الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
311 [ 116 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد الوهاب الثقفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثني ابن أبي مليكة أن عبيد بن عمير الليثي حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يصلي بالناس الصبح، وأن أبا بكر كبر فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض الخفة، فقام يفرج الصفوف قال: وكان أبو بكر لا يلتفت إذا صلى، فلما سمع أبو بكر الحس من ورائه عرف أنه لا يتقدم إلى ذلك المقعد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخنس وراء إلى الصف، فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانه، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر قائم، حتى إذا فرغ أبو بكر قال: أي رسول الله، أراك أصبحت صالحا وهذا يوم بنت خارجة، فرجع أبو بكر إلى أهله فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانه وجلس إلى جنب الحجرة يحذر الفتن وقال: "إني والله لا يمسك الناس علي بشيء إلا أني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه، يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله، اعملا لما عند الله، فإني لا أغني عنكما من الله شيئا". .

[ ص: 270 ]

التالي السابق


[ ص: 270 ] الشرح

حماد: هو ابن سلمة بن دينار أبو سلمة الربعي البصري مولى ربيعة بن مالك بن حنظلة، ويقال: مولى قريش، وهو ابن أخت حميد الطويل.

سمع: ثابتا البناني، وداود بن أبي هند، وأيوب، وهشام بن عروة.

وروى عنه: يزيد بن هارون، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى القطان، ووكيع.

مات سنة سبع وستين ومائة وهو ابن خمس وسبعين.

وابن أبي مليكة: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي المكي الأحول القاضي، أبو بكر أو أبو محمد.

سمع: عائشة، وابن عمر، وابن عباس.

ويقال: أدرك ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فصاعدا.

وروى عنه: ابن جريج، والليث بن سعد، وغيرهما مات سنة سبع عشرة ومائة.

وعبيد: هو ابن عمير بن قتادة الليثي، أبو عبد الله أو أبو عاصم كان يقص لأهل مكة ويحسن.

سمع: عائشة، وأبا موسى، وأبا سعيد، وأبا هريرة [ ص: 271 ]

وروى عنه: عطاء بن أبي رباح، وأبو الزبير، وعمرو بن دينار.

ويقال: إنه مات قبل ابن عمر - رضي الله عنه -.

وقوله: لا يتقدم إلى ذلك المقعد في بعض النسخ: إلى ذلك المقام وفي الأم: لا يتقدم ذلك المتقدم، ولما ذكر الشافعي وقت الصلاة في السفر عقبه بباب في صلاة المريض؛ لأن السفر والمرض يشتركان في كثير من الرخص.

وقوله: وأم أبو بكر الناس وهو قائم يعني: أن الناس كانوا يعتمدون أبا بكر في الانتقالات وهم مؤتمون بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالسا ضعيف الصوت لا ينتهي إليه نظرهم ولا يسمعون صوته، فكان أبو بكر يسمعهم تكبيره وكانت تلك الصلاة صلاة الظهر، كذلك رواه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة.

وفيه أنه تجوز الصلاة بإمام بعد إمام، وأنه يجوز لبعض المأمومين إعلام الباقين برفع الصوت بالتكبير، وأن الإمام يقعد عند المرض والمأموم يقوم كما قام أبو بكر، وعد هذا ناسخا لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به... الحديث، فإن هذا كان في آخر الأمر؛ وأما صلاة الصبح المذكورة في الحديث الثاني فكان الإمام فيها أبا بكر - رضي الله عنه - والنبي - صلى الله عليه وسلم - اقتدى به في الركعة الثانية وهي آخر صلاة صلاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 272 ]

وقوله: فخنس أي: تأخر، يقال: خنس يخنس، والمصدر: الخنوس.

وقوله: حتى إذا فرغ أبو بكر يشبه أن يريد من الصلاة، وفيه إشارة إلى أن أبا بكر كان يؤم.

وقوله: أصبحت صالحا يريد الخفة وتمهد عذره في الانصراف من عنده.

وقوله: وهذا يوم بنت خارجة، بنت خارجة إحدى زوجتي أبي بكر - رضي الله عنه - وكانت حاملا وقت وفاته بابنته أم كلثوم، وفي قوله: هذا يومها إشارة إلى أن للنهار مدخلا في القسم وإن كان الأصل الليل.

وقوله: يحذر الفتن أي: ينهى عن السعي فيها ويرغب في التحرز، على ما اشتهر في الخبر: ستكون فتنة يكون المضطجع فيها خيرا من الجالس، والجالس خيرا من القائم، والقائم خيرا من الماشي، والماشي خيرا من الساعي.

وقوله: لا يمسك الناس علي بشيء أي: لا يطالبونني ولا يوقفونني لشيء إذ لا مظلمة لأحد عندي، وقيل: أراد لا يمسكن الناس علي بشيء مما أبيح لي أو حرم علي دونهم، وأشار إلى ما خص به من المباحات والمحرمات.

وقوله: لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه كأنه يعني بالكتاب: الوحي والحكمة، وإلا ففي السنة ما لا يشتمل عليه القرآن، وهي متبعة كما أن الكتاب متبع، وفي قوله: يا فاطمة بنت رسول الله، يا صفية عمة رسول الله ما هو كالتنبيه على منعهما من الاغترار بالنسب ومجرد القرابة [ ص: 273 ]

وقوله: اعملا لما عند الله يعني: من الخير والثواب، وفي الحديث بيان أن أبا بكر كان يقصد في الصلاة قصد وجهه ولا يلتفت كما هو الأدب.

والحديث الثاني مرسل، لكن روي طرف منه مسندا عن عبيد، عن عائشة، ويشبه أن يكون الثاني كذلك.




الخدمات العلمية