الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              373 [ ص: 369 ] 20 - باب: الصلاة على الحصير وصلى جابر وأبو سعيد في السفينة قائما. وقال الحسن: تصلي قائما ما لم تشق على أصحابك، تدور معها وإلا فقاعدا.

                                                                                                                                                                                                                              380 - حدثنا عبد الله قال: أخبرنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، أن جدته مليكة دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: "قوموا فلأصل لكم". قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصففت واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم انصرف. [727، 860، 871، 874، 1164 - مسلم: 658 - فتح: 1 \ 488] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              (وصلى جابر وأبو سعيد في السفينة قائما) وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة، عن عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس قال: سافرت مع أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله- قال حميد وأناس: وأناس قد سماهم- فكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائما ونصلي خلفه قياما، وحكي ذلك أيضا عن غيرهم ورواه أبو نعيم في "كتاب الصلاة": عن حميد، عن أنس بن سيرين قال: أمنا أنس في السفينة على بساط.

                                                                                                                                                                                                                              قال البخاري: وقال الحسن: تصلي قائما ما لم تشق على أصحابك، تدور معها وإلا فقاعدا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 370 ] وهذا رواه ابن أبي شيبة، عن حفص، عن عاصم، عن الشعبي والحسن وابن سيرين: أنهم قالوا: صل في السفينة قائما، وقال الحسن: لا تشق على أصحابك. وفي رواية الربيع بن صبيح: أن الحسن ومحمدا، قالا: يصلون فيها قياما جماعة، وتدورون مع القبلة حيث دارت.

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن مجاهد أن جنادة بن أبي أمية قال: كنا نغزو معه فكنا نصلي في السفينة قعودا، وحكي فعله أيضا عن أنس بن مالك قال: وكان أبو قلابة لا يرى به بأسا، وقال طاوس: صل قاعدا.

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت: ما وجه دخول هذا في الصلاة على الحصير؟ قلت: لأنهما اشتركا في الصلاة على غير الأرض لئلا يتخيل أن مباشرة المصلي الأرض شرط من قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ: "عفر وجهك في التراب" نبه عليه ابن المنير.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في الصلاة في السفينة، فقال أبو حنيفة: ومن صلى في السفينة قاعدا من غير عذر أجزأه، والقيام أفضل، وكذا قال الثوري: لأنه أبعد عن شبهة الخلاف، وجوز؛ لأن الغالب في السفينة دوران الرأس. وقال صاحباه ومالك والشافعي: لا يجوز أن يصلي [ ص: 371 ] فيها قاعدا من يقدر على القيام، وهذا الخلاف إنما هو في غير المربوطة، وأما المربوطة فكالشاطئ.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              سمي الحصير لأنه يلي وجه الأرض، ووجه الأرض تسمى حصيرا.

                                                                                                                                                                                                                              قاله ابن سيده، والسفينة: الفلك لأنها تسفن وجه الماء أي: تقشره، فعيلة بمعنى فاعلة.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عبد الله قال: أخبرنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، أن جدته مليكة دعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: "قوموا فلأصل لكم". قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصففت واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين ثم انصرف.

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 372 ] ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              الضمير في (جدته) يعود إلى إسحاق، وجاء في رواية: أنه عائد إلى أنس، رواه مقدم بن يحيى بن محمد عن عمه الهاشم بن يحيى، عن عبيد الله بن عمر، عن إسحاق، عن أنس قال: أرسلت جدتي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسمها مليكة.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              مليكة: بضم الميم، وزعم الأصيلي أنه بفتحها وكسر اللام، وهي أم سليم.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              اللام في قوله: "فلأصل" مكسورة، لام كي والفاء زائدة والياء مفتوحة، وروي بحذف الياء على أنه أمر نفسه، وروي بفتح اللام.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (من طول ما لبس) يؤخذ منه أن الافتراش يطلق عليه لباس، ولا شك أن لبس كل شيء بحسبه شرعا ولغة، فافتراش الحصير لا يسمى لباسا عرفا.

                                                                                                                                                                                                                              سادسها:

                                                                                                                                                                                                                              النضح: الرش هنا، وقد يطلق على الغسل، وضعت ذلك لتليينه وتهيئته للجلوس عليه، فإنه كان من جريد كما جاء في رواية لمسلم، ولنظافته، ويجوز أن يكون لزوال ما يعرض من الشك في نجاسته، وهو طهور وفاقا لمالك، خلافا للشافعي وأبي حنيفة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 373 ] قال ابن التين: لأنهم كانوا يلبسون الحصير ومعهم صبي فطيم هو أبو عمير كذا ذكره قبل الجمعة.

                                                                                                                                                                                                                              سابعها:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (وصففت واليتيم) هو منصوب أي: مع اليتيم، وجاء في رواية أخرى: وصففت أنا واليتيم. قال ابن التين: والأول أحسن في لغة العرب؛ لأن الضمير المعطوف لا يعطف عليه إلا بعد أن يؤكد لقوله تعالى اسكن أنت وزوجك الجنة [البقرة: 35].

                                                                                                                                                                                                                              ثامنها:

                                                                                                                                                                                                                              اليتيم جمعه أيتام، واسمه ضمرة الحميري، وقيل: روح، والعجوز هي أم سليم.

                                                                                                                                                                                                                              تاسعها:

                                                                                                                                                                                                                              المراد بالانصراف عن الصلاة. وقيل: عن الذنب.

                                                                                                                                                                                                                              عاشرها: في فوائده:

                                                                                                                                                                                                                              تواضع الشارع بإجابة داعيه، وإجابة الداعي لغير وليمة العرس، وجواز النافلة جماعة؛ لكن في رواية أبي الشيخ الحافظ: فحضرت الصلاة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حبيب في تفسيره عن مالك: لا بأس أن يفعله الناس اليوم في الخاصة، وليس من الأمر الذي يواظب عليه العامة أن يصلي الرجل بالنفر في سبحة الضحى وغيرها ليلا ونهارا في غير نافلة رمضان إلا إذا [ ص: 374 ] قل النفر مثل الاثنين والثلاثة من غير أن يكون مشهرا، ومعناه مخافة أن يظنها الجهال من الفرائض، والصلاة للتعلم ولحصول البركة، وتسمية الافتراش أي (...) لباسا وصلاة الصبي المميز، وأن للصبي موقفا في الصف، وعن أحمد كراهته في الفرائض والمساجد، وأن الاثنين يكونان صفا، وراء الإمام وهو مذهب العلماء كافة إلا ابن مسعود وصاحبيه وأبا حنيفة والكوفيين فإنهم قالوا: يكون بينهما، والصحيح أنه موقوف على فعل ابن مسعود ولعله كان لضيق بالمكان، وفي "البدائع" للحنفية: لو فعل ذلك لا يكره، وفي "المحيط" قيل: لا يكره، وقيل: يكره لمخالفة السنة.

                                                                                                                                                                                                                              وأن موقف المرأة وراء الصبي، والصلاة على الحصير، وسائر ما تنبته الأرض، وهو إجماع إلا من شذ، وحديث أنه لم يصل عليه لا يصح، وأن المرأة المتجالة الصالحة إذا دعت إلى طعام أجيبت، وأن الأصل في الحصير ونحوها الطهارة، وأن الأفضل في نوافل النهار كونها ركعتين، وفيه غير ذلك مما أوضحته في "شرح العمدة" فراجعه منه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية