الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
275 [ 214 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الرحمن بن حرملة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " "بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما أو نحو هذا".

التالي السابق


الشرح

حديث أبي هريرة صحيح أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك، ومسلم عن عمرو الناقد عن ابن عيينة عن أبي الزناد، وأخرجاه من حديث أبي صالح عن أبي هريرة مع زيادة في أوله وهي إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا وهذه الزيادة قريبة المعنى مما [ ص: 420 ] رواه الشافعي آخرا من رواية عبد الرحمن بن حرملة مرسلا، وفي الباب عن ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأبي الدرداء.

وقوله: من كتاب الإمامة بترجمة الشافعي في الأم والمراد كتاب الصلاة بالجماعة، ومن هذا الموضع عاد أبو العباس إلى ترتيب الأم.

وقوله: ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم يعني إلى رجال يتخلفون عن الجماعة، لكن اللفظ لا يقتضي كون الإحراق للتخلف؛ لأن لفظ الرجال منكر فيحتمل أنه أراد طائفة مخصوصين من صفتهم أنهم يتخلفون، فأما مطلق التخلف فإنه لا يقتضي الزجر بالإحراق، أما إذا لم نجعل الإقامة بالجماعة فرضا على الكفاية فظاهر، وأما إذا جعلناها فرضا على الكفاية فلأنه إذا قام بها بعض الناس يسقط الفرض عن الباقين، ويوضحه أن الشافعي قال في الأم بعد رواية الحديث: فيشبه أن يكون ما قاله من همه بالإحراق إنما قاله في قوم تخلفوا عن صلاة العشاء لنفاق والله أعلم.

وفيه أنه يجوز لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤم بحضوره إذا أمره به؛ لأنه قال: فآمر رجلا فيؤم الناس.

وقوله: عظما سمينا وفي بعض الروايات: عرقا سمينا وهو العظم بما عليه من اللحم، والمرماة فسرها أبو عبيد بما بين ظلفي الشاة من اللحم، وقيل: المرماتان: قطعتا لحم، وقيل: المرماة: السهم الذي يرمى به، والمرماتان: سهمان يحرز الرجل بهما سبقه، والميم الأولى من المرماة تفتح وتكسر، وذكر أنها إذا فسرت بالسهم [ ص: 421 ] فليس فيها إلا الكسر، وأن ميمها إذا فسرت بما بين الظلف أصلية.

وقوله: حسنتين أي: جيدتين، وقيل: الحسن: العظم في المرفق مما يلي البطن، والقبيح: عظم المرفق مما يلي الكتف وهما عاريان عن اللحم ليس عليهما إلا دسم قليل، ومقصود الكلام التوبيخ ومعناه أن أحدهم لو علم أنه يجد عظما قليل المنفعة لتسارع إليه فكيف يتكاسل عن الصلاة على عظم فائدتها، وأن أحدهم يسعى في إحراز سبق الدنيا فكيف يرضى لإهمال سبق الآخرة، وتخصيص العشاء في قوله: لشهد العشاء إشارة إلى أنه يسعى إلى الشيء الحقير في ظلمة الليل وهيبته فكيف يرغب عن الصلاة، وفي بعض الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خصص ذلك بصلاة العشاء فقال: آمر بصلاة العشاء فيؤذن لها... إلى آخره واحتج بذلك على فضيلة هذه الصلاة.

وقوله في رواية ابن حرملة: بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح يعني الآية والعلامة، فإنهم لا يشهدون امتثالا للأمر ولا احتسابا للأجر ويثقل عليهم الحضور في وقتهما فيتخلفون.




الخدمات العلمية