الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5275 [ ص: 143 ] [ 9 - باب: نقيع التمر ما لم يسكر ]

                                                                                                                                                                                                                              5597 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد، أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لعرسه، فكانت امرأته خادمهم يومئذ وهي العروس. فقالت: ما تدرون ما أنقعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور. [انظر: 5176 - مسلم: 2006 - فتح 10 \ 62]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ساق فيه خمسة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              حديث محمد بن عبد الله أبي أحمد الزبيري: ثنا سفيان، عن منصور، عن سالم، عن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الظروف، فقالت الأنصار: إنه لا بد لنا منها. قال: "فلا إذا".

                                                                                                                                                                                                                              وقال لي خليفة: ثنا يحيى بن سعيد، ثنا سفيان، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بهذا.

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا علي، ثنا سفيان قال: لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأوعية.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، عن سليمان بن أبي مسلم الأحول، عن مجاهد، عن أبي عياض - واسمه: عمرو بن الأسود. وقيل: قيس بن ثعلبة العبسي الكوفي، كان حيا في ولاية معاوية، انفرد به البخاري - عن عبد الله بن عمرو قال: (لما) نهى النبي - صلى الله عليه وسلم -

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 144 ] عن الأسقية، قيل له: ليس كل الناس يجد سقاء. فرخص لهم في الجر غير المزفت.


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا سفيان بهذا، وقال: لما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأوعية.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث إبراهيم التيمي - تيم الرباب، وهو إبراهيم بن يزيد - عن الحارث بن سويد - وهو تيمي أيضا تيم الرباب مات في آخر ولاية عبد الله بن الزبير - عن علي - رضي الله عنه - : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدباء والمزفت. حدثنا عثمان، ثنا جرير، عن الأعمش بهذا.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم والترمذي من هذا الوجه وأبو داود والترمذي من حديث مالك بن عمير عنه.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث منصور عن إبراهيم: قلت للأسود: هل سألت عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين عما يكره أن ينتبذ فيه؟ فقال: نعم، قلت: يا أم المؤمنين، عما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينتبذ فيه؟ قالت: نهانا - أهل البيت -

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 145 ] أن ننتبذ في الدباء والمزفت.
                                                                                                                                                                                                                              قلت: أما ذكرت الحنتم الجر؟ قال: إنما أحدثك بما سمعت، أحدث بما لم أسمع؟!

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه مسلم والنسائي .

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث الشيباني: سمعت عبد الله بن أبي أوفى قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجر الأخضر. قلت: أنشرب في الأبيض؟ قال: لا. وأخرجه الترمذي . والشيباني: هو سليمان بن فيروز أبو إسحاق. أما حكم الباب فقد سلف واضحا.

                                                                                                                                                                                                                              وحاصله أقوال:

                                                                                                                                                                                                                              ذهب مالك إلى إجازة الانتباذ في جميع الظروف غير الدباء والمزفت، فإنه كره الانتباذ فيهما ولم ينسخ عنده وأخذ في ذلك بحديث علي وعائشة - رضي الله عنهما - أنه - عليه السلام - نهى عنهما .

                                                                                                                                                                                                                              وروي مثله عن ابن عمر .

                                                                                                                                                                                                                              وذهب الشافعي والثوري إلى كراهية الانتباذ في الدباء والمزفت والحنتم والنقير; للنهي عنها كما سلف في باب الخمر من العسل من حديث أنس.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 146 ] وقد روي النهي عن الانتباذ في هذه الأربعة من حديث ابن عباس في حديث وفد عبد القيس كما سلف في الإيمان والعلم .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى النهي عندهم عن الانتباذ فيها; لسرعة استحالة ما ينبذ فيها فتصير خمرا وهم لا يظنون ذلك، فيواقعون ما نهى الله عنه. وذكر الطبري القائلين بتحريم الشراب المتخذ في الأوعية المذكورة المنكرين أن تكون منسوخة عن عمر أنه قال: لأن أشرب من قمقم محمي فيحرق ما أحرق ويبقي ما أبقى أحب إلي أن أشرب من نبيذ الجر. وعن علي النهي عنه، وعن ابن عمر وابن عباس وجابر وأبي هريرة وأنس مثله، وقال ابن عباس لأبي جمرة: لا تشرب نبيذ الجر وإن كان أحلى من العسل. وكرهه ابن المسيب والحسن .

                                                                                                                                                                                                                              وقال إسماعيل بن إسحاق: قال سليمان بن حرب: كل شيء ذكر عمر كان يشرب نبيذ الجر أو يكرهه، فإنما هو الحلو، فأما المسكر فهو حرام في كل وعاء.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وأصحابه: الانتباذ في جميع الأوعية كلها مباح وأحاديث النهي عن الانتباذ منسوخة بحديث جابر وغيره ، ألا ترى أنه - عليه السلام - أطلق لهم جميع الأوعية والظروف حتى قالت الأنصار: إنه لا بد لنا منها. فقال: "فلا إذا" ولم يستثن منها شيئا.

                                                                                                                                                                                                                              واحتجوا بحديث جابر مرفوعا قال: "إني نهيتكم أن تنتبذوا في [ ص: 147 ] الدباء والحنتم والمزفت، فانتبذوا ولا أحل مسكرا" ، ورواه أبو سعيد الخدري أيضا مرفوعا مثله فيثبت بهذه الآثار نسخ ما جاء في النهي عن الانتباذ في الأوعية وثبت إباحة الانتباذ في الأوعية كلها.

                                                                                                                                                                                                                              وذكر الطبري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : الأوعية لا تحل شيئا ولا تحرمه.

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن عباس قال: كل حلال في كل ظرف حلال، وكل حرام في كل ظرف حرام .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا القول أولى بالصواب، وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتحريم كل مسكر وفي ذلك مقنع.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : النهي عن الأوعية إنما كان قطعا للذريعة، فلما قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنا لا نجد بدا من الانتباذ فيها قال: "انتبذوا، وكل مسكر حرام" وكذلك كل نهي كان بمعنى التطرق إلى غيره يسقط بمعنى الضرورة، وذلك كنهيه عن الصلاة بعد الصبح والعصر، ويجوز أن تصلى الجنائز في تلك الساعتين لما بالناس من الضرورة إلى دفن موتاهم، وليس كذلك لصلاة النافلة ولا ضرورة إلى صلاتها حينئذ، وكنهيه عن الجلوس في الطرقات، فلما ذكروا أنهم لا يجدون بدا من ذلك قال:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 148 ] "إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه وذلك غض البصر ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعون الضعيف، وإرشاد الضال" .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الجر الأبيض فهو مثل الأخضر; لأنه كله حنتم. وقال أبو عبيد : الحنتم جرار خضر كانت تحمل إليهم .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: لما نهى عن الأسقية يريد عن الظروف إلا الأسقية يوضحه باقي الحديث، إذ قيل له: ليس كل الناس يجد سقاء، فرخص في الجر غير المزفت أي: غير المطلي بالزفت، وهو حجة لمالك: أن الرخصة لم تدخل في الدباء والحنتم وأخواتها.

                                                                                                                                                                                                                              والدباء بالمد والقصر جمع: دباءة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 149 ] والحنتم: (الجرار الخضر) .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حبيب: هو الفخار كله . وسبق قبل ذلك النقير: وهو ما عمل من خشب. وقد سلف الاختلاف في علة النهي، فقيل: لئلا يبادرهم فيصير خمرا فيشربونه غير عالمين. وقيل: لأن فيه إضاعة مال. وإباحته - عليه السلام - الانتباذ في الأسقية وهي القرب; لقلة حرارتها فيؤمن أن تصير خمرا.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن السكيت: السقاء يكون للبن والماء، والوطب يكون للبن خاصة، والنحي للسمن، والقربة للماء، والجمع القليل أسقية وأسقيات والكثير أساق .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف في النهي هل هو باق؟ قال مالك: نعم. وخالفه ابن حبيب، وقال: ما كان بين نهيه عنها ورخصته فيها إلا جمعة. وروى ابن حبيب عن مالك أنه أرخص في الحنتم ، وروى القاضي أنه مجمع وإذا قلنا (بالنهي) ففعل قال محمد: يؤدب في الخليطين، وقال عبد الوهاب: إن سلم من السكر فلا بأس ، وهو أحسن كما قال ابن التين .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية