الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4284 4560 - حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد؛ قنت بعد الركوع، فربما قال إذا قال: " سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها سنين كسني يوسف". يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: "اللهم العن فلانا وفلانا". لأحياء من العرب، حتى أنزل الله ليس لك من الأمر شيء [آل عمران: 128] الآية.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث معمر ، عن الزهري : حدثني سالم ، عن أبيه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: "اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا". بعد ما يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد". فأنزل الله ليس لك من الأمر شيء [آل عمران : 128] إلى قوله: فإنهم ظالمون [آل عمران : 128]. رواه إسحاق بن راشد عن الزهري .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 161 ] وأخرجه في المغازي والاعتصام أيضا.

                                                                                                                                                                                                                              وإسحاق هذا صدوق ثقة، قال ابن خزيمة : لا يحتج به. قلت: وتكلم في سماعه من الزهري .

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث سعيد ، وأبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد؛ قنت بعد الركوع … الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              زاد ابن حبان : وأصبح ذات يوم فلم يدع لهم، فذكرت ذلك له، فقال - صلى الله عليه وسلم: "أما تراهم قد قدموا؟! " ثم قال: فيه بيان واضح أن القنوت إنما يكون في الصلاة عقب حادثة، وأنه ليس منسوخا، ولا يسلم له اختصاصه بالحادثة، وعند البخاري في غزوة أحد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: لعن في صلاة الصبح فلانا وفلانا -بأسامي المنافقين- فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                              وقال البخاري -وسلف قبله: قال حميد وثابت عن أنس : شج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟! " فنزلت: ليس لك من الأمر شيء وقد سلف هناك إسنادها.

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبري من حديث عمر بن حمزة ، عن سالم ، عن أبيه أنه - رضي الله عنهما - قال: "اللهم العن أبا سفيان ، اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية " فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 162 ] وأخرجه الطبري معلقا عن حنظلة بن أبي سفيان قال: سمعت سالما يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث. وسلف هناك.

                                                                                                                                                                                                                              وعند الطبري أيضا من حديث نافع عنه: كان يدعو على أربعة نفر فنزلت.

                                                                                                                                                                                                                              ولمقاتل: دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عصية وذكوان أربعين يوما فنزلت، وقد سلف الكلام على ذلك واضحا في غزوة أحد.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : وفي الحديث تقديم وتأخير أتى فيه ببعض حديثين؛ لأن بئر معونة كان بعد بدر، وقيل: أصل النزول أنه استأذن في أن يدعو باستئصالهم، فنزلت؛ لأنه تعالى علم أن منهم من سيسلم.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              الوطأة في الحديث: الأخذة والبأس. وقيل: معناه. خذهم أخذا شديدا. وقال الداودي : الوطأة: الأرض، فإنه أراد جدوبة الأرض، فلم تنبت لهم شيئا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("كسني يوسف") هذا هو الأفصح، وروي "كسنين" بنونين وهي قليلة، يريد سبعا شدادا ذات خمط وغلاء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 163 ] أخرى:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد") فيه: أن الإمام يجمع بينهما، ومشهور مذهب مالك : لا يقول: ربنا لك الحمد. ووافق مرة أخرى.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: القنوت في الفجر وفاقا لمالك ، وإن اختلفوا في موضعه هل هو قبل الركوع أو بعده. ومشهور مذهب مالك أنه قبله. وقال ابن حبيب بعد الركوع أحسن. وقال أبو حنيفة : لا قنوت فيه. وبه قال يحيى بن يحيى، وليس هذا موضع ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              (ابن) الوليد في قوله: "اللهم أنج الوليد" هو أخو خالد بن الوليد أسر يوم بدر كافرا ففاداه أخواه هشام وخالد، فلما بلغاه ذا الحليفة أفلت، وتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد معه عمرة القضاء بعد. وقيل: إنه لما أفلت منهما مشى على رجليه فطلباه فلم يدركاه، ونكبت إصبعه فمات عند بئر أبي عنبة على ميل من المدينة.

                                                                                                                                                                                                                              وسلمة بن هشام هو أخو أبي جهل كان من مهاجرة الحبشة، فلما هاجر إلى مكة حبسه أخوه، ثم هاجر بعد الخندق، وقتل بمرج الصفر سنة أربع عشرة. وقيل: بأجنادين في جمادى قبل وفاة الصديق بنيف وعشرين ليلة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 164 ] وعياش بن أبي ربيعة بالشين المعجمة -أبو عبد الله - أو أبو عبد الرحمن - ابن عم أبي جهل، وأخوه لأمه أسماء بنت مخرمة، أسلم قبل دخوله - صلى الله عليه وسلم - دار الأرقم. واختلف في هجرته إلى الحبشة.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية