الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3436 26 - باب: قول الله تعالى: يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون [البقرة: 146]

                                                                                                                                                                                                                              3635 - حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك بن أنس، عن نافع، عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أن اليهود جاءوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: " ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟". فقالوا: نفضحهم ويجلدون. فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها. فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك. فرفع يده فإذا فيها آية الرجم. فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم. فأمر بهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرجما. قال عبد الله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة. [انظر: 1329- مسلم: 1699- فتح: 6 \ 631]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عمر- رضي الله عنهما- أن اليهود جاءوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟.. ". الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              الرجل لا يحضرني اسمه والمرأة اسمها بسرة.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى (نفضحهم): نكشف مساوئهم، والاسم الفضيحة والفضوح.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية: نسود وجوههما ونحممها ونخالف بين وجوههما،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 216 ] ويطاف بهما.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية للبخاري: نسخم وجوههما ونخزيهما. وفي أكثر نسخ مسلم: نحملهما بدل: نحممهما وهو أصوب، وروي بالجيم.

                                                                                                                                                                                                                              وعبد الله بن سلام مخفف اللام وجده الحارث إسرائيل من بني قينقاع، وهو من ولد يوسف الصديق، وكان اسمه في الجاهلية الحصين فغير، وكان حليف الأنصار، مات سنة ثلاث وأربعين في ولاية معاوية بالمدينة، شهد له الشارع بالجنة.

                                                                                                                                                                                                                              والواضع يده على آية الرجم هو عبد الرحمن بن صوريا الأعور. وقال ابن المنذر: إنه ابن صوري. وقيده بعضهم بكسر الصاد.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة) هو بجيم ثم نون، ثم ألف مهموزة ويروى بياء مثناة تحت بدلها وبضم أوله، وذكرت في "شرح العمدة" فيه سبع روايات، وكلها راجعة إلى الوقاية، منها: الحاء المهملة بضم الياء وفتحها. ومنها الباء الموحدة بدل النون، وصوب الدارقطني الإهمال، وكما ذكر ابن التين عن الخطابي أن المحفوظ بالجيم والهمز. أي: يكب عليها، يقال: جنأ يجنؤ جنوءا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 217 ] وعن ابن فارس: حنوت الشيء عطفته. عندي أنه ليس من هذين; لأن جنى: يجني يكتب مستقبله بالألف، وليس هو كذلك في الأصل. قلت بل هو الأصح في الأصول، وحنوت أحنو مستقبله بالواو، وليس هو كذلك في الأمهات. وقال ابن فارس: (انحنى الرجل ينحني) ولم يهمزه.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه من الفوائد: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وهو الصحيح، وأنهم إذا تحاكموا إلينا نحكم شرعنا; لأنه- عليه السلام- رجمهما، وأن أنكحتهم صحيحة; لأنه لا رجم إلا على المحصن.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن الإسلام ليس شرطا في الإحصان، وهو قول الشافعي خلافا لأبي حنيفة ومالك. واعتذروا بمعتذرات، منها: أن رجمهما لكونهما أهل ذمة، لعله كان قبل النهي عن قتل النساء. ومنها: أنه رجمهما بحكم التوراة، فإنه سألهم ذلك عند قدوم المدينة، وأن آية حد الزنا نزلت بعد ذلك، فبان الحديث منسوخا ويحتاج إلى تحقيق التاريخ. وكانا من أهل العهد.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: أن ابن عمر- رضي الله عنهما- راويه يقول: لا تحصن أنحكة الكفار. وجوابه أن العبرة بما رواه. ومنها: أن يكون رجمهما قبل أن يكون الإحصان من شروط الرجم، وهو دعوى. واحتج به بعض الحنفية على قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض. وجوابه: أنه كان

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 218 ] بإقرارهما. واستدل به بعضهم على أنه لا يحفر للمرأة ولا للرجل، على أنه لو حفر لهما لم يجنأ عليها يقيها الحجارة.

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي في موضعه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية