الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
661 [ 398 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج قال: قال لي ابن طاوس: عند أبي كتاب من العقول نزل به الوحي، وما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العقول أو الصدقة فإنما نزل به الوحي .

التالي السابق


الشرح

القاسم بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري من شيوخ الشافعي -رضي الله عنه- من أهل المدينة.

روى عن: المثنى، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وهو أخو عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، وقد تكلموا فيهما جميعا .

والمثنى: هو ابن عبد الله بن أنس بن مالك وقد ينسب إلى جده فيقال: المثنى بن أنس، وذكره الشافعي على الشك روى عن: جده أنس .

وثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، قاضي البصرة.

سمع: جده أنسا.

وروى عنه: حماد بن سلمة، وعبد الله بن عون، وعبد الله بن المثنى، وعبد الله بن أنس ابن أخيه .

والحديث صحيح من رواية ثمامة بن عبد الله، ورواه عن حماد [ ص: 98 ] عنه جماعة منهم: يونس بن محمد المؤدب، وسريج بن النعمان، والنضر بن شميل; وأورده البخاري عن محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن أبيه عبد الله بن المثنى بن عبد الله، عن عمه ثمامة بن عبد الله بن أنس، واللفظ أن أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، التي أمر الله به رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ... إلى آخره وذكر فيه صدقة الغنم وغيرها.

وقول الشافعي بعد رواية حماد عن ثمامة: وأحسب من حديث حماد عن أنس أنه قال: "دفع إلي أبو بكر كتاب الصدقة" إشارة إلى الزيادة التي رواها البخاري من ذكر أبي بكر -رضي الله عنه-.

والحديث معدود من مسند أبي بكر، وفي الباب عن عمر، وابنه عبد الله، وأبي سعيد الخدري، وعمرو بن حزم.

وقوله: "هذه الصدقة" ترجمة الكتاب وعنوانه كما يقال: هذا كتاب كذا ومحضر كذا ثم يبدأ بكتابته.

وقوله: ثم تركت الغنم وغيرها وكرهها الناس روى المزني في المختصر حديث القاسم عن المثنى ولم يذكر هذه الكلمات ونقلها أبو العباس عن الأم ولا يتنقح مقصودها ومعناها كما ينبغي، ويمكن أن يريد: هذه فريضة الصدقة في الإبل والغنم على ما عرفت اشتمال الحديث على صدقة الغنم في سائر الروايات، وتركت الغنم وغيرها غير زكاة، وكره الناس الصدقة وتهاونوا في أدائها; ويمكن أن يريد: تركت الغنم وغيرها في هذه الرواية وقد تقرأ: تركت [ ص: 99 ] والله أعلم.

وقوله: "التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم" - قيل: أوجبها، وقيل: قدرها وهو أحسن; لأنه قد ذكر من بعد أن الله تعالى أمر بها.

وقوله: "ومن سئل فوقها فلا يعط" قيل: معناه فلا يعطه شيئا; لأن الساعي بطلب الزيادة يصير خائنا وإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته، وقيل: معناه فلا يعط الزيادة وهو الأصح.

وبنت المخاض: التي تمت لها سنة ودخلت في الثانية، قيل لها: بنت مخاض; لأن أمها تحمل بولد آخر بعد حول فهي من أولاد النوق المخاض، وقيل: لقرب عهدها بمخاض أمها، والذكر: ابن مخاض.

وبنت لبون: التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة، سميت بنت لبون; لأن أمها تصير حينئذ لبونا بوضع الولد الثاني، وقيل: لقرب عهدها بكون الأم لبونا وأخذ بها اللبن، والذكر: ابن لبون.

وذكر الأنوثة في قوله: "بنت مخاض أنثى" والذكورة في قوله: "فابن لبون ذكر" جرى على سبيل التأكيد، كما يقال: رأيت بعيني، وقيل: نبه به على أن الخنثى لا يجزئ، والأظهر الأول وإجزاء الخنثى.

والحقة: التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، والذكر: حق; سمي به لاستحقاق العمل والركوب، وأيضا فإن الذكر استحق أن ينزو والأنثى استحقت أن ينزى عليها.

وقوله: "طروقة الجمل" أي: طرقها الفحل، وطروقة بمعنى مطروقة، وقرأ اللفظة بعضهم: طروقة العمل وقال: طرقت للحمل عليها; والصحيح الأول، وقد ورد في بعض الروايات: طروقة الفحل.

[ ص: 100 ] والجذعة: التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة، والذكر: جذع; لأنه يجذع السن حينئذ أي يسقط.

وقوله: "وأن بين أسنان الإبل في فريضة الصدقة من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة" يريد أن بين الأسنان التي ذكرنا أنها واجبة من بلغت إبله التي عنده القدر الذي يجب فيه الجذعة، وفي بعض الروايات فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة ... إلى آخره.

وفي الحديث بيان نصب الإبل وواجباتها، وأنه لا يزيد وجوب شيء بالأوقاص.

وهل يتعلق الواجب بالوقص؟

فيه قولان للشافعي -رضي الله عنه- يبين في الفقه فائدتهما، وقد يحتج لأحدهما بقوله: فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض وللثاني بقوله: في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

وقوله: "فإذا زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة" فيه دلالة على أن الفريضة لا تستأنف بعد ذلك خلافا لقول من يقول: إذا زادت خمس بعد ذلك وجبت مع الحقتين شاة، وكذا يجب في كل خمس شاة حتى تبلغ مائة وخمسا وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض، فإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة فيجب لكل خمس شاة حتى تبلغ مائة وخمسا وسبعين ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق، وبهذا قال أبو حنيفة.

وفيه دليل على أن من وجب عليه سن ولم يكن في ماله يؤخذ سن دونها مع شاتين أو عشرين درهما أو سن فوقها ويعطى شاتين [أو] [ ص: 101 ] عشرين درهما خلافا لقول من قال: أنه يجب على رب المال أن يحصل السن الواجبة ويؤديها، وبه قال مالك.

وعلى أن الجبران شاتان أو عشرون درهما خلافا لقول من قال: يعطى شاتين أو عشرة دراهم، وبه قال الثوري.

وقوله في آخر الحديث: ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما يعني: الساعي، والصاد من اللفظة مخففة، وأما المصدق بتشديد الصاد فهو المتصدق; قال الله تعالى: إن المصدقين والمصدقات ، واحتج بشرعية النزول والصعود على أن القيم لا تؤخذ في الزكاة; إذ لو أخذت لما كان لنقل الفريضة إلى سن فوقها أو دونها مع الجبران معنى.

وقول ابن طاوس: عند أبي كتاب من العقول ... إلى آخره يريد به أن التقدير في الديات وفي نصب الزكاة وواجباتها مأخوذ من الوحي لا يهتدي إليه الرأي والقياس.




الخدمات العلمية