الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
660 [ 830 ] أبنا الربيع أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة أنه سمع عائشة تقول: إن كان ليكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أصومه حتى يأتي شعبان .

التالي السابق


الشرح

حديث "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" صحيح مخرج في الصحيحين من رواية سالم عن أبيه: رواه البخاري عن علي بن المديني، ومسلم عن زهير بن حرب وعمرو الناقد، بروايتهم عن سفيان واللفظ إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها".

وقوله: "تفلات" أي: غير متطيبات لئلا يحرك ريح الطيب الشهوات، والتفل: الرائحة الكريهة، ويقال منها: تفل يتفل تفلا، والتفل أيضا: البزاق، ويقال منه: تفل يتفل تفلا إذا رمى بالقليل منه.

وحمل النهي عن المنع على الاستحباب; لما روي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة -ويقال: أم لبيبة- عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها، ولأن تصلي في حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار، ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد" ثم موضع الاستحباب ما إذا لم تخف سوءا ولم تكن زينة، وقد [ ص: 88 ] روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أحدث النساء بعده لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل .

وقوله: "إذا خرجن فليخرجن تفلات" يشير إلى هذا المعنى، وفي "الصحيح" من رواية أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة" ويمكن أن يقال: مقصود الخبر أن النساء لا يمنعن جملة من دخول المساجد والاعتكاف فيها; وذلك لأن المساجد بنيت للجمعات والجماعات، والجمعة يختص وجوبها بالرجال، والجماعة في سائر الصلاة لا تستحب للنساء استحبابها للرجال، فقد يتوهم لذلك أن المساجد تختص بالرجال; ويقطع هذا الوهم بقوله: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله".

ورأى الشافعي -رضي الله عنه- حمل الحديث على المسجد الحرام، وليس لأحد منعها من إتيان المسجد الحرام لإقامة فرض الحج، واحتج لذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك، وأيضا عن زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد، والبخاري عن آدم، بروايتهما عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، وأخرى عن أبيه عن أبي هريرة; وأيضا لحديث ابن عباس المذكور بعده وهو صحيح أيضا: أخرجه البخاري عن قتيبة [ ص: 89 ] بن سعيد، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، بروايتهما عن سفيان.

ووجه الاحتجاج أن في هذين الخبرين منعها من السفر بلا محرم، ومعلوم أنها إذا أرادت السفر لإتيان مسجد لم يجب على المحرم أن يخرج معها فهي إذا ممنوعة عن أكثر المساجد، فعلم أنه ليس المراد من الحديث ظاهره، وفي معنى المحرم الزوج; لما روي في "الصحيح" عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسافر امرأة سيرا ثلاثة أيام فصاعدا إلا مع ابنها أو أبيها أو أخيها أو زوجها أو ذي محرم" واستدل بالحديث على أن المرأة إذا لم تجد من يخرج معها لم يلزمها الحج، وأقام مالك والشافعي النسوة الثقات مقام المحرم لحصول الأمن بهن.

وقوله: "تسافر مسيرة يوم وليلة" يبين أن المنع من السفر بلا محرم لا يختص بالسفر الطويل وعند أبي حنيفة إذا لم يكن مع المرأة محرم ولا زوج فلا تخرج إلى الحج إلا أن تكون المسافة بينها وبين مكة دون ثلاثة أيام، وقد أطلق في حديث ابن عباس المنع، واستثني عن الحديث الكافرة إذا أسلمت في دار الكفر والمسلمة إذا تخلصت من الأسر، وقيل: يلزمها الخروج بلا محرم إذا اجترأت ولم تخف الوحدة.

وحديث عائشة في تأخير قضاء الصوم صحيح مودع في الموطأ وأخرجه الشيخان عن أحمد بن عبد الله بن يونس عن [ ص: 90 ] زهير عن يحيى بن سعيد وفي آخره: "الشغل من النبي أو بالنبي - صلى الله عليه وسلم –" وأورده الشافعي في هذا الموضع مؤيدا به كلامه في جواز المنع من الخروج إلى أكثر المساجد أي: إذا كان للزوج أن يمنعها من المبادرة إلى قضاء الصوم مع وجوبه، فأولى أن يجوز له المنع من الخروج إلى المسجد الذي ليس هو بواجب، والحديث يدل على أنه يجوز تأخير القضاء، وأنه لا يجوز التأخير إلى أن يدخل رمضان السنة القابلة وإن أخر من غير عذر حتى دخل رمضان السنة القابلة فعليه مع القضاء أن يطعم لكل يوم مسكينا يروى ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة، وبه قال الزهري ومالك والشافعي وأحمد، ومنهم من قال: يقضي ولا فدية عليه، وبه قال أبو حنيفة، وقيل: يطعم ولا قضاء عليه.




الخدمات العلمية