الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1721 [ 748 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك بن أنس، عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري قال: اختصم زيد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار، فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد: أحلف له مكاني. فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق، فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر، فجعل مروان يعجب من ذلك.

قال مالك: كره زيد صبر اليمين
.

التالي السابق


الشرح

هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري يعد في أهل المدينة.

سمع: عامر بن سعد، وسعيد بن المسيب.

روى عنه: مروان الفزاري، ويحيى بن أبي زائدة، وأبو أسامة، [ ص: 481 ] وأبو بدر شجاع بن الوليد .

وعبد الله بن نسطاس.

ذكر أبو داود السجستاني أنه من آل كثير بن الصلت الكندي، وقال بعضهم: نسطاس غلام كثير.

روى عن: جابر بن عبد الله، وغيره .

وأبو غطفان بن طريف المري يقال أن اسمه يزيد وهو ممن اشتهر بالكنية.

وروى عنه: داود بن الحصين وغيره .

وابن مطيع: هو عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي القرشي.

سمع: أباه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وروى عنه: محمد بن أبي موسى، وغيره .

وحديث ابن نسطاس عن جابر أخرجه أبو داود السجستاني في السنن عن عثمان بن أبي شيبة عن ابن نمير عن هاشم ، وأبو عبد الله بن ماجه عن عمرو بن رافع عن مروان بن معاوية عن [ ص: 482 ] هاشم وزادا: ولو على سواك أخضر.

ويروى مثله عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

والمقصود أن من وجوه تغليظ اليمين التغليظ بالمكان، وذلك بأن يحلف في أشرف مواضع البلد وهو بمكة بين البيت والمقام، وبالمدينة عند منبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقال: على المنبر، وببيت المقدس عند الصخرة، وفي سائر البلاد في المقصورة عند المنبر، ومن أصحابنا من لم يعتبر في سائر البلاد موضع المنبر.

واختلف قول الشافعي في أن هذا التغليظ مستحق أو مستحب، والظاهر الثاني، وإنما يجري التغليظ في دعوى الدم والنكاح والطلاق والرجعة وسائر ما ليس بمال ولا المقصود منه المال، وأما الأموال فيشرع التغليظ في الكثير منها دون القليل، لما روي أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوما يحلفون بين المقام والبيت فقال: أعلى دم؟

قالوا: لا، قال: أفعلى عظيم من المال؟

قالوا: لا، قال: لقد خشيت أن يبهى الناس بهذا المقام .

يقال: بهأت بالشيء إذا أنست به حتى سقطت هيبته من قلبك.

ويشبه أن تكون الدار في خصومة زيد بن ثابت وابن مطيع من حد [ ص: 483 ] الكثير، والكثير ما يبلغ قدر عشرين دينارا أو مائتي درهم بالعين أو القيمة، وذكر المنبر في حديث جابر يدل على اختصاص اليمين الفاجرة على المنبر بمزيد الإثم.

ورواه شجاع بن الوليد وغيره عن هاشم بن هاشم وقال: عند المنبر ولم يقل: عند منبري وذلك يوافق وجه اعتبار المنبر في سائر البلاد، وفي قصة زيد بن ثابت ومروان ما يدل على التغليظ بالتحليف على المنبر، ولولا أنه مشروع لقال زيد: ليس علي الحلف كما تقول.

وقوله: "إلا عند مقاطع الحقوق" يجوز أن يريد الموضع الذي تبين فيه الأحكام والحدود، وتنفصل بالبيان فيه الحقوق فتمتاز وتنقطع بعضها عن بعض.

وقول مالك: "كره زيد صبر اليمين" الصبر: الحبس، ويمين الصبر: هي التي يلزم ويجبر عليها الحالف، والمعنى أنه كان يبتدئ باليمين على أنه محقق ولكنه أبى أن يحلف بتحليف الحاكم تورعا عن اليمين الصادقة إذا ألزم بها، وهو كما يروى أن عثمان - رضي الله عنه - ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها وافتدى منها وقال: أخاف أن يوافق قدر بلاء فيقال بيمينه ، ويجوز أن يشير مالك بما ذكره إلى أن امتناعه عن اليمين لم يكن لأن مروان كان يحلفه على المنبر، ولكنه لم يرد الحلف بالتحليف، وذهب مالك إلى التحليف على المنبر في ربع دينار فصاعدا.

وقال أبو حنيفة وأحمد: لا تغليظ بالمكان ولا بالزمان [ ص: 484 ] .




الخدمات العلمية