الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4742 [ ص: 131 ] 22 - باب: القراءة عن ظهر القلب

                                                                                                                                                                                                                              5030 - حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن امرأة جاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد النظر إليها وصوبه ، ثم طأطأ رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست ، فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها . فقال : " هل عندك من شيء ؟ " . فقال : لا والله يا رسول الله . قال : " اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا . قال : " انظر ولو خاتما من حديد " . فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ، ولكن هذا إزاري -قال سهل : ما له رداء - فلها نصفه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما تصنع بإزارك ؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء " . فجلس الرجل حتى طال مجلسه ، ثم قام ، فرآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا ، فأمر به فدعي ، فلما جاء قال : " ماذا معك من القرآن ؟ " . قال : معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا . عدها ، قال : " أتقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ " . قال : نعم . قال : " اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن " . [انظر : 2310 - مسلم: 1425 - فتح: 9 \ 78 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر في حديث سهل بن سعد السالف في الباب قبله ، وقال في آخره : "ملكتكها بما معك من القرآن " وقال في الباب قبله ، وفي الوكالة ; "زوجتكها " وسيأتي الكلام عليه في موضعه .

                                                                                                                                                                                                                              واعترض ابن بطال فقال : هذا الحديث يدل على خلاف ما تأوله الشافعي في إنكاحه - عليه السلام - الرجل بما معه من القرآن ، أنه إنما زوجه إياها بأجرة تعليمها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 132 ] وليس كما قال ابن بطال بل هو صريح كما قاله الشافعي لقوله : "بما معك من القرآن " .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وقوله فيه : ("أتقرؤهن عن ظهر قلب ؟ " قال : نعم . فزوجه لذلك ) يدل على أنه إنما زوجها منه بحرمة استظهاره للقرآن ، وقد سلف ما فيه .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تعظيم حامل القرآن وإجلاله وتقديمه . ذكر أبو عبيد من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "إن من تعظيم جلال القرآن إكرام ثلاثة : الإمام المقسط وذي الشيبة المسلم وحامل القرآن " وكان - عليه السلام - يوم أحد يأمر بدفن الرجلين والثلاثة في قبر واحد ويقول : "قدموا أكثرهم قرآنا " .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقد روي أنه - عليه السلام - أمر بالقرآن في المصحف نظرا من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : "أعطوا أعينكم حظها من العبادة " قالوا : يا رسول الله ، وما حظها من العبادة ؟ قال : "النظر في المصحف والتفكر فيه ، والاعتبار عند عجائبه " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 133 ] قال يزيد بن أبي حبيب : من قرأ القرآن في المصحف خفف عن والديه العذاب وإن كانا كافرين . وعن عبد الله بن حسان قال : اجتمع اثنا عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن من أفضل العبادة قراءة القرآن نظرا . وقال أسد بن وداعة : ليس من العبادة شيء أشد على الشيطان من قراءة القرآن نظرا . وقال وكيع : قال الثوري : سمعنا أن تلاوة القرآن في الصلاة أفضل من تلاوته في غيرها وتلاوته أفضل الذكر ، والذكر أفضل من الصدقة ، والصدقة أفضل من الصوم ، والقراءة في المصحف أحسن من القراءة ظاهرا ; لأنها زيادة . وهذه الآثار من رواية ابن وضاح .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              ومما روي في فضل تعلم القرآن وحمله ; ما ذكره أبو عبيد من حديث عقبة بن عامر قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الصفة ، فقال : "أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين في غير إثم ولا قطيعة رحم ؟ " قالوا : كلنا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب ذلك ، قال : فقال : "يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد ليتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين ومن ثلاث ومن تعدادهن من الإبل " .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر عن كعب الأحبار في التوراة أن الفتى إذا تعلم القرآن وهو حديث السن وحرص عليه وعمل به وتابعه خلطه الله بلحمه ودمه

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 134 ] وكتبه عنده من السفرة الكرام البررة ، وإذا تعلم الرجل القرآن وقد دخل في السن وحرص عليه ، وهو في ذلك يتابعه وينفلت منه كتب له أجره مرتين ، وروي عن الأعمش قال : مر أعرابي بعبد الله بن مسعود وهو يقرئ قوما القرآن ، فقال : ما يصنع هؤلاء ; فقال ابن مسعود : يقسمون ميراث محمد - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              قال عبد الله بن عمرو : عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموا أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون ، وكفى به واعظا لمن عقل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن مسعود : لا يسأل أحد عن نفسه غير القرآن ، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله ، وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا قال : "إن لله أهلين من الناس " قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : "هم أهل القرآن أهل الله وخاصته " .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية