الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1424 [ 698 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس سمع ابن عمر يقول: لا يبتاع الثمر حتى يبدو صلاحه، وسمعنا عن ابن عباس يقول: لا يباع الثمر حتى يطعم .

التالي السابق


الشرح

حديث سفيان عن الزهري عن سالم، رواه مسلم في صحيحه عن يحيى بن يحيى وغيره، عن ابن عيينة وممن رواه عن ابن عيينة: عبيد الله بن موسى [ ص: 416 ] .

وحديث مالك عن نافع مودع في الموطأ ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، بروايتهما عن مالك.

وحديث سفيان عن عبد الله بن دينار رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار، ورواه أيضا عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عبد الله بن دينار.

وحديث مالك عن حميد رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم عن أبي الطاهر بن وهب عن مالك، ورواه بعضهم عن حميد وجعل تفسير "حتى تزهي" وقوله: "أرأيتم إن منع الله الثمرة ..." من كلام أنس.

وحديث ابن أبي ذئب عن ابن سراقة عن ابن عمر رواه عنه عبيد الله بن موسى كما رواه ابن أبي فديك.

وحديث جابر بالمعنى مخرج في الصحيحين أما في البخاري فمن رواية سعيد بن ميناء، وأما في مسلم فمن رواية عطاء.

وظاهر الأخبار تدل على المنع من مطلق بيع الثمار قبل بدو الصلاح، لكن بيعها بشرط القطع جائز بالاتفاق، فيعمل بدلالته فيما إذا باع مطلقا وفيما إذا باع بشرط الإبقاء، وإذا بدا الصلاح فقد حصلت الغاية الممدود إليها المنع فيجوز البيع مطلقا ويشترط الإبقاء، وعند أبي حنيفة يجوز البيع مطلقا قبل بدو الصلاح وبعده ويؤمر بالقطع، ولا [ ص: 417 ] يجوز البيع بشرط الإبقاء في الحالتين، وفي هذا رفع الفرق بين ما قبل بدو الصلاح وما بعده، وهو خلاف الحديث، وإلى الفرق ذهب جابر وابن عباس وأبو هريرة وزيد بن ثابت وغيرهم، والمعنى فيه أن الثمار قبل بدو الصلاح ضعيفة صغيرة الجرم، يتسارع إليها الفساد بالجوائح والآفات، وإذا بدا الصلاح فيها قويت واشتدت فلا تتأثر بالعاهات، وعند شرط القطع يؤمن الهلاك بالعاهة.

وبدو الصلاح: أن تطيب الثمرة وتصير بحيث يعتاد أكلها، وذلك في الرطب بأن يقع فيه نقط الحمرة والسواد، وفي العنب بأن يأخذ في الاحمرار والاسوداد، فإن كان أبيض فبأن يثمره وتحدث فيه بعض الحلاوة، وفي المشمش والخوخ والتفاح بأن يطيب أكله، وفي القثاء والباذنجان بأن يكبر بحيث يجتنى في العادة الغالبة.

وقوله: "نهى البائع والمشتري" إنما نهى البائع لئلا يأخذ شيئا في مقابلة ما هو بصدد أن يملك، ولا يحصل منه شيء للمشتري فيكون آكلا للمال بالباطل، وإليه أشار بقوله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتم إن منع الله الثمرة، فبم يأخذ أحدكم مال أخيه؟ .

وإنما نهى المشتري لما فيه من المخاطرة والتغرير بالمال.

وفي قوله: "حتى يبدو صلاحها" دلالة على أنه لا يكتفي بوقت بدو الصلاح، بل لا بد من نفس بدو الصلاح في جملة الثمار أو بعضها.

وقوله: "حتى تزهي" وفي الرواية الأخرى "حتى تزهو" اللفظتان مفسرتان في الحديث، يقال: أزهت النخلة وزهت بمعنى واحد، ولم يصحح بعضهم في النخل إلا الإزهاء، وعن ابن الأعرابي أنه قال: زهت الثمر إذا ظهرت، وأزهت إذا احمرت أو اصفرت.

وقوله: "حتى تنجو من العاهة" العاهة: الآفة، يقال: أرض [ ص: 418 ] معيوهة، وعيه الزرع وأيف، وأعاه القوم: إذا أصاب ماشيتهم العاهة، وكذلك أعوهوا.

وقوله: "حتى تذهب العاهة" وتأقيته بطلوع الثريا ظاهره يقتضي ارتفاع المنع بطلوع الثريا، وقد ذهب إليه بعضهم، والظاهر أن الاعتبار بنفس بدو الصلاح لا بالزمان.

قالوا: وإنما ذكر طلوع الثريا، لأن الصلاح يبدو في الغالب إذا طلعت الثريا وتنقطع العاهات، ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إذا طلع النجم لم يبق في الأرض من العاهة شيء إلا رفع .

والنجم: الثريا، قال ابن قتيبة في كتاب الأنواء: أراد بذلك عاهة الثمار، لأنها تطلع بالحجاز وقد أزهى البسر وأمنت عليه الآفة.

وقوله: "قبل أن يطعم" أي قبل أن يؤكل منه على الاعتياد، والذي ذكر أنه كان يبيع الثمر من غلامه، كما أن المقصود أنه كان يدفعه إليه ليبيعه ويتجر فيه وكفل عليه خراجا معينا، وإلا فالسيد لا يبيع ماله من عبده، وإذا لم يكن الموضع موضع البيع لم يكن موضع الربا.

وقول ابن جريج لعطاء: أخص جابر؟ وجواب عطاء يشعران بأن جابرا خص ما نقله بالنخيل أو ثمار النخيل ثم قال عطاء: وكل ثمرة مثلها فينظر في صلاحها عند البيع وعدم الصلاح، ويروى أن ابن جريج قال لعطاء: فكل ثمرة كذلك لا تباع حتى يؤكل منها؟

قال: نعم [ ص: 419 ] .




الخدمات العلمية