الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
309 [ 784 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى ابن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر أنهم خرجوا يشيعونه وهو مريض فصلى جالسا وصلوا خلفه [جلوسا] .

التالي السابق


الشرح

حديث عائشة بالإسناد المذكور معاد قد مر مرة في المسند ومعناه بأكمل منه مخرج في الصحيحين من رواية الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، رواه البخاري عن قتيبة عن أبي معاوية، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية ووكيع، بروايتهما عن الأعمش.

وحديث عبيد بن عمير على إرساله مذكور من قبل أيضا بتمامه ، واقتصر ها هنا على أنه بمعنى حديث عروة عن عائشة، ويقال: إن عبيدا رواه عن عائشة.

وحديث عروة عن عائشة صريح في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم أبا بكر وروى [ ص: 35 ] شبابة بن سوار عن شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه خلف أبي بكر قاعدا .

وجمع بين الروايتين بأن قيل: أم النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر في صلاة الظهر، واقتدى بأبي بكر في صلاة الصبح يوم الاثنين وهي آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أما أن إمامة النبي - صلى الله عليه وسلم - واقتداء أبي بكر به كانت في صلاة الظهر; لأن في الصحيحين من رواية عبيد الله بن عتبة عن عائشة; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس في مرضه فصلى بهم أبو بكر في تلك الأيام، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - وجد خفة من نفسه فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتأخر، وقال لهما: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم، والناس يصلون بصلاة أبي بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاعد. وذكر الحافظ أبو بكر البيهقي أن ذلك كان يوم السبت أو الأحد.

وأما أن ائتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي بكر كان في صلاة الصبح; فلأن موسى بن عقبة روى في المغازي; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس وغلام له وقد صلى أبو بكر - رضي الله عنه - بالناس ركعة فصلى معه الركعة الثانية، فلما سلم أبو بكر أتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته. وقد أشار الشافعي إلى هذا الجمع [ ص: 36 ] وذكرناه على الاختصار من قبل.

وقوله: "فقعد إلى جنب أبي بكر" في رواية الأسود عن عائشة: "فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس يسار أبي بكر".

واحتج به على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إماما، فإنه جعل أبا بكر على يمينه وهو موقف المأموم.

وقوله: "وأم أبو بكر الناس" ليس على معنى أن أبا بكر كان مأموما وإماما معا، ولكن المراد أنهم كانوا يعتمدون أبا بكر - رضي الله عنه - في الانتقالات إذ كان لا يبلغهم صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - لضعفه، ولا يرى أكثرهم شخصه; لأنه كان جالسا، ويوضحه أن علي بن مسهر روى القصة عن الأعمش بإسناده الذي سبق وفيه: "فكان النبي يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير" .

واستدل الشافعي - رضي الله عنه - بالقصة على أن الإمام إذا قعد لعذر يصلي المأمومون خلفه قياما، ورآها ناسخة لما رواه أنس وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا" لأن القصة تتعلق بآخر أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر ينسخ الأول، وحمل ما روي عن جابر "أنه صلى جالسا والقوم خلفه جلوسا" على أنه لم يعرف النسخ فعمل بما عمله أولا.

وفي القصة دليل على أنه يجوز للمريض أن يؤم خلافا لمالك، وعلى أنه لا بأس أن يقف أحد المأمومين يجنب لأمر يعرض [للإمام] ولا يتخنس إلى خلف ليدخل الصف .

[ ص: 37 ] الأصل




الخدمات العلمية