثمنها وثمن الأصنام في حديث جابر.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الترمذي من حديث ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن هشيم، عن ابن عباس : أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى - عليه السلام - أن يبيعهم إياه. قال: وقد رواه أيضا الحجاج بن أرطأة، عن الحكم.

                                                                                                                                                                                                                              قال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى. وقال البخاري : هو صدوق، ولكن لا نعرف صحيح حديثه من سقيمه.

                                                                                                                                                                                                                              قال الترمذي : إنما يهم في الإسناد. وقال الثوري : فقهاؤنا: ابن أبي ليلى وابن شبرمة.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ( ابن إسحاق ) قال: لما كان يوم الخندق اقتحم نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي، فتورط فيه فقتل، فغلب المسلمون على جسده، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيعهم جسده، فقال: "لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنهم" فخلى بينهم وبينه.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن هشام: أعطوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جسده عشرة آلاف درهم فيما بلغنا عن الزهري .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 660 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              فيه: جواز ستر عورات المشركين وطرحهم في الآبار المعطلة، وهو من باب ستر الأذى ومواراة السوءة والعورة الظاهرة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: مواراة جيفة كل ميت من بني آدم عن العيون ما وجد السبيل إلى ذلك ولو كافرا؛ لأمره - عليه السلام - أن يجعلوا في قليب بدر، ولم يتركهم مطرحين بالعراء، فالحق الاستنان به فيمن أصابه في معركة الحرب أو غيرها من المشركين، فيوارون جيفته إن لم يكن لهم مانع من ذلك ولا شيء يعجلهم عنه من خوف كثرة عدو.

                                                                                                                                                                                                                              وإذا كان ذلك من سننه في مشركي أهل الحرب، فالذمي أولى إذا مات ولا أحد من أوليائه وأهل بيته بحضرته، وحضرة أهل الإسلام أولى أن تكون السنة فيهم سنته في أهل بدر في أن يواروا جيفته ويدفنوه.

                                                                                                                                                                                                                              وقد أمر الشارع عليا في أبيه أبي طالب إذ مات فقال: "اذهب فواره" فإن لم يفعلوا ذلك لشاغل أو مانع لهم من ذلك لم أرهم حرجين بترك ذلك؛ لأن أكثر مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي كان فيها القتال لم يذكر عنه من ذلك ما ذكر عنه يوم بدر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 661 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور، فقذفه على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد). عقبة هذا قتل يوم بدر صبرا وحده.

                                                                                                                                                                                                                              قال: أقتل من بين هؤلاء؟ قال: "نعم" قال: بم؟ قال: "بافترائك على الله وكفرك" قال: فمن للصبية؟ قال: "النار". ولم يكن من أنفس قريش وإنما كان ملصقا فيهم، وكان من أشد الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قاله الداودي : وتعقبه ابن التين فقال: ظاهر قوله - عليه السلام - : "عليك الملأ من قريش" أنه من أشرافهم؛ لأن الملأ: الأشراف، إلا أن يريد أكثر من ذكر.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية