الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5515 5853 - حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من لم يكن له إزار فليلبس السراويل، ومن لم يكن له نعلان فليلبس خفين". [انظر: 1740 - مسلم: 1178 - فتح: 10 \ 308]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              السبت - بكسر السين - جلود البقر المدبوغة بالقرظ تتخذ منها [ ص: 32 ] النعال، سميت بذلك لأن شعرها سبت عنها. أي: حلق وأزيل; وقيل: لأنها أسبتت بالدباغ أي: لانت. قال أبو سليمان: قيل: إنما قيل لها ذلك، لأنها سبت ما عليها من الشعر .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: فيحتمل على قوله أن تكون السبت مفتوحة; لأن السبت بالفتح الحلق.

                                                                                                                                                                                                                              ذكر حديث حماد بن زيد، عن سعيد أبي مسلمة (قال) : سألت أنسا: أكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعليه؟ قال: نعم.

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الصلاة ، وأبو مسلمة سعيد بن زيد بن مسلمة الأزدي الطاحي البصري القصير أخرجا له.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عبيد بن جريج: أنه قال لعبد الله بن عمر: رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها .. الحديث سلف .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: (أما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها).

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عمر: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغا بزعفران أو ورس، وقال: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين".

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 33 ] والورس نبات أصفر، يصبغ به.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من لم يكن له إزار فليلبس السراويل، ومن لم يكن له نعلان فليلبس خفين".

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في الحج أيضا ، ولا شك أن النعال من لباسه - عليه السلام - وخيار السلف، قال مالك: والانتعال من عمل العرب، وفي أبي داود من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فقال: "أكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل" .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن وهب: النعال السبتية: التي لا شعر فيها، وقال الخليل والأصمعي: السبت فذكرا ما قدمته أول الباب، قال أبو عبيد: إنما ذكرت السبتية، لأن أكثر الجاهلية كان يلبسها غير مدبوغة إلا أهل السعة منهم ، وذهب قوم أنه لا يجوز في المقابر خاصة، لحديث بشير بن الخصاصية ، قال: بينا أنا أمشي في المقابر وعلي نعلان إذا رجل ينادي من خلفي: "يا صاحب السبتيتين" فالتفت فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إذا كنت في مثل هذا الموضع فاخلع نعليك" فخلعتهما ، فأخذ أحمد بظاهره، ووثق رجاله، وقال باقي الجماعة: لا بأس بذلك احتجاجا بلبسه - عليه السلام - لها، وفيه الأسوة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 34 ] الحسنة، ولو كان لباسهما في المقابر لا يجوز لبين الشارع ذلك لأمته، وقد يجوز أن يأمره بخلعهما لأذى كان فيهما، ولغير ذلك، يوضحه قوله - عليه السلام - : "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم" قاله الطحاوي، قال: وثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى في نعليه، فلما كان دخول المسجد بالنعال غير مكروه، وكانت الصلاة بهما غير مكروهة كان المشي بها بين القبور أحرى بعدمها .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأما الصفرة، فقد روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كان يصبغ بها لحيته. وروي عنه أنه كان يصبغ بها ثيابه. روى ابن إسحاق، عن سعيد المقبري، عن عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر: رأيتك تصفر لحيتك، فقال: فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصفر بالورس، فأنا أحب أن أصفر به كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع، وهو في الكتاب بلفظ: يصبغ بالصفرة، فأنا أحب أن أصبغ بها .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: قيل: معناه: يصفر لحيته، وقيل: ثيابه، وقال: من تأوله بصفرة الثياب قال: إن مالكا قال: لم يصبغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع أن ابن عمر كان يأمر بشيء من زعفران ومشق فيصبغ به ثوبه فيلبسه، قال عبد الرزاق: وربما رأيت معمرا يلبسه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 35 ] وروى ابن وهب، أخبرني عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ ثيابه كلها بالزعفران، حتى العمامة .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب: والصفرة أبهج الألوان (إلى النفوس) ، كذلك قال ابن عباس: أحسن الألوان كلها الصفرة، وتلا قوله: صفراء فاقع لونها تسر الناظرين [البقرة: 69].

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: وقد يمكن أن يستدل بلباسه - عليه السلام - النعال السبتية على أن الدباغ لا تأثير له في شعر الميتة، وأن الشعر ينجس بموت الحيوان، فكذلك اختار لباس ما لا شعر له إذ كانت النعال تكون من جلود الميتات المدبوغة والمذكيات المذبوحة ، ومذهب مالك خلاف هذا، وأن الشعر لا تحل فيه الروح ولا ينجس بالموت.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (رأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانين). يريد: الركن الأسود واليماني، وهذا مذهب الفقهاء ، وكان ابن الزبير يمس سائر الأركان، والأول هو القوي للاتباع، واليمانين بتخفيف الياء.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 36 ] قال الهروي: يقال: رجل يمان، والأصل يماني، فخففوا ياء النسبة، كقولهم تهامون، والسعدون، والأشعرون.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قيل: التصفير السالف ليس بصباغ، وإنما الصباغ الذي يغير الشيب، نحو ما أمر به - عليه السلام - أبا قحافة حين أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسه ولحيته كالثغامة فأمر بتغيير شيبه وقال: "جنبوه السواد" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الموطأ": أن عبد الرحمن بن عبد يغوث كان أبيض الشعر يحمر لحيته ورأسه، (قال) : إن عائشة - رضي الله عنها - أقسمت علي لأصبغن وأخبرتني أن أبا بكر كان يصبغ.

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك: ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصبغ ولو صبغ لأرسلت بذلك عائشة إلى عبد الرحمن، وكل ذلك واسع إن شاء صبغ أو ترك.

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك: في صبغه بالسواد لم أسمع في ذلك شيئا (معلوما) وغيره من الصبغ أحب إلي، وبه قال الشافعي.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: يصبغ به، و (قيل) : لا يغير شعره بسواد ولا غيره، وقيل: إن من كثر شيبه كأبي قحافة غيره، ومن قل لم يغيره، وهذا معنى الخبرين الواردين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 37 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (حتى تنبعث به راحلته). هو قول ابن حبيب، وأصح قولي الشافعي.

                                                                                                                                                                                                                              ومذهب مالك: تهل عند الاستواء قائمة، وقيل: معنى: (حتى تنبعث). أي: تنبعث من الأرض إلى القيام.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية