الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
208 [ 147 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم وعبد المجيد، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان لا يدع بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن والسورة التي بعدها.

التالي السابق


الشرح

ابن جريج: هو عبد العزيز بن جريج المكي مولى آل أمية بن خالد القرشي وكان رومي الأصل.

روى عن: عائشة، وسعيد بن جبير.

وروى عنه: ابنه عبد الملك بن جريج [ ص: 325 ]

وسعيد: هو ابن جبير بن هشام، أبو عبد الله الأسدي مولى بني والبة بن أسد بن خزيمة، من أكابر علماء التابعين، وكان مجاب الدعوة.

سمع: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وأبا موسى، وأبا هريرة، وأبا عبد الرحمن السلمي.

وروى عنه: حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وعمرو بن دينار، وأيوب، والأعمش، والخلق.

قتله الحجاج بن يوسف ظلما سنة خمس وتسعين.

وعبد الله بن عثمان بن خثيم: هو أبو عثمان المكي.

سمع: أبا الطفيل، وسعيد بن جبير، ومجاهدا.

وعن يحيى بن سعيد القطان قال: قدمت مكة سنة أربع وأربعين وقد مات عبد الله هذا.

وأبو بكر بن حفص أخو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري.

سمع: ابن عمر، وعروة بن الزبير.

وروى عنه: أبان بن عبد الله البجلي، وشعبة، وابن جريج.

وكان ينزل الكوفة، وسئل عنه يحيى بن معين فقال: كان رجلا صالحا [ ص: 326 ]

وإسماعيل: هو ابن عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي الأنصاري.

سمع: أباه وروى عنه: عبد الله بن عثمان بن خثيم.

وأبوه عبيد بن رفاعة الأنصاري المديني.

سمع: أباه رفاعة.

واستدل الشافعي بالأثر الأول على أن التسمية آية من الفاتحة بعد ما قدم أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ليبين أنه لا سبيل إلى تركها، وذلك لأن قوله تعالى: ولقد آتيناك سبعا من المثاني مفسر بالفاتحة، وعد ابن عباس التسمية إحدى السبع، ويدل عليه ما روي عن حفص بن غياث وغيره، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ بأم القرآن بدأ بسم الله الرحمن الرحيم يعدها آية، ثم قرأ الحمد لله رب العالمين بعدها ست آيات.

وعن عمر بن هارون البلخي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة،

عن أم سلمة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين . يقطعها آية آية وعدها عد الأعراب وعد [ ص: 327 ] بسم الله الرحمن الرحيم آية ولم يعد عليهم.

وتفسير السبع المثاني بالفاتحة مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وغيرهم - رضي الله عنهم -، وروي ذلك مرفوعا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

والمثاني واحدها مثناة: وهي كل شيء يثنى أي: يجعل اثنين، وسميت الفاتحة مثاني؛ لأنها تثنى في الصلاة بإعادتها في الركعات، وقيل: لأن الكلمات فيها مثناة؛ كالرحمن الرحيم، والرحمن الرحيم، وإياك وإياك، والصراط وصراط، وقيل: لأنه تثنى إنزالها فنزلت مرة بمكة وأخرى بالمدينة.

وقول ابن عباس: فذخرها لكم يجوز أن يريد الفاتحة، ويجوز أن يريد التسمية، والأول أظهر.

وأما الأثر عن أبي هريرة فيدل على أنه كان لا يترك التسمية، والظاهر أنه كان يجهر بها فحينئذ يظهر إطلاع المأمومين على الحال، وقد روي عن نعيم المجمر أنه قال: صليت وراء أبي هريرة وقال: بسم الله الرحمن الرحيم فقرأ بأم القرآن ووصف صلاته إلى أن قال: فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فرفع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 328 ]

وقوله: ببسم الله أدخلت الباء على الباء؛ لأن الباء الأولى متصلة بالاسم مقترنة به على كثرة الاستعمال في ابتداء كل أمر ذي بال، فنزلت لشدة الملازمة منزلة الحرف من الكلمة وأدخلت عليها الباء الخافضة، وهذا كإدخال اللام على اللام في قول من قال:


فلا والله لا يلفى لما بي ولا للماء بهم أبدا دواء



وأما قصة معاوية فقوله: فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يريد أنه جهر بها، وقوله في مقابلته: ولم يقرأ بها للسورة يشبه أن يريد ولم يجهر بها، ويدل عليه قوله من بعد: ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان ولولا أنه جهر لما اطلعوا على الحال سيما من كان بعيدا منه، وفي القصة دلالة على أن الجهر بالتسمية للفاتحة والسورة بعدها مسنون عند الجهر بالقراءة، وفي توافقهم على الاعتراض ما يشعر بأنهم كانوا كالمجمعين عليه.

وقوله: فلما صلى بعد ذلك وقوله في الرواية الأخرى: فصلى بهم صلاة أخرى يحتمل أن يريد أنه أعاد الصلاة التي صلاها، ويحتمل أن يريد الصلاة التالية للتي أداها.

وقوله: فقال ذلك فيها الذي عابوا عليه أي: عابوه عليه، وذلك بيان لقوله: فقال ذلك فيها كأنه قال أي: الذي عابوه عليه.

وقول الشافعي: وأحسب هذا الإسناد أحفظ من الإسناد الأول أشار به إلى ما فيهما من التفاوت، فإن في الإسناد الأول رواية ابن خثيم عن أبي بكر بن حفص عن أنس، وفي الثاني رواية ابن خثيم عن [ ص: 329 ] إسماعيل بن عبيد عن أبيه، وفي الأول أنه قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للفاتحة دون السورة، وفي الثاني إطلاق القول بأنه لم يقرأ وإنما مال إلى ترجيح الثاني؛ لأن الأول رواه ابن جريج، والثاني رواه إبراهيم ويحيى، وزيادة الرواة تثير زيادة الظن، ويحتمل أن يكون الترجيح من جهة أن بين الشافعي وبين ابن خثيم في الإسناد الأول اثنان وفي الإسناد الثاني واحد، والنزول في الإسناد يزيد في احتمال الغلط وغيره، على أنه يحتمل أن يكون ابن خثيم سمعه منهما فروى تارة هكذا وأخرى هكذا، وفي القصة دليل على أنه يجوز الاعتراض على من ترك بعض الشعائر وإن كان من المستحبات، وعلى أنه يجوز الاعتراض في الاستبعاد في مظان الاجتهاد، وفيها أن معاوية لما رأى تطابقهم وافقهم ورجع إلى قولهم؛ لأنه رجح عنده ما رجح عندهم.

وأما الأثر عن ابن عمر ففيه أنه كان لا يترك التسمية في الفاتحة والسورة جميعا، وقد رواه عن نافع كما رواه ابن جريج: جويرية بن أسماء وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر، وفي رواية عبيد الله عن نافع ورواية غير نافع أن ابن عمر كان يجهر بالتسمية للفاتحة وللسورة بعدها، وقد استفاض الجهر بالتسمية في الخبر والأثر، فعن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعا وعن علي وعمار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم [وعن ابن عباس]، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن سالم عن ابن عمر أنه كان [ ص: 330 ] يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ويذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بها. وعن نافع عن ابن عمر قال: صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: علمني جبريل الصلاة فقام فكبر لنا، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة. وعن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة؟

قلت: أقرأ الحمد لله رب العالمين. قال: قل بسم الله الرحمن الرحيم.
وعن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمني جبريل عند الكعبة فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وعن الحكم بن عمير وكان بدريا قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة. وعن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. وهذه الأحاديث قد أوردها جميعا بأسانيدها الحافظ الدارقطني رحمه الله في سننه.




الخدمات العلمية