الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3890 4116 - حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع، عن عبد الله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قفل من الغزو، أو الحج، أو العمرة، يبدأ فيكبر ثلاث مرار، ثم يقول: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده" [انظر: 1797- مسلم: 1344 - فتح: 7 \ 406]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              اعلم أنه قد أسلفنا أن بعد أحد حمراء الأسد، ثم سرية أبي سلمة، ثم سرية عبد الله بن أنيس، وبعث الرجيع، وقصة بئر معونة، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع، ثم غزوة بدر الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم الخندق وكانت في شوال سنة خمس، كما قاله ابن إسحاق ، وقال ابن سعد: في ذي القعدة (يوم) الاثنين لثماني ليال مضين منها ، وقال الحاكم: أكثر التواريخ عليه، وقال موسى بن عقبة: في شوال سنة أربع كما سلف، وذكر ابن إسحاق غزوة بني النضير في موضع سنة أربع، وبعدها غزوة ذات الرقاع في سنة أربع في جمادى الأولى، وبعدها بدر الموعد في شعبان سنة أربع وبعدها دومة الجندل في ربيع الأول سنة خمس، وبعدها غزوة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 217 ] الخندق سنة خمس
                                                                                                                                                                                                                              كما ذكرنا، وبعدها غزوة بني لحيان وبعدها غزوة ذي قرد، وبعدها غزوة بني المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة ست .

                                                                                                                                                                                                                              ولما ذكر ابن سعد أنها كانت في ذي القعدة سنة خمس قال: قالوا: لما أجلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني النضير ساروا إلى خيبر، فخرج نفر من أشرافهم إلى مكة شرفها الله، فألبوا قريشا ودعوهم إلى الخروج على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعاهدوهم على قتاله، ثم أتوا غطفان وسليما ففارقوهم على مثل ذلك، فتجمعت قريش بمن تبعهم، فكانوا أربعة آلاف، يقودهم أبو سفيان، ووافقهم بنو سليم بمر الظهران في سبعمائة يقودهم سفيان بن عبد شمس، ومعهم بنو أسد يقودهم طلحة بن خويلد، وخرجت فزارة، يقودها عيينة على ألف بعير، وخرجت أشجع في أربعمائة يقودها مسعود بن رخيلة، وخرجت بنو مرة في أربعمائة يقودها الحارث بن عوف، وقيل: إن الحارث رجع ببني مرة، فلم يشهد الخندق منهم أحد، والأول أثبت، فكان جميع الذين وافوا الخندق عشرة آلاف، وكانوا ثلاثة عساكر، وعلاج الأمر إلى أبي سفيان، فأشار سلمان الفارسي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وكانوا يومئذ ثلاثة آلاف .

                                                                                                                                                                                                                              وقال قتادة فيما ذكره البيهقي: كان المشركون أربعة آلاف -أو ما شاء الله من ذلك- والصحابة فيما بلغنا ألف .

                                                                                                                                                                                                                              وانصرف منه يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من ذي الحجة، وحاصرهم المشركون خمسة عشر ليلة، وقال عروة -فيما ذكره

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 218 ] صاحب "شرف المصطفى"- اجتمعت غطفان على أن لهم نصف عشر خيبر كل عام، وكانت بعد أحد بسنتين، وأقام المشركون على الخندق تسعا وعشرين ليلة، وفي أخرى أربعة وعشرين يوما. وللفسوي: بضع عشرة ليلة وعند موسى: قريبا من عشرين ليلة، ولم يكن فيه قتال إلا ساعة، كان بينهم مراماة بالنبل، فأصيب أكحل سعد -كما سيأتي- فوصف ذلك بأكثر أحواله، فقال: وكفى الله المؤمنين القتال [الأحزاب:25]

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري في الباب سبعة عشر حديثا:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه، وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه.

                                                                                                                                                                                                                              وهو يشد قول موسى بن عقبة أنها سنة أربع; لأن أحدا كانت في السنة الثالثة -كما سلف- وذكره موسى بن عقبة، عن الزهري أيضا كما حكاه البيهقي، ونقل عن قتادة ومالك أيضا ، وهو قول الفسوي في "تاريخه". قال -يعني البيهقي: ويحتمل أن ابن عمر- رضي الله عنهما - كان قد طعن في الرابع عشر يوم أحد، فلم يجزه في القتال حين عرض عليه، واستكمل خمس عشرة بزيادة يوم الخندق، فأجازه، إلا أنه نقل الخمسة عشر ليعلق الحكم بها دون الزيادة، وذهب بعض أهل العلم إلى هذه الرواية الصحيحة، وحمل قول موسى بن عقبة على ظاهره، وأن أبا سفيان خرج لموعد رسول الله

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 219 ] - صلى الله عليه وسلم - في شعبان، ثم انصرف فخرج معدا للقتال في شوال على رأس سنة واحدة من أحد، وذلك يخالف قول الجماعة في قدر المدة بين بدر الآخرة والخندق، وقد روينا عن موسى بن عقبة في تاريخ خروجه - صلى الله عليه وسلم - لموعد أبي سفيان أنه كان في شعبان سنة ثلاث، والخندق في شوال سنة أربع، وروينا عنه في قصة الخندق وأنه قال: فخرج أبو سفيان في آخر السنتين -يعني: من أحد- وقد قال في أحد: إنه كان في شوال سنة ثلاث، فيكون قوله في أحد سنة ثلاث محمولا على الدخول في الثالثة قبل كمالها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في بدر الآخرة، وهو خروجه - صلى الله عليه وسلم - لموعد أبي سفيان: سنة ثلاث، أي: بعد تمام ثلاث سنين - ودخول الرابعة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله في الخندق سنة أربع -أي: بعد تمام أربع سنين- والدخول في الخامسة هذا على قول من زعم أن مبتدأ التأريخ وقع من وقت قدومه - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول، فلم يعدوا ما بقي من تلك السنة، وإنما عدوا مبتدأ التأريخ من المحرم من السنة القابلة، فتكون غزوة بدر في الأولى، وأحد في الثانية، وبدر الأخيرة في الثالثة، والخندق في الرابعة .

                                                                                                                                                                                                                              ثم اعلم أن هذا الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" أيضا، وزاد بعد قوله: (يوم أحد في القتال): قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير وكتب إلى عماله بذلك أن يفرضوا لمن كان في خمس عشرة؟

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 220 ] زاد مسلم: ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال. وفي رواية مسلم: (فاستصغرني) مكان: (لم يجزني) .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي في سير الواقدي: وقد فعل ذلك مع سبعة عشر منهم زيد بن ثابت، ورافع بن خديج . قال البيهقي: ورواه ابن جريج، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر وزاد فيه عند قوله: (فلم يجزني): (ولم يرني بلغت) ثم ساقه بإسناده، ثم قال: قال ابن صاعد: في هذا الحديث حرف غريب وهو قوله (ولم يرني بلغت) . قلت: أخرج هذا الحرف أبو حاتم بن حبان في "صحيحه" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية البيهقي: عرضت عليه يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فلم يجزني في المقاتلة، وعرضت عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في المقاتلة، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني في المقاتلة .

                                                                                                                                                                                                                              والمراد بقوله: (وأنا ابن أربع عشرة) أي: طعنت فيها وبقوله: (وأنا ابن خمس عشرة) أي: استكملتها وزدت عليها، على أن بين أحد والخندق سنتين -على ما سلف- وحكى ابن التين أنه: قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - عرضه يوم بدر، فلم يجزه، وأجازه يوم الخندق.

                                                                                                                                                                                                                              ومذهب الشافعي - رضي الله عنه - أن إمكان البلوغ باستكمال خمس عشرة، عملا بما سلف، وبه قال ابن وهب من المالكية، وعند مالك أنه يقسم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 221 ] لمن أطاق القتال، وإن لم يحلم. ومنعه أبو حنيفة وسحنون أيضا، وقال ابن حبيب منهم: من بلغ خمس عشرة وأنبت وأطاق القتال، أسهم له إذا حضر، ومن كان دون ذلك لم يسهم له حتى يقاتل .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخندق، وهم يحفرون، ونحن ننقل التراب على أكتادنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخره، فاغفر للمهاجرين والأنصار".

                                                                                                                                                                                                                              الكتد -بفتح الكاف وكسر المثناة فوق-: ما بين الكاهل إلى الظهر. والكاهل: الحارك وهو ما بين الكتفين، وفي الحديث: "تميم كاهل مضر وعليها المحمل" ، وذكره ابن التين بلفظ: وهم ينقلون التراب على متونهم ثم قال: المتن مكتنف الصلب من العصب واللحم، وهذه اللفظة سلفت في الجهاد، في باب حفر الخندق لكن من حديث أنس .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي إسحاق -وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن الفزاري- عن حميد سمعت أنسا - رضي الله عنه - يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 222 ] غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال:


                                                                                                                                                                                                                              "اللهم إن العيش عيش الآخره فاغفر للأنصار والمهاجره"



                                                                                                                                                                                                                              فقالوا مجيبين له:


                                                                                                                                                                                                                              نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا.



                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الجهاد في باب حفر الخندق نحوه من حديث عبد العزيز عن أنس، كما ذكره بعد أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد العزيز عن أنس - رضي الله عنه - مثله أيضا سلف هناك سندا ومتنا، رواه فيها عن أبي معمر، وهو المقعد عبد الله بن عمرو، وزاد هنا: (قال: يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن.)

                                                                                                                                                                                                                              والإهالة السنخة: الودك السنخ، وقال الداودي: وعاء من جلد فيه سمن متغير. وقد سلف الكلام عليها في البيوع في باب الشراء بالنسيئة.

                                                                                                                                                                                                                              ونشغة ضبطت بالنون والشين المعجمة والغين المعجمة أيضا، يعني: أنهم تحصل لهم منها شبيه بالغشي حين ازدرادها من نشغت الصبي وجورا وانتشغته، قال أبو عبيد: روي عن الأصمعي: نشغه ونشعه بالغين والعين إذا أوجر ، قال شمر: المنشغة: المسعط أو الصدفة يسعط بها. وأما الدمياطي فضبطه بخطه بالباء الموحدة المفتوحة والشين المعجمة وفتح العين ، وهو ظاهر هنا، وعليها

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 223 ] مشى ابن التين قال: بشعة في الحلق أي: كريهة الطعم والرائحة. قال: وقوله: (منتن) صوابه: منتنة; لأن الريح مؤنثة، إلا أنه يجوز في المؤنث الذي لا فرج له أن يعبر عنه بالمذكر. وفي "الصحاح": شيء بشع: كريه الطعم يأخذ بالحلق بين البشاعة. وقال في حرف العين النشوع السعوط والوجور الذي يوجره المريض أو الصبي .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث جابر - رضي الله عنه -: إنا يوم الخندق نحفر، فعرضت كبدة شديدة، فجاءوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هذه كبدة عرضت في الخندق .. بطوله.

                                                                                                                                                                                                                              الكبدة بفتح الكاف وكسر الباء، وقال الخطابي: إن كانت محفوظة فهي القطعة الصلبة من الأرض، وأرض كبداء، ومثله: قوس كبد، أي: شديد، والمحفوظ كدية أي: بضم الكاف وإسكان الدال المهملة، وهو القطعة الصلبة من الأرض لا يحيك فيه للمعول أثر، والجمع كداء، ويقال: أكدى الحافر إذا حفر حتى بلغ كدية لا تنحفر .

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك ذكر الهروي. وقال ابن دحية: قيدناها في البخاري: (كبدة) وكذا من طريق الإسماعيلي والقابسي عن أبي زيد المروزي، وكذا قيده النسفي عن البخاري، أي: قطعة من الأرض صلبة يشق كسرها، والكبد: الشدة والمشقة. وقيده الأصيلي على أبي أحمد الجرجاني: كندة بالنون المكسورة، وقيده أبو علي ابن السكن: كتدة، بتاء مثناة فوق مفتوحة في الموضعين. قال عياض: ولا أعرف بين الروايتين

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 224 ] معنى ها هنا. وقيده أبو ذر الهروي من رواية المستملي والحموي كلاهما عن الفربري: كيدة بياء ساكنة، كأن الكيد الذي هو إعمال الحيل أعجزتهم حتى لجأوا فيها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضربها، وفي رواية أخرى: كذانة بذال معجمة ونون ، وهي القطعة من الجبل. وعند ابن إسحاق: صخرة ، وفي رواية: عبلة، رهط الصخرة الصماء وجمعها عبلات ويقال لها: العبلاء والأعبل، وكلها الصخرة. وسيأتي من عند النسائي: حجر .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم قام وبطنه معصوب بحجر) هو من الجوع، وادعى ابن حبان أن صوابه: (بحجز) بالزاي، إذ لا معنى لشد الحجر على بطنه من الجوع ، ورد عليه، وقد جاء في الحديث بعده: (رأيت به خمصا) والخمص: الجوع.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فعاد كثيبا أهيل أو أهيم) الكثيب: الرمل، من قوله تعالى: كثيبا مهيلا [المزمل: 14] أي: تفتت حتى صار كالرمل يسيل ولا يتماسك. والأهيل: المنهال، الذي لا يتماسك سيلا وانصبابا، فهو منهال ومهيل.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أو أهيم) هو مثله، وهو بالمثناة تحت، ومعناه: مثل المهيل; ولذلك قال بعضهم في قوله تعالى: فشاربون شرب الهيم [الواقعة: 55]: الرمال التي لا ينوبها ماء السماء. وقيل: هي الإبل يصيبها داء يعطشها وقيل: الهيام من الرمل: ما كان دقاقا يابسا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 225 ] وضبطها بعض شيوخنا: أهثم بالمثلثة أي: صار كثيبا مثل الرمل، ثم حكى المثناة تحت عن تقييد بعضهم.

                                                                                                                                                                                                                              والعناق: الأنثى من أولاد المعز.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (والعجين قد انكسر) يريد أي: لان ورطب وتمكن فيه الخمير، وقيل: انكساره: لينه لأنه طبخ وأخذ النار منه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (والبرمة بين الأثافي) أي: بين الحجارة الثلاثة التي يوضع عليها القدر.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (كادت أن تنضج) أي: تطيب، النضيج: المطبوخ، وهو بفتح الضاد; لأن ماضيه نضج على وزن علم، قال تعالى: كلما نضجت جلودهم [النساء: 56].

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (طعيم لي) هو تصغير طعام، وهو مشدد ولا وجه لمن جعله [مخففا] ، وكان شعيرا أو لحما، فالطعام لغة: المأكول سواء كان أو غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي") ليبتدئ فعلها بالدعاء فيكون أعظم للبركة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("ولا تضاغطوا") أي: لا تزدحموا، وغطيط البرمة: امتلاؤها. قال أبو موسى في "المغيث": يسمع لها تغوط، وهي شدة غليان القدر. وقيل: إنه بالظاء المعجمة أولى .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ويخمر البرمة والتنور) أي: يسترهما، ويحتمل أن يفعل ذلك لئلا يراهما.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 226 ] فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              روى النسائي من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما- عرض لنا حجر لا يأخذ فيه المعول، فاشتكينا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألقى ثوبه وأخذ المعول بيده، وقال: "بسم الله" وضرب ضربة كسر ثلث الصخرة، فقال: "والله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الآن من مكاني هذا" ثم ضرب أخرى فقال: "بسم الله"، [وكسر ثلثا] ، ثم قال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن الأبيض الآن" ثم ضرب ثالثة قال: "بسم الله وقع الحجر" وقال: "والله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر باب صنعاء" .

                                                                                                                                                                                                                              وعند موسى بن عقبة: زعموا أن سلمان أبصر عند كل ضربة برقة ذهبت في ثلاثة وجوه كل مرة يتبعها سلمان بصره، فذكر ذلك سلمان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فقال: رأيت يا رسول الله كهيئة البرق أو كموج الماء عند كل ضربة ضربتها يا رسول الله، ذهبت إحداهن نحو المشرق، والأخرى نحو الشام، والأخرى نحو اليمن، فقال: "إنه ابيض لي في إحداهن بمدائن كسرى وفي الأخرى مدينة الروم والشام والمغرب، وفي الأخرى مدينة اليمن وقصورها والذي رأيت النصر يبلغهن إن شاء الله تعالى".

                                                                                                                                                                                                                              ولابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول في زمن عمر وعثمان رضي الله عنهما افتتحوا ما بدا لكم، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدا مفاتيحها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 227 ] وللبيهقي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده: "أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا" .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس:

                                                                                                                                                                                                                              حديث جابر - رضي الله عنه -: لما حفر الخندق رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصا، فانكفأت إلى امرأتي .. الحديث بطوله، وفيه: "إن جابرا قد صنع لكم سورا فحي هلا بكم". وفيه: ألف.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الحديث سلف مختصرا في الجهاد في باب من تكلم بالفارسية، والإسناد واحد. وأبو عاصم المذكور فيه هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني مولاهم النبيل الحافظ.

                                                                                                                                                                                                                              والخمص -بفتح الخاء والميم، وسكنها أبو ذر- ضمور البطن من الجوع، قال ابن فارس: الخامص: الضامر ويقال خمص خمصا . ومعنى انكفأت: انقلبت، من قولهم: كفأت الإناء: قلبته. وأصله الهمز ويترك تسهيلا.

                                                                                                                                                                                                                              والجراب كسر جيمه أفصح. و (بهيمة) تصغير بهمة صغار الغنم، وسلف أنها عناق، وهي الأنثى من ولد المعز كما سلف، وقال الداودي: إنها الحديثة التي لا تكاد تحمل أول حملها والداجن من الغنم ما التزم البيت ولم يرع.

                                                                                                                                                                                                                              والسور هو بلا همز ذكره العسكري في "تلخيصه" فأما المهموز فهو البقية، عربي، وقد سلف وهو العرس بلسان الفرس، قال الداودي: إلا أنها أعربت، قال: والذي نحفظ أنه - صلى الله عليه وسلم - تكلم به من الأعجمية

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 228 ] هذه اللفظة وقوله للحسن: "كخ" ولعبد الرحمن: "مهيم" أي: ما هذا؟ ولأم خالد: "سنا سنا" يعني (سنة) ، وذكر ابن فارس أن معنى مهيم: ما حالك وما شأنك ؟ ولم يذكر أنها أعجمية. وقال الهروي: إنها كلمة يمانية.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فحي هلا بكم") هي كلمة استدعاء فيها حث واستعجال ومنه: حي على الصلاة، فحي: هلموا، وهلا بمعنى حثا، فجعلا كلمة واحدة، أي: هلموا وعجلوا. ولأبي الحسن: "أهلا بكم" بالألف والصحيح حذفها.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فأخرجت له عجينا فبسق فيه) هو بالسين ويقال بالصاد وبالزاي وفيه بركة بصاقه - صلى الله عليه وسلم - وطهارته بعد مفارقة الفم ولا عبرة بخلاف النخعي في الريق، فكان آخر ما دخل جوفه هو ريق عائشة رضي الله عنها (طلب سواكها فاستن به) .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله (حتى تركوه وانحرفوا) أي: مالوا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (إن برمتنا لتغط) أي: ممتلئة تفور يسمع لها غطيط.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: من أعلام نبوته إكثار القليل.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 229 ] وقوله: ("اقدحي من برمتكم") أي: اغرفي، والمقدحة: المغرفة وجمعه: مقادح. وقوله: (وهم ألف) كذا هنا. وفي "الجمع بين الصحيحين" لأبي نعيم الحداد: وهم نحو من ألف. وفي لفظ: ثماني مائة. أو ثلاثمائة. ساقها البيهقي في "دلائله" .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              كان في حفر الخندق آيات من أعلام النبوة. منها: قصة جابر في شويهته. وفيها قصة الكدية، وروي فيه أنه - عليه السلام - دعا بماء، فتفل عليه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضحه على الكدية. فيقول من حضرها: فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب، ما ترد فأسا ولا مسحاة . وروي أن سلمان - رضي الله عنه - قال: ضربت في ناحية الخندق فغلظت علي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريب مني، فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان علي نزل، فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول برقة ثم أخرى ثم ثالثة كذلك. وذكر نحو ما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: جر الجفنة من التمر التي جاءت به ابنة لبشير بن سعد لأبيها وخالها عبد الله بن رواحة، ليتغديا به، فقال لها - عليه السلام -: "هاتيه"، فصببته في كفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما ملأهما، ثم أمر بثوب فبسط له ثم قال لإنسان عنده: اخرج في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء، فاجتمع

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 230 ] أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه، وإنه ليسقط من أطراف الثوب. أخرجه البيهقي في "دلائله" .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السابع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عائشة رضي الله عنها إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم [الأحزاب: 10] قالت: كان ذلك يوم الخندق

                                                                                                                                                                                                                              المراد بفوقكم: أعلى المدينة وأسفلها.

                                                                                                                                                                                                                              كان أبو سفيان أتاه بالأحزاب [...] فزارة وغيرهما، ووافى ذلك شدة البرد ومجاعة، فظن المنافقون بالله الظنونا، وقال المؤمنون: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، يعني: قوله: ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء [البقرة: 214]. وسأل عيينة بن حصن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه نصف تمر المدينة، وينصرف بمن معه ويخذل الأحزاب. فعرض عليه الثلث، فأبى إلا النصف، فشاور سعد بن معاذ وسعد بن عبادة. سيدي الأنصار. فقالا: إن كنت أمرت بشيء فافعل. فقال: "لو أمرت لم أستأمركما، إنما هو رأي". قالوا: فليس عندنا إلا السيف. قال: "فنعم" .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن:

                                                                                                                                                                                                                              حديث البراء - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينقل التراب يوم الخندق حتى أغمر بطنه ويقول: "والله لولا الله ما اهتدينا .. " إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 231 ] وقد سلف في الجهاد في باب: حفر الخندق .

                                                                                                                                                                                                                              وزاد هنا: (ورفع بها صوته: أبينا أبينا). و (اغبر): معروف من الغبار، وإن كان (أغمر) محفوظا -كما قال الخطابي- فمعناه وارى التراب جلدة بطنه. ومنه: غمار الناس وهو: جموعهم إذا تكاثف والتحم بعضهم ببعض، ورجل غمر وهو: الذي يلتبس عليه الرأي، ومنه: غمر الوجه وهو ما يطلى به من شيء يلونه . وروي: أعفر بالعين المهملة والفاء والعفر بالتحريك: التراب.

                                                                                                                                                                                                                              وعفره في التراب يعفره بكسر الفاء، عفرا، وعفره تعفيرا، أي: مرغه. قال عياض: حتى أعفر بطنه أو أغبر بطنه -كذا لهم- وكذا ضبطه بعضهم بفتح (بطنه) ولأبي ذر وأبي زيد: (حتى أغمر بطنه - أو أغبر) كذا للأصيلي، وقيده عبدوس وبعضهم: (اغمر بطنه). بتشديد الراء ورفع بطنه. وعند النسفي: (حتى غبر بطنه- أو أغبر). أي: علاه الغبار. ولا وجه للميم هنا إلا أن يكون بمعنى: ستر. كما جاء في الحديث الآخر: (حتى وارى -يعني: التراب- بطنه). وأما بتشديد الراء ورفع (بطنه) فبعيد. وللفاء وجه من العفرة وهو: التراب. والأوجه: أغبر .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: في الأبيات (إن الأولى قد بغوا علينا) أسقط منه الوتد وهو قوله: إن الأولى هم قد بغوا علينا. نبه عليه ابن التين، وذكره بعد قوله: إن الأولى قد رغبوا علينا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 232 ] الحديث التاسع:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور". سلف. والصبا: الريح الشرقية، والدبور: الغربية، وإنما أتى بها هنا للريح التي كانت عام الأحزاب في قوله تعالى: فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها [الأحزاب: 9]. قال مجاهد: الصبا كفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم، حتى أظعنتهم. والجنود: الملائكة. ولم تقاتل يومئذ .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث العاشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي إسحاق عن البراء قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني التراب جلدة بطنه -وكان كثير الشعر- فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب يقول:

                                                                                                                                                                                                                              "اللهم لولا أنت ما اهتدينا .. إلى آخره.

                                                                                                                                                                                                                              وفي آخره: إن الأولى قد رغبوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا

                                                                                                                                                                                                                              قال: ثم يمد صوته بآخرها.

                                                                                                                                                                                                                              فيه: بيان أن هذا الرجز لابن رواحة.

                                                                                                                                                                                                                              وشيخ شيخ البخاري فيه: شريح بن مسلمة الكوفي من أفراده وهو ثقة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين. وانفرد مسلم بشريح بن هانئ، قيل: مات سنة ثمان وسبعين. وليس في الصحيحين شريح بالشين المعجمة غيرهما. وفي السنن عدة أخر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 233 ] أما بالمهملة ، فابن النعمان الجوهري من أفراد البخاري. مات سنة سبع عشرة ومائتين، وابن يونس البغدادي اتفقا عليه، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين. قال أبو حاتم: صدوق .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الحادي عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر رضي الله عنهما أول يوم شهدته الخندق.

                                                                                                                                                                                                                              يريد شهود من أسهم له، وإلا فقد ذكر قبل هذا أيضا، أنه شهد أحدا، وعرض فيها وهو ابن أربع عشرة ولم يجزه، وتقدم أنه شهد بدرا أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثاني عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث ابن عمر رضي الله عنهما دخلت على حفصة ونسواتها تنطف، قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين، فلم يجعل لي من الأمر شيء. فقالت: الحق بهم فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم تدعه حتى ذهب، فلما تفرق الناس خطب معاوية قال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه. قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: فحللت حبوتي وهممت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك الدم، ويحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان. قال حبيب: حفظت وعصمت. قال محمود، عن عبد الرزاق: ونوساتها.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: قوله: (نسواتها)، إنما هو: نوساتها تنطف. يريد:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 234 ] ذوائبها تقطر. وكل شيء جاء وذهب، فقد ناس، والنوس: الاضطراب، وقد قيل: إنما سمي ذا نواس القيل (باليومتين) في أذنيه كانتا تنوسان . وعبارة أبي ذر: يعني ضفائرها، وهو شعرها، وإنما سمي ذا نواس; لأنه كانت له ضفيرتان.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وقيل لذؤابة كانت تنوس على ظهره، أي: تتحرك، وكان ملكا من ملوك حمير. ومنه: قوله -في حديث أم زرع- أناس من حلي أذني . وقال أبو الوليد الوقشي: الصواب: نوساتها من ناس ينوس، إذا تعلق وتحرك، وقال ابن التين: يقال: ينطف، وتنطف، وصوابه: نوسات بسكون الواو. قال: وضبط في الأصل بفتحها. وعلى القلب مثل جبذ وجذب، قال: وقوله: (ونوساتها) فغير موجود أو ليس في الكلام نسا ينسو إلا أن يصح أن يكون على القلب -كما سلف- ووقع في بعض الشروح: ونسواتها: يعني الضفائر. قال أبو عبيد: أصله السبلان، وصوابه: يعني الضفائر، فاعلمه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فيطلع لنا قرنه) يحتمل -كما قال ابن التين- أن يريد بدعته، يقال: هذا قرن طلع، أي: بدعة حدثت، ويحتمل أن يريد فليبد لنا صفحة وجهه، والقرنان في الوجه، وكأنه أراد: فليظهر لنا نفسه، ولا يستخف. والحبوة بضم الحاء: ضم الساقين إلى البطن بثوب يديره من وراء ظهره، يقال منه: احتبى الرجل.

                                                                                                                                                                                                                              وكأن ابن عمر أراد التخلف عن البيعة لمعاوية; لما تقدم من الاختلاف، فنبهته حفصة أن تخلفه يوجب الاختلاف، فخرج وبايع،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 235 ] ولعل معاوية تأول في قوله: نحن أحق بهذا الأمر، إذ بايع له الحسن، وسلم له وقد بويع الحسن، وأجمع عليه أكثر الناس وذهب ابن عمر إلى أن الأفضل أن يلي السابقون الأولون من المهاجرين والذين أنفقوا من قبل الفتح، ثم خشي أن تؤول كلمته إلى ما لا يريده، فكف.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              روى الحديث المذكور اثنان، عن ابن عمر رضي الله عنهما سالم وعكرمة بن خالد. [وعكرمة] هو: ابن العاصي بن هشام بن المغيرة المخزومي. مات بعد عطاء، سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائة، عن أربع وثمانين، أخرج له مسلم أيضا وكذا لعكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي.

                                                                                                                                                                                                                              وانفرد البخاري بعكرمة مولى ابن عباس. نعم أخرج له مسلم مقرونا. ومسلم بابن عمار اليمامي، وهذا كل ما في الصحيح. وفي الترمذي: عكرمة بن أبي جهل المخزومي، أسلم بعيد الفتح، وقتل يوم اليرموك. وفي ابن ماجه: عكرمة بن سلمة، فمجموع هؤلاء ستة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثالث عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سليمان بن صرد - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب: "نغزوهم ولا يغزوننا".

                                                                                                                                                                                                                              ثم أسند عنه بلفظ: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول حين أجلى الأحزاب ربه عنه: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم".

                                                                                                                                                                                                                              هذا إخبار منه عليه أفضل الصلاة والسلام أن قريشا بعد ذلك لا تغزوه فخرج إليهم عام الحديبية على أنهم إن صدوهم عن البيت

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 236 ] قاتلوهم، فصدوهم فبركت الناقة فعلم أنه أمر من الله بإيقافهم على أن يعتمر العام المقبل. ثم فتح مكة سنة ثمان وهوازن وحنين، وحاصر الطائف، ودخل الناس في دين الله أفواجا، فكان كما قال.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أجلى الأحزاب) يقال: جلا عن وطنه وأجليته أنا.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة الخزاعي، كان اسمه يسار في الجاهلية فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سليمان، وكنيته أبو المطرف، وكان حبرا عابدا، نزل الكوفة وقتل سنة خمس وستين بعين الوردة من الجزيرة قرقيسيا، قتله عسكر عبيد الله بن زياد بن أبيه .

                                                                                                                                                                                                                              وصرد، وجرد، ونغر ينصرف في المعرفة والنكرة، وليس بمعدول كعمر عن عامر. والجمع: صردان، ونغران، وجردان. وصرد، ونغر: طائران.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الرابع عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث علي - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم الخندق: "ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس".

                                                                                                                                                                                                                              سلف في باب الجهاد، في باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الخامس عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

                                                                                                                                                                                                                              جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 237 ] سلف في الصلاة، في باب: من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت، وفي باب: قضاء الصلوات الأولى فالأولى، وباب: الصلاة عند مناهضة الحصون .

                                                                                                                                                                                                                              ويوم الخندق المراد به: وقته. قال الداودي: يعني: عامه. والعرب تقول: يوم كذا; لحرب كانت بينهم يسمونها باليوم. وفيه حجة للجمهور أن الوسطى العصر.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي ومالك: الصبح. واعتذر بعضهم بأن العصر والوسطى ذلك اليوم; لأنه شغل عن ثلاث صلوات وسطهن العصر.

                                                                                                                                                                                                                              والمسألة مفردة بالتأليف ، وفيها نحو عشرين قولا.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه البداءة بالمنسية قبل الحاضرة، إذا قلنا: إن المغرب له وقت واحد، فإن قلنا: لها وقتان، فأولى.

                                                                                                                                                                                                                              والعامد كالناسي، ولا عبرة بخلاف ابن حزم فيه، وشذوذ بعض التابعين أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وإنما أخر; لأنه لم تنزل صلاة الخوف إذ ذاك.

                                                                                                                                                                                                                              الحديث السادس عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث جابر - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب: "من يأتينا بخبر القوم؟ ". فقال الزبير: أنا .. الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الجهاد في باب: فضل الطليعة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 238 ] الحديث السابع عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده".

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الثامن عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنهما - دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب اهزم الأحزاب. اللهم اهزمهم وزلزلهم"، وقد سلف في الجهاد في باب الدعاء عليهم .

                                                                                                                                                                                                                              الحديث التاسع عشر:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سالم ونافع، عن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قفل من الغزو، أو الحج، أو العمرة، يبدأ فيكبر ثلاث مرار، ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده .. " الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وسلف في أواخر الجهاد في باب: ما يقول إذا رجع من الغزو . وهنا أتم. ومعنى: (قفل): رجع. والقفول: الرجوع. والقافلة: الراجعة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              شهداء الخندق
                                                                                                                                                                                                                              من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأنس بن أوس بن عتيك، وعبد الله بن سهل. ومن بني جشم بن الخزرج، ثم من بني سلمة: الطفيل بن النعمان، وثعلبة بن عنمة ومن بني النجار: كعب بن زيد .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الدمياطي في نسب الأوس في بني ظفر: قيس بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر، شهد أحدا وحفر الخندق، ومات هناك

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 239 ] ودفن. وفي نسب الخزرج: عبد الله بن أبي خالد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار قتل يوم الخندق شهيدا ذكره الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              كان الذي خذل أبا سفيان وأصحابه نعيم بن مسعود الأشجعي، فإنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت. فقال: "إنما أنت رجل واحد، فخذل عنا ما استطعت، فإن الحرب خدعة" فخرج فخذل بني قريظة، وأشار بالرهائن، ثم راح إلى قريش فخذلهم، وقال: إن التمسوا منكم الرهن; فادفعوا إليهم رجلا واحدا، ثم راح إلى غطفان، فقال لهم كما قال لقريش وحذرهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقد ساق ذلك ابن إسحاق بطوله .

                                                                                                                                                                                                                              وبعث الله عليهم ريحا عاصفا في ليال شديدة البرد، فجعلت الريح تقلب آنيتهم، وتكفأ قدورهم، فبعث - صلى الله عليه وسلم - إذ ذاك حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم، ثم ارتحلوا، قال حذيفة: ولولا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ منعني أن لا أحدث شيئا; لقتلته بسهم يعني: أبا سفيان.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأول من حفر الخنادق في الحروب بنو شهر بن أيرح وأول من كمن الكمائن بختنصر ذكر ذلك عن الطبري .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية