الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1392 [ 662 ] أخبرنا ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن مالك بن أوس، عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى حديث مالك وقال: حتى يأتي خازني.

قال: فحفظت لا شك فيه .

التالي السابق


الشرح

مالك: هو ابن أوس بن الحدثان بن عوف بن ربيعة النصري، أحد بني نصر بن معاوية، أدرك الجاهلية، وذكر بعضهم أن له صحبة.

روى [عن] عمر، وعثمان، وعلي، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم.

وروى عنه: الزهري، وابن المنكدر، ومحمد بن جبير بن مطعم، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وأبو عمرو بن حماس.

توفي سنة اثنتين وتسعين .

والحديث مودع في الموطأ وأخرجه البخاري عن [ ص: 390 ] عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم عن قتيبة عن الليث بروايتهما عن ابن شهاب، واللفظ "حتى يأتي خازني من الغابة" بلا شك كما رواه الشافعي عن ابن عيينة، وإنما شك في قراءته على مالك في خازنتي وخازني كما بينه.

والصرف: بيع النقد بالنقد، والمصارفة مفاعلة منه، والاصطراف افتعال، يقال: صرفت الدراهم بالدنانير، والصرف: فضل ما بين الدرهمين لجودة فضة أحدهما، والصيرفي: الصراف، والصيرف والصيرفي: المحتال المتصرف في الأمور، وصرفته في أمري تصريفا فتصرف واصطرف في طلب الكسب.

والتراوض والمراوضة: التساوم، مأخوذ من راضه يروضه; لأن كل واحد منهما يروض صاحبه لينقاد له ويجيبه إلى ما يريد.

والغابة: الأجمة والشجر [الملتف] والغابة: مال من أموال عوالي المدينة.

وقوله: "إلا هاء وهاء" والرواية المشهورة في اللفظة: المد وفتح الهمزة، قال الخطابي: ويروى: هاء بكسر الهمزة، وروى بعضهم: ها وها مقصورين، قال أهل اللغة: ها أي: خذ، تقول للرجل: هاك، وللاثنين: هاكما ، وللجميع: هاكم، وللمؤنث: هاك، هاكما، هاكن، وفيه لغة أخرى: وهي إقامة الهمزة مقام الكاف، في جميع ذلك تقول للرجل: هاء بفتح الهمزة، وللاثنين: هاؤما ، وللجميع: هاؤم، قال تعالى: هاؤم اقرءوا كتابيه أي: خذوه وانظروا إلى ما فيه، وللمرأة: [ ص: 391 ] هاء بالكسر بلا ياء، وللاثنين والجميع: هاؤما، وهاؤن.

ولغة ثالثة: وهي هاء بالهمزة والتسكين على مثال: خف وتقول للرجلين والمرأتين: هاءا مثل: خافا ، وللمرأة الواحدة: هائي مثل خافي، وللرجال: هاءوا كخافوا ، وللنساء: هأن مثل خفن.

ولغة رابعة: وهي هاءك بالمد وفتح الهمزة وكاف بعد الهمزة، وبكسر الكاف للمؤنث فتقول: هاءك، وتقول للرجل: هاء بالمد وكسر الهمزة أي: أعط وهو مثل هات، وللمرأة: هائي مثل هاتي، وللرجلين والمرأتين: هائيا مثل هاتيا ، وللرجال: هاءوا مثل هاتوا، وللنساء: هائين مثل هاتين، الهمزة فيها [مقامة] مقام التاء.

إذا عرف ذلك فمقصود الحديث اعتبار التقابض في مجلس العقد، وهو كما في سائر أحاديث الربا إلا يدا بيد، فمن روى: هاء وهاء بفتح الهمزة فالمعنى أنه يقول كل واحد منهما للآخر: خذ، فيأخذه ويحصل التقابض، ومن رواهما بالكسر فالمعنى أنه يقول كل واحد منهما للآخر: أعط، فيعطيه الآخر، وقد قيل: إن معنى الحديث: خذ وأعط، وعلى هذا فيجوز أن تقرأ: هاء وهاء الأول بفتح الهمزة والثاني بكسرها.

وفيه دليل على أن التقابض يعتبر في الصرف مع اختلاف الجنس; فإنه قال: الذهب بالورق ربا أو يشبه أن يكون اصطراف مالك بن أوس هكذا; ولذلك تعرض لاختلاف جنس النقدين ولم يتعرض [ ص: 392 ] للاختلاف في البر وغيره.

وفيه دليل على اعتبار التقابض في بيع المطعوم بالمطعوم كاعتباره في بيع النقد بالنقد.




الخدمات العلمية