الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5043 5358 - حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرا من حديثه، فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته، فقال مالك: انطلقت حتى أدخل على عمر، إذ أتاه حاجبه يرفا، فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم. فأذن لهم قال: فدخلوا وسلموا فجلسوا، ثم لبث يرفا قليلا، فقال لعمر: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم. فأذن لهما، فلما دخلا سلما وجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا. فقال الرهط -عثمان وأصحابه-: يا أمير المؤمنين، اقض بينهما، وأرح أحدهما من الآخر. فقال عمر: اتئدوا، أنشدكم بالله الذي به تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نورث، ما تركنا صدقة؟". يريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه. قال الرهط قد قال ذلك. فأقبل عمر على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك. قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خص رسوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المال بشيء لم يعطه أحدا غيره، قال الله: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل إلى قوله: قدير [الحشر: 6]. فكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله ما احتازها دونكم، ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم، حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله [ ص: 29 ] - صلى الله عليه وسلم - ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي، فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حياته، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. قال لعلي وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم. ثم توفى الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنتما حينئذ -وأقبل على علي وعباس- تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا، والله يعلم أنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك، وأتى هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها، فقلت: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبما عمل به فيها أبو بكر، وبما عملت به فيها، منذ وليتها، وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك. فدفعتها إليكما بذلك، أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ فقال الرهط: نعم. قال: فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك، حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها فأنا أكفيكماها. [انظر: 2904 - مسلم: 1757 - فتح: 9 \ 502]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث محمد -هو ابن سلام- عن وكيع، عن ابن عيينة قال: قال معمر: قال لي الثوري: هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو بعض السنة؟ قال معمر: فلم يحضرني، ثم ذكرت حديثا ثناه ابن شهاب الزهري، عن مالك بن أوس، عن عمر - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم [ ص: 30 ] ثم ذكر حديث عقيل، عن ابن شهاب، عن مالك، عن عمر رضي الله عنه مطولا.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، وقد سلف في الخمس والمغازي .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: دليل -كما ترجم له- ادخار القوت للأهل والعيال، وأنه ليس بحكرة، وأن ما ضمه الإنسان من أرضه أو جده من نخله وثمره وحبسه لقوته، لا يسمى حكرة، ولا خلاف في هذا بين الفقهاء، كما قاله المهلب.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري: وفيه رد على الصوفية في قولهم: إنه ليس لأحد ادخار شيء في يومه لغده، وأن فاعل ذلك قد أساء الظن بربه، ولم يتوكل عليه حق توكله. ولا خفاء بفساد هذا القول; لثبوت الخبر عن الشارع أنه كان يدخر لأهله قوت السنة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أكبر الأسوة; لأمر الله تعالى عباده اتباع سنته، فهو الحجة على جميع خلقه، وقد سلف ذلك في الخمس واضحا.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله فيه: ("لا نورث ما تركناه صدقة") أخطأ فيه الشيعة وطعنوا فيه، وقالوا: إنه مردود بقوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم الآية [النساء: 11]، وهو من العجائب، وأعجب منه استدلالهم بمطالبة فاطمة وعلي والعباس أبا بكر بالميراث.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 31 ] قال القاضي أبو بكر الباقلاني: الآية وإن كانت عامة فإنما توجب أن يورث عنه ما يملكه دون ما لا يملكه، فيقال لهم: دلوا على أنه كان يملك ذلك سلمناه، لكن ليست عندنا وعند منكر العموم; لاستغراق الجنس في المالكين وكل متوفى، فإنما بنى على أقل الجمع، وما فوقه محتمل يوجب التوقف فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وعند كثير من القائلين بالعموم خص منه الشارع كما بينه، وبه احتج الصديق، وكذا حديث "ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة" وغيره، فإن قيل: هذه الأموال صدقة في المصالح، فقد ساغ لعلي والعباس الأكل منها إن وقع، والصدقة محرمة عليهما.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: لا، فإنما حرم عليهم الفرض فقط، أو أكلوا بحق العمل، وقد سلف كل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (تزعمان أن أبا بكر كذا وكذا) إما أن يريد ما كانت بنو هاشم تطلب من خمس الخمس ويأبى الصديق إلا ما يكفيهم، أو غير ذلك، لا يريد من جهة الميراث.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية