الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4376 [ ص: 390 ] 8 - باب: قوله: الآن خفف الله عنكم الآية إلى الصابرين [الأنفال: 66]

                                                                                                                                                                                                                              4653 - حدثنا يحيى بن عبد الله السلمي، أخبرنا عبد الله بن المبارك، أخبرنا جرير بن حازم، قال: أخبرني الزبير بن خريت، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين [الأنفال: 65] شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، فجاء التخفيف فقال: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال: 66]. قال: فلما خفف الله عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم … [انظر: 4652 - فتح: 8 \ 312]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه أيضا أثر ابن عباس : لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم ألا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف، فقال: الآن خفف الله عنكم الآية، فلما خفف عنهم من العدة نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              قول ابن شبرمة السالف أسنده ابن أبي حاتم من حديث سفيان قال: قال ابن شبرمة فذكره، ومعناه: لا يحل له أن يفر من اثنين إذا كانا على منكر، وله أن يفر من أكثر منهما، قال ابن عيينة في "تفسيره" فذكرت هذا الحديث لعبد الله بن شبرمة، فقال ابن شبرمة : الأمر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 391 ] بالمعروف والنهي عن المنكر مثله إذا كانا رجلين أمرهما، وإذا كانوا ثلاثة فهو في سعة من تركهم، واحتج بعض أهل العلم: فإن يكن منكم مائة صابرة على أن الكارهين للمنكر إذا كانوا الثلث وجب عليهم التغيير.

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن عباس : (نقص من الصبر بقدر ما خفف الله عنهم) يعني: أنهم كانوا وضع عنهم أن يصبروا للأكثر من مثليهم.

                                                                                                                                                                                                                              والضعف في العدد في قول أكثر العلماء، وقيل: في القوة والجلد، وهو بفتح الضاد، وقرئ بضمها، وقرأ أبو جعفر : ضعفاء -بالمد- جمع ضعيف، وقرئ ( يكن ) بالتاء والياء.

                                                                                                                                                                                                                              والتحريض: المبالغة في الحث على الأمر من الحرض، وهو أن يتابع فيه المرض حتى يشفي على الموت، أو أن يسميه حرضا، أو أن يقول: ما أراك إلا حرضا في هذا ومحرضا فيه، وقرئ بالصاد المهملة، ويقال: حرصه، وحركه، وحرشه، وحربه بمعنى. والآية لفظها خبر يراد به الأمر والنهي، وكذلك دخلها النسخ، وأبعد من قال: إنه تخفيف وليس بنسخ. حكاه مكي ، فإن أكثر النسخ تخفيف.

                                                                                                                                                                                                                              قال قوم: إن هذا كان يوم بدر. قال ابن العربي: وهو خطأ، وقد نص مقاتل أنه كان بعد بدر، والآية معلقة بأنهم يفقهون ما يقاتلون به وهو

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 392 ] الثواب، والكفار لا يفقهونه، وقيل: إنهم كانوا في أول الإسلام قليلا، فلما كثروا خفف. ثم هذا في حقنا، أما سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجب عليه مصابرة العدو الكثير؛ لأنه موعود بالنصر كامل القوة إذ كانت بالله، كما قال: "اللهم بك أصول".




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية