الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3737 3953 - حدثني محمد بن عبد الله بن حوشب، حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: " اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد". فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك. فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر 45 . [القمر: 45]. [انظر: 2915 - فتح: 7 \ 287]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              قد سلف الكلام على هذه الآية في الباب قبله.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا، لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به; أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو على المشركين فقال: لا نقول كما قال قوم موسى لموسى: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون [المائدة:24] ولكنا

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 26 ] نقاتل عن يمينك وشمالك ومن بين يديك وخلفك. فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرق وجهه وسره.


                                                                                                                                                                                                                              وحديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر: "اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم". فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك. فخرج وهو يقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر .

                                                                                                                                                                                                                              معنى (أشرق): أضاء، وكلامه المذكور أراد به تسكين نفوس صحابته إلى ذلك; إذ هي أول لقائهم العدو وكانوا يرقبون إجابة دعائه فألح في الدعاء; لذلك، فلما رأى الصديق سكن لذلك، وقال له: حسبك أقصر من الدعاء وبشرهم بالنصر، ولا يحل توهم أن الصديق كان أصح يقينا من رسول الله إليك، نبه عليه الخطابي ، ووقع له يوم أحد أيضا أنه قال: "اللهم إن تشأ لا تعبد في الأرض". ذكره أبو نعيم عبيد الله بن الحسن بن أحمد الحراني من حديث أنس في "جمعه بين الصحيحين"، وفي رواية: والله لينصرنك الله، وليبيضن وجهك.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية: بعض مناشدتك ربك فإن ربك منجز لك ما وعدك وفي أخرى: كذاك مناشدتك ربك .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه ثابت في "دلائله " من حديث عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال قاسم بن ثابت في "الدلائل" على ما نقله السهيلي: كذلك قد يراد بهذا الإغراء والأمر بالكف عن الفعل قال ثابت: إنما قال الصديق ذلك رقة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رأى

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 27 ] من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه، فقال له: بعض هذا يا رسول الله، أي: لم تتعب نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر، وكان الصديق رقيق القلب شديد الإشفاق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم نقل السهيلي عن شيخه أبي بكر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في مقام الخوف، وصاحبه في مقام الرجاء .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن الجوزي: ولما رأى ما بأصحابه من الهم ناب عنهم في الدعاء، لعلمه بإجابة دعائه فألح لذلك، وقال غيره: لما رأى الملائكة في القتال، وكذا أصحابه. والجهاد ضربان: بالسيف وبالدعاء، ومن سنة الإمام أن يكون وراء الجيش لا يقاتل معهم، فلم يكن لتستريح نفسه من أحد الجهادين، وفي "مغازي الواقدي" أن عبد الله بن رواحة لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول، أنت أعظم وأعلم بالله من أن أشير عليك، إن الله أعظم من أن تنشد وعده فقال: "يا ابن رواحة: إنما أنشد الله وحده، إن الله لا يخلف الميعاد" .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية