الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4741 5029 - حدثنا عمرو بن عون ، حدثنا حماد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقالت : إنها قد وهبت نفسها لله 6 \ 237 ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما لي في النساء من حاجة " . فقال رجل : زوجنيها . قال : " أعطها ثوبا " . قال : لا أجد . قال : " أعطها ولو خاتما من حديد " . فاعتل له . فقال : " ما معك من القرآن ؟ " . قال : كذا وكذا . قال : " فقد زوجتكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 74 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا حجاج بن منهال ، ثنا شعبة ، قال : أخبرني علقمة بن مرثد : سمعت سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " . قال : وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج ، قال : وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا .

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن علقمة فذكره بلفظ : "إن أفضلكم " إلى آخره .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 123 ] الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              تابع شعبة جماعة منهم قيس بن الربيع ، ذكر الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطار في "الهادي في القراءات " أنه تابع جماعة فعددهم فوق الثلاثين ، منهم عبد بن حميد ، وقيس الذي ذكرناه ; قال : وتابع سفيان مسعر ثم عددهم عشرين نفسا ، وفي "صحيح البخاري " ، وبعده الترمذي ما رواه شعبة وسفيان إشعار أنهم حملوا ذلك من هذين الجبلين ، على أن علقمة سمعه أولا من سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ثم سمعه بعد من أبي عبد الرحمن نفسه ، فرواه أولا كذلك ثم ثانيا كما حكاه .

                                                                                                                                                                                                                              وأما أبو الحسين القشيري ، فإنه عدل فيما أرى عن إخراجه في كتابه ، وعلله بثلاث علل : الاختلاف الذي ذكرناه ، ووقف من وقفه ، وإرسال من أرسله ، وبما روي عن شعبة أنه قال : لم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان . وقيل لأبي حاتم : [سمع ] من عثمان ؟ قال : روى عنه لا يذكر سماعا .

                                                                                                                                                                                                                              والجواب : أن الخلاف بين سفيان وشعبة لا يوجب القدح ; لأنهما إذا اختلفا فالحديث حديث سفيان كما نص عليه شعبة ونحوه أبو داود والترمذي ، وقال يحيى بن سعيد : ما أحد عندي يعدل شعبة ، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 124 ] وأما الإعلال بالوقف والإرسال ; لأن الحافظ إذا زاد قبلت زيادته إجماعا ، اللهم إذا كان هو الذي رواه زائدا وناقصا فقد يتوقف فيه لأجل ضبطه ، اللهم إلا إذا كان إماما صاحب فتوى أو ممن مذهبه تقطيع الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الثالث فقال بعضهم : إن الأكابر من الصدر الأول قالوا : إن أبا عبد الرحمن قرأ القرآن على عثمان وعلي وابن مسعود ، ثم إن المعاصرة كافية عند قوم كما ذهب إليه مسلم وغيره وقد تعاصرا جزما ، وصرح بعضهم بسماعه منه . والبخاري شرطه ذا ، وأخرج له في "صحيحه " ، وقال : تعلم القرآن في أيام عثمان حتى بلغ أيام الحجاج . ورواية الترمذي ، عن ابن بشار ، عن يحيى بن سعيد ، عن سفيان وشعبة ; كلاهما عن علقمة ، عن سعد ، عن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن . وحكم علي بن المديني على يحيى بن سعيد بالوهم فيه كونه ذكر من طريق الثوري وشعبة عن علقمة ، عن سعد ، فيحتمل أن يكون يحيى لما جمع بينهما ساق الحديث على لفظ شعبة وروايته ، وحمل حديث الثوري على حديث شعبة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : أخرجه النسائي في فضائل القرآن مفصلا فقال : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، ثنا يحيى عن شعبة وسفيان ، حدثهما علقمة عن سعد ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عثمان مرفوعا ، قال شعبة : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " قال سفيان : "أفضلكم " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 125 ] ورواه خلاد بن يحيى المكي ، عن الثوري ، عن علقمة ، عن سعد أيضا ; فتابع يحيى ، ورواه سعيد بن سالم القداح ، عن الثوري ومحمد بن أبان ، عن صالح الكوفي ، عن علقمة ، عن سعد . وروى أبو الحسن سعيد بن سلام العطار البصري هذا الحديث عن محمد بن أبان ، عن علقمة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن أبان بن عثمان بن عفان ، عن أبيه عثمان .

                                                                                                                                                                                                                              قال الدارقطني : ووهم في ذكر أبان في إسناده . فإن ثبتت روايته فالحديث غريب ، على أنه يحتمل أن يكون السلمي سمعه من أبان ، ثم من عثمان . وروى عاصم بن علي في إحدى الروايتين عنه عن شعبة ، عن مسعر ، عن علقمة ، عن سعد بن عبيدة ، عن السلمي ، عن علي . فإن ثبت ذلك فهو غريب جدا ، ورواه محمد بن بكير الحضرمي ، عن شريك ، عن عاصم بن بهدلة ، عن السلمي عن ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                              قال الدارقطني : أصحها علقمة عن سعد ، عن أبي عبد الرحمن عن عثمان مرفوعا ، وفي "سنن أبي داود " عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا : "خيركم من تعلم القرآن ، وعلم القرآن " وفي "أخلاق حملة القرآن " للآجري من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ، عن النعمان بن سعد ، عن علي مرفوعا : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقد أدرج بعض

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 126 ] الرواة فيه ما يوهم رفعه ، روى أبو يحيى إسحاق بن سليمان الرازي ، عن الجراح ، عن الضحاك ، عن علقمة ، عن السلمي ، عن عثمان رفعه : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الخالق على المخلوق . وهذا الأخير من قول أبي عبد الرحمن كما نبه عليه الحفاظ إسحاق بن راهويه وغيره . على أن هذه الزيادة وحدها جاءت متصلة من هذه الطريق إلى عثمان مرفوعا .

                                                                                                                                                                                                                              ورواها أيضا وحدها أبو سعيد الخدري مرفوعا ، أخرجه الترمذي

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 127 ] وروي نحوه أيضا عن أبي هريرة ، وأنس ، وللحاكم -وقال : صحيح الإسناد - عن أبي ذر مرفوعا : "إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه " يعني : القرآن .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الحديث دال على أن قراءة القرآن من أفضل أعمال البر كلها ; لأنه لما كان من تعلم القرآن وعلمه أفضل الناس وخيرهم دل على ما قلناه ; لأنه إنما أوجب له الخيرية والفضل من أجل القرآن ، وكان له فضل التعليم جاريا ما دام كل من علمه باقيا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              إن قلت أيما أفضل تعلم القرآن أو تعلم الفقه ؟ قلت : الثاني أفضل . وقال ابن الجوزي : تعلم اللازم منه فرض على الأعيان ، وتعلم جميعهما فرض على الكفاية إذا قام به قوم سقط الحرج عن الباقين ، وقد استويا في الحالتين ، فإن فرضنا الكلام فيها على قدر الواجب في حق الأعيان فالتشاغل في الفقه أفضل ، وذلك راجع إلى حاجة الإنسان ; لأن الفقه أفضل من القراءة ، وإنما كان الأقرأ في زمنه - صلى الله عليه وسلم -هو الأفقه ; فلذلك قدم القارئ في الصلاة ، وقال - عليه السلام - : "خيركم " . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 128 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري حديث سهل بن سعد : أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة فقالت : إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله فقال : "ما لي في النساء من حاجة " . فقال رجل : زوجنيها . . الحديث ، وقد سلف في الوكالة .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه إدخاله هنا ; لأنه زوجه المرأة لحرمة القرآن ، واعترضه ابن المنير فقال : ظن ابن بطال ذلك ، وليس كذلك ; بل معنى قوله : "زوجتكها بما معك من القرآن " أي : بأن تعلمها إياه ، فهي من سبيل التزويج على المنافع التي يجوز عقد الإجارة عليها ، وعلى هذا حمله الأئمة ، وهو الذي فهمه البخاري ، فأدخله في باب تعليم القرآن .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وقد ظهر بهذا الحديث فضل القرآن على صاحبه في الدين والدنيا ينفعه في دينه بما فيه من المواعظ والآيات ، وفي دنياه بكونه قام له مقام المال الذي يتوصل به إلى النكاح وغيره من المقاصد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث : استحباب تعجيل المهر للمرأة ، ويجوز أن يكون مؤخرا على ما ذكر عليه قوله : "اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن " .

                                                                                                                                                                                                                              وفي أبي داود : "ما معك ؟ " . قال : البقرة والتي تليها ، قال : "قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 129 ] قال مكحول : ليس ذلك لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقد انعقد النكاح وتأخر المهر الذي هو التعليم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              اعتذر بعض المالكية عن قوله : "التمس ولو خاتما من حديد " بأوجه : أحدها أن ذلك على جهة الإعياء والمبالغة كما قال : "تصدقوا لو بظلف محرق " . وفي لفظ : "ولو فرسن شاة " وليسا مما ينتفع بهما ولا يتصدق بهما ، لكن ذكر غير واحد أنهما كانوا يحرقونه ويستفونه ويشربون عليه الماء أيام المجاعة .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدا ; لأن الصواغ عندهم قليل .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : التماسه له لم يكن ليكون كل الصداق بل شيء تعجله لها قبل الدخول . وهما بعيدان .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 130 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              الحديث دال على أن تعلم القرآن يجوز أن يكون صداقا وهو مذهبنا ، وإحدى الروايتين عن أحمد . والثانية : لا يجوز وإنما كان لذلك الرجل خاصة ، وقد أسلفنا قول مكحول ، والحديث مع الشافعي .

                                                                                                                                                                                                                              وخالف في ذلك أيضا أبو حنيفة ومالك ، ونقل الترمذي عن أهل الكوفة وأحمد وإسحاق أن النكاح جائز ويجعل لها صداق مثلها .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ذكر في باب بعده أيضا وفيه : فصعد النظر إليها وصوبه . وهما مشددان كما نبه عليه ابن العربي ، أي رفع وخفض إليها ، ويجوز أن يكون ذلك كان قبل الحجاب ، ويجوز أن يكون بعده ، وهي متلففة ، وأي ذلك كان فإنه يدخل في باب نظر الرجل إلى المرأة المخطوبة ، وسيأتي في موضعه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية