الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1394 [ 717 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن أيوب، عن مسلم بن يسار ورجل آخر، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء عينا بعين يدا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح، والملح بالتمر، يدا بيد كيف شئتم.

قال: ونقص أحدهما التمر أو الملح.
.

قال أبو العباس الأصم: في كتابي: أيوب، عن ابن سيرين، عن مسلم ثم ضرب عليها ينظر كتاب الشيخ .

التالي السابق


الشرح

مسلم بن يسار أبو عبد الله البصري، مولى بني أمية القرشي [ ص: 438 ] .

روى عن: أبي الأشعث.

وروى عنه: أبو قلابة، ومحمد بن سيرين، وابنه عبد الله .

وحديث مالك بن أوس عن عمر مذكور من قبل بما لا بد منه من الشرح ، وأما الحديث الثاني ففي المسند روايته عن أيوب عن مسلم بن يسار ورجل آخر، وقال أبو العباس: في كتابي عن أيوب عن ابن سيرين عن مسلم، لكن ضرب عليه في كتاب الشيخ -يعني الربيع- فترك ذكر ابن سيرين، والصواب إثباته، وقد رواه المزني في المختصر فقال: قال الشافعي: أبنا عبد الوهاب، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن مسلم بن يسار ورجل آخر، عن عبادة بن الصامت وساق الحديث، وقال بعد قوله: ونقص أحدهما التمر أو الملح:

وزاد الآخر: فمن زاد أو استزاد فقد أربى ويروى: فمن زاد وازداد فقد أربى.

والحديث صحيح، أخرجه مسلم مع قصة، فروى عن عبيد الله بن عمر القواريري، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث فقالوا: أبو الأشعث أبو الأشعث، فجلس فقلت له: حدث أخانا حديث عبادة بن [ ص: 439 ] الصامت قال: نعم، غزونا غزاة وعلى الناس معاوية، فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة، فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو [ازداد] فقد أربى، فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال: ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه ولم نسمعها منه، فقام عبادة فأعاد القصة ثم قال: لنحدثن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كره معاوية ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء.

وروى أيضا مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد.

والرجل الآخر المذكور في رواية الشافعي يقال: هو عبد الله بن عبيد المعروف بابن هرمز، روي عن يزيد بن زريع عن سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين أن مسلم بن يسار وعبد الله بن عبيد قالا: جمع المنزل بين عبادة ومعاوية في بيعة أو [كنيسة] ... وذكر حديث [ ص: 440 ] الصرف بطوله .

وقوله: ونقص أحدهما التمر والملح يريد أن أحد الروايتين من مسلم ومن الرجل الآخر لم يذكر: أو الملح في الرواية وقد لا يوجد في نسخ المسند: ولا التمر بالتمر في سياق الخبر.

وقوله: وزاد الآخر، أي الذي لم ينتقص التمر أو الملح.

وقوله: فمن زاد أو استزاد، قيل: هو شك من بعض الرواة، وقيل: هما منقولان من لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأراد من أعطى الزيادة من طلبها وأخذها، وشبهه بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: الراشي والمرتشي في النار .

وذكر الأئمة أن مسلما لم يسمع الحديث من عبادة وإنما سمعه من أبي الأشعث الصنعاني عن [عبادة] وبه تشعر القصة المذكورة.

واتفق جمهور العلماء على أن الربا لا يختص بالأشياء الستة المنصوص عليها في الخبر، ثم اختلفوا فقيل: يتعدى إلى جميع الأموال بعموم المالية، وامتنع منه المعظم وعللوا الربا في النقدين بمعنى وفي المطعومات الأربعة بمعنى; أما في النقدين فقد قيل: المعنى جوهرية الأثمان وبه قال مالك والشافعي، وعلل آخرون [بالوزن] وبه قال أبو حنيفة وأجرى الربا في كل ما يعتاد وزنه [ ص: 441 ] كالحديد والقطن، واحتج عليهم بأن إسلام الدراهم في الموزونات جائز بالاتفاق، ولو كان المعنى الوزن لما جاز كإسلام الذهب في [....] والبر في الشعير.

وأما المطعومات الأربعة فقد قيل: المعنى فيها الكيل وبه قال أبو حنيفة وأجرى الربا في الجص والنورة، وقيل: الطعم مع التقدير بالكيل أو الوزن وبه قال سعيد بن المسيب والشافعي في القديم وعلل في الجديد بمجرد الطعم.

وإذا بيع ربوي بربوي نظيران تجانسا كالذهب ، والبر بالبر لم يجز إلا بشرط التساوي في المعيار الشرعي وهو الكيل في المكيلات والوزن في الموزونات وبشرط الحلول وبشرط التقابض في مجلس العقد، فإن تفرقا قبل التقابض فسد العقد وإن لم يتجانسا، فإن لم يتوافقا في المعنى كالذهب بالبر فهو كبيع الربوي بغير الربوي أو غير الربوي بغير الربوي; فلا يشترط شيء من هذه الشروط، وإن توافقا كالذهب بالورق والبر بالشعير لم يشترط التساوي ولكن يشترط الحلول والتقابض، واستفيد اشتراط التساوي من قوله: سواء بسواء ولا تغني رعاية التقابض عن رعاية التساوي، وكان في أول قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة يجوز البيع مع التفاضل إذا روعي الحلول والتقابض وعلى ذلك أطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "إنما الربا في النسيئة" ثم نسخ ذلك فروي عن عثمان -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما" . وعن أبي سعيد; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع [ ص: 442 ] الذهب بالذهب وبيع الورق بالورق إلا سواء بسواء.

وكل هذا مروي في الصحيح .

وروى الشافعي عن مالك عن عطاء بن يسار; أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ذهب أو من ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل، فقال معاوية: ما أرى بهذا بأسا. فقال له أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية! أخبره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويخبرني عن رأيه! لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية: أن لا تبع إلا مثلا بمثل.

وذكر الشافعي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الربا في النسيئة تنزيلا آخر فقال: يحتمل أنه سئل عن الربا في جنسين مختلفين ربويين بمعنى واحد كالذهب والورق فقال: الربا في النسيئة ويعني: والصورة هذه، فأدى الراوي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وترك السؤال.

واستفيد اشتراط الحلول من قوله: عينا بعين، وأيضا فقد قال لهما: الربا في النسيئة وأيضا فقد سبق في حديث أبي سعيد الخدري: ولا تبيعوا غائبا منها بناجز.

واستفيد اشتراط التقابض من قوله: يدا بيد، وقوله: ولكن بيعوا الذهب بالورق، إلى أن قال: يدا بيد كيف شئتم، يدل على [ ص: 443 ] اشتراط التقابض مع اختلاف الجنس، وعلى أنه لا فرق في ذلك بين بيع النقد بالنقد والمطعوم بالمطعوم; لأن قوله: يدا بيد يتعلق بالجميع، وعند أبي حنيفة: لا يشترط التقابض في الأموال الربوية إلا في بيع النقد بالنقد.

وفي قوله: كيف شئتم، دلالة على أنه لا بأس بالتفاضل عند اختلاف الجنس.

وفي حديث عبادة من رواية أبي الأشعث الصنعاني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: الذهب بالذهب تبره وعينه، وزنا بوزن، والفضة بالفضة تبرها وعينها وزنا بوزن ... إلى أن قال: ولا بأس ببيع الشعير بالبر يدا بيد والشعير أكثرهما .

والتبر: قطع الذهب والفضة قبل أن تضرب وتطبع دراهم، الواحدة: تبرة، والعين: المضروب من الدراهم والدنانير. ذكره أبو سليمان الخطابي .

وما روي وقصة حديث عبادة أن معاوية أمر رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس يحتمل أنه كان يبيعها بأكثر من وزنها، وكان على أن يضرب الثمن إلى أعطيات الناس، فأنكر عبادة ذلك; لاشتراط التماثل، ويحتمل أنه أراد أنه كان يبيعها بأكثر مؤجلا إلى العطاء فأنكره لاشتراط الحلول، وفي بعض الروايات أن عبادة شهد الناس يتبايعون آنية الذهب والفضة إلى الأعطية فروى لهم الحديث [ ص: 444 ] .




الخدمات العلمية