الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
470 الأصل

[ 247 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن أبي حازم قال: سألوا سهل بن سعد من أي شيء منبر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

قال: ما بقي من الناس أحد أعلم به مني، هو من أثل الغابة [ ص: 460 ] عمله له فلان مولى فلانة، ولقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صعد عليه استقبل القبلة فكبر ثم قرأ، ثم ركع، ثم نزل القهقرى فسجد ثم صعد فقرأ ثم ركع ثم نزل القهقرى ثم سجد.


التالي السابق


الشرح

هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان قال: وقام عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عمل ووضع، فاستقبل القبلة وكبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض فهذا شأنه، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه، وأيضا عن قتيبة عن يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد القرشي عن أبي حازم، وكذلك أورده أبو داود.

والأثل: شجر شبيه بالطرفاء، لكنه أعظم من الطرفاء، ويقال: إنه الطرفاء ويوافقه رواية من روى من طرفاء الغابة وكذلك هو في صحيح مسلم.

والغابة فسرها أبو سليمان الخطابي بالغيضة وأطلق، وذكر بعضهم أنها مال من أموال عوالي المدينة.

وقوله: عمله له فلان مولى فلانة هذا هو المشهور، وذكر أن [ ص: 461 ] سهلا كان يسمي المرأة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليها أن مري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها فأمرته فعملها.

ويروى أنظري غلامك النجار أي: أمهليه كأنه يقول: دعيه يترك ما كان يعمله ويعمل لي هذه الأعواد، وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما بدن قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله؟

قال: بلى،
فاتخذه.


والقهقرى: الرجوع إلى خلف، وإذا قلت: رجعت القهقرى فكأنك قلت: رجعت الرجوع الذي يعرف [بالقهقرى].

ومقصود الحديث أنه لما اتخذ المنبر ووضع ابتدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - حين صعده بالصلاة، فكبر وكبر الناس خلفه مؤتمين به فقرأ وركع، فلما انتهى إلى السجود نزل القهقرى، وإنما نزل كذلك لئلا يستدبر القبلة وسجد على الأرض عند أصل المنبر، ثم عاد إلى الصعود فلما انتهى إلى السجود في الركعة الثانية نزل القهقرى ثم عاد حتى فرغ من الصلاة، وروي أنه لما فرغ أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي.

وفيه أنه يحسن إذا اتخذ سرير أو استحدث بناء أن يبتدأ فيه بالصلاة، وأنه تجوز الصلاة على السرر والتخوت، ونزوله للسجود يشبه أن يكون لتضايق المنبر له خاصة إذا روعيت التخوية والهيئات [ ص: 462 ] المسنونة في السجود، وأنه لا بأس بالأفعال القليلة في الصلاة، وكان المنبر ثلاث درجات، قال الخطابي: ولعله قام على الثانية منها فلم يكن في نزوله وصعوده إلا خطوتان، وأنه يجوز الاقتداء وإن كان مكان الإمام أرفع، والأولى أن لا يفعل ذلك، قال الشافعي: ولم يرو أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على المنبر إلا مرة واحدة وكان غرضه أن ينظروا إلى صلاته ويضبطوا أعماله فيها.




الخدمات العلمية